تحقيقات أمريكية بشأن ترويج مشبوه لآل سعود في الولايات المتحدة
نشر موقع “موذر جونز” الأمريكي تقريرا أعده جيمس ويست، حول التحقيق الذي أجراه مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) في مجلة “ناشونال إنكويرر” وتأثير آل سعود بهدف التشويه المشبوه لهم.
ويقول الكاتب نقلا عن مصدرين عارفين بمسار التحقيقات، إن المحققين الفيدراليين طلبوا بداية هذا العام وثائق وحققوا مع موظفين في شركة “أمريكان ميديا إنك” (إي إم أي) التي يديرها واحد من أصدقاء الرئيس دونالد ترامب القدامى، هو ديفيد بيكر، ومساءلتهم حول العدد الباذخ الذي نشرته الشركة عن ولي العهد السعودي المثير للجدل محمد بن سلمان واحتوى على تقارير ومقالات مادحة له.
وتم جمع المعلومات حتى شهر حزيران/ يونيو، وبناء على توجيه المدعين من محكمة منطقة نيويورك الجنوبية، ركز فيها “إف بي أي” على الظروف التي رافقت إصدار العدد الخاص، وفيما إن كانت “إي أم أي” قامت بحملة ترويج غير قانونية بالنيابة عن قوة أجنبية.
وجاء التحقيق وسط الجدل الحاد الذي أدخل “إي أم أي” التي كانت تملك مجلة “ناشونال إنكويرر” ومالك شركة أمازون، جيف بيزوس، ومحاولة الشركة ابتزازه بشأن صور فاضحة تبادلها كما يزعم مع صديقته. وقام المحقق الخاص الذي يعمل لصالح بيزوس، غافين دي بيكر، بإطلاق الاتهام المتعلق بالجدل: سرقت السعودية معلومات خاصة من هاتف الملياردير وكانت متعاونة مع مجلة “ناشونال إنكويرر” بهدف الإطاحة ببيزوس.
وبعد إطلاق دي بيكر الاتهامات في شهر آذار/ مارس، بدأ “إف بي أي” بالتحقيق، وقابل موظفي شركة “إي أم أي” وعلاقتها مع السعودية. ويرى معسكر بيزوس أن السعوديين استهدفوا الملياردير انتقاما منه لكونه مالك صحيفة “واشنطن بوست” التي لم تتوقف عن التغطية للموت البشع الذي تعرض له واحد من كتابها، وهو جمال خاشقجي، بشكل أغضب ولي العهد المعروف بـ “م ب س” والمتهم بإصدار أوامر لقتل الصحافي.
وبالنسبة للشركة فالرواية مختلفة، “كان بيكر يحاول بناء علاقات تجارية مع المملكة واستخدم الشركة واستهدف عدوا عاما لترامب ومحمد بن سلمان”.
ويقول محقق فيدرالي سابق إن تحقيق “إف بي أي” في التأثير السعودي سيترك تداعيات كبيرة على “إي أم أي”، فهو يهدد بإلغاء اتفاق عقدته العام الماضي مع وزارة العدل حول دورها في دفع أموال في قضية تمويل لحملة ترامب الرئاسية قام بها محاميه مايكل كوهين نيابة عنه. وحكم عليه بالسجن لمدة ثلاثة أعوام لهذه القضية وقضايا أخرى.
ووافقت “إي أم أي” على التعاون في التحقيق مقابل حصولها على حصانة من الإدانة. لكن الصفقة قد تلغى لو ثبت أن الشركة كانت منخرطة في أعمال غير شرعية أخرى.
وتم فتح قضية “إي أم أي” والتحقيق فيها وكونها أداة تأثير للسعودية في قصة مذهلة من عالم ترامب وتدخل في سياقها شخصيات تضم أكبر رجل ثري في العالم وزعيما سعوديا أقام علاقات مع الرئيس ترامب وإدارته ورجلا استخدم مجلته الشعبية لحماية حلفائه ومعاقبة أعدائهم.
