تحقيق أمريكي: بن سلمان سيد المليونيرات بسيطرته على ثروة آل سعود
سلط تحقيق أمريكي الضوء على قبض محمد بن لمان على مصادر ثروة آل سعود منذ إمساكه السلطة وإبعاده الأمراء الذين يمثلون تهديدا محتملا لوصوله إلى سدة الحكم.
ونشرت وكالة “بلومبيرغ” الأميركية تحققها تحت عنوان “صعود بن سلمان في السلطة يحوله إلى سيد المليونيرات”.
وذكرت الصحيفة أن قبضة محمد بن سلمان على ثروة بيت آل سعود تزداد قوة، مشيرة إلى أن حملته ضدّ شخصيات قوية، والتي لم تنته، هي خطوة غير مسبوقة في المملكة؛ تم تأطيرها باعتبارها حملة على الفساد، إذ حوّل ولي العهد بن سلمان فندق ريتز كارلتون ذي الأرضية الرخامية في الرياض إلى سجن في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 لمئات الرجال، كما قالت الوكالة.
وتتابع الوكالة أنّه لم يتم إطلاق سراح الكثير من المعتقلين، وبعضهم من أقاربه وأمراء لديهم صلاحيات خاصة، إلا بعد الموافقة على التوقيع للتنازل عن أصول بما في ذلك الأراضي والنقد والوكالات التجارية.
وقالت سلطات آل سعود إن إجمالي المبلغ المسترد بلغ نحو 107 مليارات دولار. ووفقا للوكالة، فإن هذه الحملة أدت إلى هدم أصول وقواعد غير مكتوبة استمرت لعقود طويلة داخل بيت آل سعود، وأبعدت في الوقت ذاته بشكل فعال خصوم ولي العهد المحتملين.
وتضيف أنه مع صعوده حتى أصبح وليا للعهد، أصبح بن سلمان ليس فقط الزعيم السياسي الفعلي لدولة البترول ولكن أيضًا الملياردير الذي لا نظير له لشركة عائلية مترامية الأطراف بأموال أكثر من أي أسرة تقريبًا على هذا الكوكب.
ويبلغ عدد آل سعود حوالي 15000، حسب تقديرات المحللين السياسيين والأكاديميين، من الأطفال الرضع إلى كبار السن، تقدر ثروتهم الجماعية، وفقا لتقدير السفارة الأميركية عام 1996، بأكثر من 100 مليار دولار، لتحتل المرتبة الرابعة بين أغنى الأسر في العالم، في مؤشر “بلومبيرغ”.
ويعتمد أعضاء أسرة آل سعود في دخولهم بالأساس على عدة مصادر معقدة ومتشابكة، من بينها رواتب ملكية يوزعها مكتب الملك الخاص.
وتنقل الوكالة الأميركية تفاصيل الرواتب الشهرية للأمراء مستندةً إلى برقية سفارة الولايات المتحدة لعام 1996 الذي نشرتها “ويكيليكس”، مشيرةً إلى أنّها تراوح بين 800 دولار و270000 دولار، ومجموعها ملياري دولار سنوياً؛ قبل أن تضيف أنه “ليس من الواضح كيف أو ما إذا كانت المبالغ قد تغيرت منذ ذلك الحين”.
غير أنّ “بلومبيرغ” تعود وتتحفّظ على هذا الرقم، وتعتبره قليلا للغاية، إذ إنّ ذلك يفترض أن الرواتب بقيت على حالها، وأن الاستثمارات تحقق صفر مكاسب، ولكن وفقا للوكالة، إذا ارتفعت الرواتب بالتنسيق مع التضخم أو عائدات النفط السعودية، وإذا تم استثمار المبالغ المدفوعة في أسواق رأس المال، فقد تصل قيمة ثروة أسرة آل سعود إلى حوالي تريليون دولار، وهو ما يجعلها أغنى أسرة في العالم.
وتقول الوكالة إن مصدر الثروة الأساس للأسرة الحاكمة يأتي من النفط الخام، حيث تسيطر شركة النفط العربية (أرامكو) المملوكة للدولة على خُمس احتياطيات العالم من النفط، والتي تسيطر الأسرة بلا منازع على هيكل شركة الطاقة وبما يمكنها من الحصول على الامتيازات التي سمحت لثروة الأسرة بالنمو.