وصدر العدد الخاص من مجلة “إنكويرر” في آذار/ مارس 2018، وغطى 97 صفحة ضمت مقالات متملقة مثل “أكثر زعيم عربي مؤثر يقوم بتحويل العالم في عمر 32 عاما”، واحتوى على مقابلة مع “واحد من المستشارين الشباب للشرق الأوسط” وهو رجل الأعمال كيسي غراين، والذي قال إن السعودية التي تقف على أهبة ثورة اقتصادية وستقود “السوق العربية المتحدة” تقع بين الصين وأوروبا. ومدح خطوة محمد بن سلمان وإصلاحه الصندوق السيادي السعودي.
واحتوى العدد على صورة لغراين مبتسما إلى جانب الرئيس ترامب حيث زار البيت الأبيض في 17 تموز/ يوليو 2017 مع بيكر والمدير البارز لـ”إي إم أي” ديلان هاوارد. وحضر اللقاء صهر ترامب، جارد كوشنر.
وبحسب صحيفة “نيويورك تايمز” فجلوس بيكر مع ترامب كان بمثابة رسالة للسعوديين عن تأثيره “غير الرسمي” في البيت الأبيض. وبعد شهرين سافر بيكر إلى المملكة بمعية غراين حيث التقى مع محمد بن سلمان وناقش معه خططا لتوسيع منافسة كمال الأجسام “مستر أوليمبيا” إلى المملكة وشمال أفريقيا.
وفي الربيع التالي نشرت الشركة العدد الخاص “المملكة الجديدة” والذي طبعت منه 200.000 نسخة وتزامن مع جولة محمد بن سلمان في الولايات المتحدة. وكان الهدف منه هو بناء رؤية إيجابية عن ولي العهد الذي أطاح بابن عمه ليحل محله كولي للعهد، وقام بسجن وتعذيب المعارضين له.
وأثار صدور العدد الخاص شكوكا حول دور سعودي فيه، وأنه جاء بطلب من الأمير نفسه. لكن تقريرا في وكالة أنباء أسوسيتد برس قالت فيه إن النسخ الرقمية التي جاءت من “إي أم أي” تمت مشاركتها مع مسؤولين في السفارة السعودية بواشنطن وقبل ثلاثة أسابيع من صدورها.
وأكد متحدث باسم “إي أم أي” أن لا علاقة مالية للشركة مع السعودية ولم تتأثر بها “بالمطلق، لا”. ولاحظت قصة الوكالة أنه لو صح تمويل السعودية للطبعة فستكون الشركة خالفت قانون تسجيل العملاء الأجانب الذي يطلب من جماعات التأثير واللوبي الكشف عن مصادر تمويلهم وزبائنهم.
وبعد نشر المقال، حاولت الشركة وبهدوء الحصول على نصيحة من وزارة العدل وإن كان عليها التسجيل بناء على القانون. وفي تموز/ يوليو 2018، ردت وزارة العدل أن الشركة وبناء على المعلومات التي قدمتها لا تحتاج للتسجيل بناء على قانون تسجيل العملاء الأجانب، ولكنها حذرت الشركة من أن الوضع قد يتغير لو ثبت أن المعلومات التي ستظهر متناقضة مع تلك التي قدمتها للوزارة.
وأشارت إلى تناقض في المراسلات الأولية عندما نفت الشركة أنها لم تطلب استشارة من السفارة السعودية، لتعود وتقول إنها أعطت نسخة لمستشار لها من أجل مراجعتها واتبعت مقترحاته.
وفي الوقت نفسه كان بيكر يواجه معضلة مختلفة تتعلق بقضايا محامي ترامب، كوهين، الذي قام بالنيابة عن حملة ترامب بالتستر على علاقات الرئيس مع عارضتي “بلاي بوي”، ستورمي دانيالز وكارين ماكداول.