وتشير الوكالة إلى أنه، حتى وقت قريب، كان بإمكان الأمراء رفيعي المستوى معاملة الوزارات الحكومية باعتبارها إقطاعيات شخصية، وهو ما انقلب عليه بن سلمان أخيرا.
وقال ستيفن هيرتوج، مؤلف كتاب “الأمراء والوسطاء والبيروقراطيون: النفط والدولة في المملكة العربية السعودية”، وهو أستاذ بكلية لندن للاقتصاد، إنه “كانت هناك حدود غامضة بين المالية العامة وكبار الأمراء”، وإنه “لم يتبق سوى شخصين لديهما هذا النوع من الوصول المباشر: ولي العهد والملك”.
وتقدر الوكالة ثروة بن سلمان الشخصية بأكثر من مليار دولار، وتناولها إلى حد ما، في مقابلة مع برنامج “60 دقيقة” لقناة “سي بي إس” الأميركية في مارس/آذار من العام الماضي، حيث قال “في ما يتعلق بنفقاتي الخاصة، أنا شخص غني وليس فقيرا؛ أنا عضو في الأسرة الحاكمة التي كانت موجودة منذ مئات السنين قبل تأسيس المملكة العربية السعودية”.
وفي مقابل هذه الإجراءات المغلّفة بشعارات الإصلاح، أقدم بن سلمان على سجن رجال دين ونشطاء معارضين، بمن فيهم نساء قاتلن من أجل الحق في قيادة السيارة، وقاد حملة عسكرية في اليمن أدت إلى أزمة إنسانية، كما تعيد “بلومبيرغ” التأكيد. هذا إضافة إلى الجريمة الأكبر، التي تمثلت في اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، على يد مسؤولين سعوديين في قنصلية البلاد بإسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وبطريقة بربرية بشعة، لقيت إدانات دولية واسعة.
ورغم هذه الجرائم والتسلّط، فإنّ بن سلمان حافظ على تحالف دبلوماسي مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي عمل على تجنيبه مسؤولية جريمة خاشقجي بفضل ما أنفقه من مليارات على صفقات مشبوهة مع واشنطن.
وتوضح الوكالة أنّ “سيطرة بن سلمان السياسية في الداخل لم تتراجع، وكذلك سيطرته ما زالت مستمرة على المحفظة المالية للأسرة المالكة”. ولم يتم حتى الآن الطرح العام المحتمل لشركة النفط العملاقة أرامكو، لأنه ربما يؤدي لنشر تقارير مكتظة بالأرقام الكثيرة والتي سترفع الحجاب عن ثروة العائلة المالكة، تتابع “بلومبيرغ”.
وقد دفعت أكثر الشركات ربحية في العالم 162.9 مليار دولار من الرسوم والضرائب والأرباح التي تم توزيعها العام الماضي مباشرة لخزانة الدولة. أما المبلغ الذي تم إنفاقه من الشركة على أفراد الأسرة فهو غير معروف، وفق المصدر نفسه.
تاريخياً، لم يكن هناك تمييز كبير بين خزائن الدولة وتلك الخاصة بالملوك الذين تعاقبوا على السلطة في المملكة، بحسب ما تنقل الوكالة عن إلين والد، مؤلفة كتاب “الشركة السعودية: السعي وراء الربح والسلطة في المملكة العربية”، الذي قال: “إنها ملكية مطلقة.. عندما يتعلق الأمر به، يمكن للملك أن يأخذ أي شيء”.
وتسلّط الوكالة على مصادر دخل أخرى للعديد من أفراد العائلة المالكة على مرّ العقود الماضية. إذ تشير إلى أنّ البعض حصل على رسوم من خلال العمل كجهات وسيطة في الصفقات الدولية للحكومة، خصوصاً الأسلحة، حيث تعد السعودية تقليديا واحدة من أكبر الدول المستوردة للأسلحة في العالم، إذ تشتري الأسلحة بشكل أساسي من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وفرنسا.