وبحسب وثائق المحكمة فقد كان بيكر وهاوارد على اتصال دائم مع حملة ترامب وقاما بناء على طلب من كوهين بدفع 150.000 دولار لمكاداول لقتل مقابلة صحافية معها أثناء الحملة الانتخابية في تقليد يعرف في الصحافة باسم “امسك واقتل”.
ولهذا تورط بيكر وهاوارد في القضية، وقررا التعاون مع المحكمة الجنوبية لنيويورك مقابل عدم محاكمة “إي أم أي”، خاصة أن كوهين سمى الشركة وكذا ترامب الذي أشار إليه بـ”الشخص 1”.
والمشكلة بناء على الصفقة نصت على محاكمة الشركة لو ثبت أنها خرقت العقد أو كذبت أو ظهر أنها حاولت عرقلة مسار القضاء. وبعد خمسة أشهر من توقيع الصفقة وضعت الشركة نفسها مرة أخرى وسط فضيحة قد تؤدي إلى خسارة الحصانة من المحاكمة. والمقصود هنا محاولة ابتزاز بيزوس.
ففي 24 كانون الثاني 2019 نشرت “إنكويرر” في عددها تقريرا عن علاقة بين بيزوس ومقدمة البرامج التلفزيونية لوري سانشيز. وكشفت عن رسائل هاتفية غزلية. وأعلن بيزوس وزوجته ماكينزي التي عاش معها لمدة 25 عاما عن طلاقهما وانتهى بتسوية قيمتها 38 مليار دولار.
وبحث بيزوس عن دعم المحقق المعروف والخبير دي بيكر الذي عمل مع عدد من الزبائن للتحقيق في الاتهامات. ونشر في 7 شباط/ فبراير مقالات في “ميديم بوست” تحدث فيه عن محاولات “إي أم أي” ابتزازه برسائل جديدة وصور فاضحة له مع صديقته “من تحت الزنار” كما قال.
وأشار بيزوس إلى علاقة بيكر مع السعودية. وألمح إلى أن محققه دي بيكر يقوم بالنظر في علاقات “إي أم أي” مع السعودية. وقال إن “الزاوية السعودية يبدو أنها ضربت على وتر حساس”. وكشف موقع “ديلي بيست” أن مصدر الرسائل كان مايكل سانشيز شقيق لورين، ونفى لاحقا في مقابلة مع “واشنطن بوست” أن يكون مصدرها. فيما قالت “وول ستريت جورنال” إن المجلة دفعت 200.000 دولار مقابل الرسائل النصية.
ولكن دي بيكر كشف في مقال بموقع “ديلي بيست” نشر في 30 آذار/ مارس، أن مايكل سانشيز كان لاعبا صغيرا في الدراما واتهم السعودية بالوقوف وراء الفضيحة كجزء من الحملة الانتقامية للتغطية القاسية التي قامت بها “واشنطن بوست” لمقتل خاشقجي.
وقال: “كشفت تحقيقاتنا وعدد من الخبراء وبثقة عالية أن السعوديين كان لهم منفذ على هاتف بيزوس“. وبعد مقال دي بيكر بدأ محققو “إف بي أي” بالتحقيق ومساءلة العاملين مع “إي أم أي” وعلاقتها مع السعودية. وقال مصدر إن الوجه الأول من التحقيق ركز على “إي أم أي” وإن وكانت قد خرقت قانون تسجيل العملاء الأجانب.
وذكرت شبكة “سي إن إن” أن بيزوس طلب في نيسان/ أبريل مقابلة المحققين الفيدراليين للحصول على معلومات عن المواد التي سرقت من هاتفه.
ونشرت قناة “فوكس نيوز” يوم الأحد أن محكمة نيويورك الجنوبية بدأت بتشكيل هيئة محلفين لجمع معلومات عن دور الحكومة السعودية في سرقة معلومات من هاتف بيزوس وكذا عمليات ابتزازه على يد “إي أم أي”. وقال محقق فيدرالي سابق إن على الشركة القلق حول وضعها السابق الذي حصنها من المحاكمة.