وتتابع “لقد كسبوا المال أيضًا عن طريق ملكية الأراضي أو العمل كشركاء غير معلنين في الأعمال التجارية، مستفيدين من قانون كان يتطلب حتى وقت قريب من الشركات في بعض الصناعات أن تكون مملوكة بنسبة 25% على الأقل من قبل السكان المحليين، والتي كانت هدفا لحملة بن سلمان في 2017”.
وحدّد تحليل “بلومبيرغ” أصولًا لا تقل عن 30 مليار دولار، تمتد إلى ساحات السباق، والممتلكات الريفية، والأسهم العامة، ومزارع، ومراكب اليخوت الضخمة بقيمة 1.6 مليار دولار وأكثر من ذلك. ويمتلك أعضاء من الأسرة أيضا بعض الحصص الخاصة في الشركات، كالأمير سلطان بن محمد بن سعود الكبير، الذي يتولى رئاسة مجلس إدارة أكبر شركة للأغذية والمشروبات في المملكة (المراعي)، وفق الوكالة.
وفي سرد تفاصيل هذه الثروات وأمرائها، تقول الوكالة إن أبناء الأمير الراحل عبد الله الفيصل بن عبد العزيز يديرون مجموعة الفيصلية، وهي تكتل يعمل كشريك محلي لشركة دانون، وفيليبس للرعاية الصحية، وأكسنتشر، وشركة سوني كورب. وتشير إلى أنّ الأمير الوليد بن طلال أسس شركة المملكة القابضة، التي لديها استثمارات في الفنادق والعقارات والأسهم، مثل مجموعة سيتي غروب، ومجموعة سناب، وتويتر وغيرها.
جزء كبير من هذه الثروات حلّ في جيب محمد بن سلمان، بعدما اتخذ من “الحملة على الفساد” مطيّة للقبض على الثروة. وتقول “بلومبيرغ” إنّ الوليد هو أكثر الشخصيات المعروفة في سجن الريتز. انتهى احتجازه، الذي فسره لاحقًا “لسوء التفاهم”، في يناير/كانون الثاني 2018، بعد 83 يومًا، عندما توصل إلى اتفاق لم يكشف عنه مع الحكومة. غير أنّ التسريبات الإعلامية التي رافقت حملة “الريتز”، ومنها ما نشره “العربي الجديد”، كشفت عن تسويات بعشرات المليارات من الدولارات بين بن سلمان والأمراء المحتجزين.
وكان الأمير محمد، الابن الأكبر لزوجة الملك سلمان الثالثة، قد تولى لفترة قصيرة فقط دورًا حكوميًا رفيع المستوى قبل أن يتولى والده العرش. لكن بعد تسلم والده مقاليد السلطة، تولى بن سلمان في وقت قصير عددا من المناصب بما في ذلك منصب وزير الدفاع، ورئيس الديوان الملكي والمستشار الخاص للملك.
وحول أعمال بن سلمان وثروته وأصوله المنتشرة في العالم، تنقل “بلومبيرغ” إن اهتماماته التجارية واسعة النطاق، وفقًا لصحيفة “غلف ستايتس”، وهي شركة استشارات المخاطر السياسية “سي بي آي”، التي ربطته ب 20 إلى 25 شركة، معظمها تأسس في عام 2009 ويعمل في العقارات والتصنيع والاتصالات. وتم التعرف على الأصول الأخرى من خلال المعلومات التي تم الكشف عنها في تسريبات “أوراق بنما” و”أوراق الجنة”.
كما نشر التحالف الدولي للصحافة الاستقصائية، تفاصيل اتصالات أسرته بأكثر من عشرة كيانات خارجية (أوفشور)، بعضها يربط بين ولي العهد ومشتريات شاتو لويس الرابع عشر في عام 2015 خارج باريس مقابل 300 مليون دولار واليخوت الفاخرة (سيرين)، إضافة إلى واحدة من أكثر الشركات قيمة في العالم، بقيمة السوق 320 مليون دولار.
وتضيف “بلومبيرغ” إن الأصول الأخرى تشمل مزرعة في جنوب أفريقيا، وحصة في شركة الاتصالات سعودية تبلغ قيمتها نحو 30 مليون دولار، وحصصا في عدد قليل من الشركات الخاصة، بما في ذلك بنك ومطور عقاري ومزرعة أسماك وشركة نقل بتروكيماويات تسيطر عليها شركة قابضة تدعى “ثروات”.