تحذيرات من تدهور صحة معتقلي رأي في سجون آل سعود

حقوق الإنسان في السعودية- حذرت أوساط حقوقية من مخاطر تدهور صحة معتقلي رأي في سجون نظام آل سعود في ظل ما يعانوه من تعذيب وسوء المعاملة وإهمال طبي معتمد.

وتهدد التصفية الجسدية معتقلي الرأي لاسيما من الرموز الوطنية المعروفة وبينهم دعاة وناشطي حقوق إنسان بارزين في سجون آل سعود بفعل الإهمال الطبي والإيذاء النفسي الممنهج.

ويعاني المعتقل سعود مختار الهاشمي من سوء معاملة “شديدة” إضافة إلى الإهمال، في وقت يعاني فيه من مرض السكري ويحتاج إلى عناية خاصة، فيما إدارة السجون لا ترقب وضعه الصحي ومستوى السكر لديه، وهو ما يعرضه للدخول في غيبوبة في أي لحظة.

وكانت منى مختار الهاشمي -شقيقة المعتقل- قد ذكرت في وقت سابق أن شقيقها يعاني وضعا صحيا سيئا، بعد أن قضى 15 عاما داخل السجن.

وقالت مصادر حقوقية إن الصحفي زهير كتبي أحد معتقلي الرأي المرضى الذين يوجد خطر حقيقي على حياتهم في حال استمرار الإهمال الصحي المتعمد ضدهم.

كما حذرت المصادر من أن الشيخ المعتقل سفر الحوالي يعيش ظروفا صحية لا تتناسب مع وضعه الصحي المتدهور. والحوالي من أبرز الدعاة المعتقلين في سجون المملكة منذ عام 2018، على خلفية آرائه المنتقدة لسياسات الأسرة الحاكمة.

وذكر حساب معتقلي الرأي في المملكة -في تغريدة له عبر تويتر- “أن هناك مخاوف جديدة على حياة الشيخ، خاصة أنه يعاني من أمراض مزمنة، عدا عن كبر سنه”.

وكانت السلطات الأمنية في السعودية قد اعتقلت في 12 يوليو/تموز 2018 الشيخ القعيد سفر الحوالي وأبناءه الأربعة، وذلك عقب ثلاثة أيام من تسريب كتابه المسمى “المسلمون والحضارة الغربية” بنسخته الإلكترونية، وتضمن الكتاب نصائح للعلماء والأسرة الحاكمة في المملكة، كما ينتقد إغداق الرياض مليارات الدولارات على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وسبق لحساب معتقلي الرأي أن نبه لتدهور صحة الشيخ الحوالي، مشيرا إلى أن السلطات لم تراع وضعه الصحي وهو المصاب بعدة أمراض أبرزها الفشل الكلوي وكسر الحوض، مضيفا أن الحوالي يتعرض لإهمال طبي يتجلى في حرمانه من الدواء.

وتفرض سلطات آل سعود تعتيما على أوضاع كثير من المعتقلين، في حين تتسرب أنباء عن تدهور صحة العديد منهم أو تعرضهم للتعذيب وسوء المعاملة.

ويأتي تصاعد المخاوف بشأن الحالة الصحية لمعتقلي الرأي بعد بضعة أيام من وفاة الحقوقي البارز عبد الله الحامد، نتيجة للإهمال الطبي في محبسه.

قالت منظمة إفدي الدولية لحقوق الانسان ‎إن وفاة الحامد في معتقله، جريمة جديدة تنضاف إلى سجل نظام آل سعود الحافل بالانتهاكات.

وذكرت المنظمة في بيان صحفي لها أن الوفاة الحامد جاءت نتيجة للإهمال الطبي وسوء الرعاية مما تسبب له في جلطة دماغية أدت إلى وفاته.

وقالت إن “ما قامت به سلطات آل سعود في حق عبد الله الحامد هو في نظر قواعد القانون السعودي والدولي جريمة قتل خارج نطاق القضاء، تستدعي فتح تحقيق عاجل مع ترتيب المحاسبة”.

وأضافت “عليه ونحن إذ نحمل مسؤولية الوفاة إلى سلطات آل سعود، ندق ناقوس الخطر لما تعرفة سجون المملكة من انتهاكات خطيرة خاصة في ظل تفشي فيروس كورونا”.

ودعت المنظمة الدولية إلى إنقاذ ما تبقى من معتقلي ومعتقلات الرأي ممن يعانون من حدة الإهمال الطبي مثل الدكتور موسى القرني الذي تعرض لجلطة دماغية تسببت في دخوله الى مستشفى الأمراض العقلية حيث يقبع حالياً، ناهيك عن الظروف اللإنسانية لباقي المعتقلين الآخرين.

‎كما طالبت سلطات آل سعود بإطلاق سراح كافة معتقلات ومعتقلي الرأي وحقوق الانسان، مع الأخذ بعين الاعتبار بنداء المفوضية السامية لحقوق الانسان الداعي إلى تخفيف وطأة الازدحام في السجون العربية في ظل تفشي الوباء، ومراعاة الجانب الإنساني في هذه الظروف العصيبة التي يمر منها العالم.

كان عبدالله الحامد من نجد، عصبية الدولة، أهل الحظوة والمناصب الحكومية، ليس لديه ما يدفعه إلى معارضة السلطة، بل إلى مهادنتها، وتكديس الملايين من ورائها، مثلما كدّسها غيره من شيوخ السلطان وولده، فصلوه من الجامعة، وانقطع راتبه، عاش بسيطا، صاحب أفكار وهموم، رصيده الحقيقي في خزانة المستقبل.

ألف عبدالله الحامد خمسة عشر مؤلفا عن الحريات وحقوق الإنسان، وأسس أول جمعية مدنية تدافع عن حقوق الإنسان في السعودية، وتتبنّى أجندة الإصلاح السياسي، وهي الجمعية السعودية للحقوق المدنية والسياسية (حسم)، أغلقتها السلطات، واعتقلت مؤسسيها، وهو أولهم، بطبيعة الحال. كان عبد الله الحامد صاحب أول مطالبة رسمية بالملكية الدستورية، يملك الحاكم ولا يحكم.

والمعارضة في المملكة قبل الحامد لم تتجاوز “النصيحة”، الحامد تجاوزها إلى الحلم، كان حالما، لكنه كان عاقلا، سجنوه سبع مرات، نهبوا أيامه، ولم يدعُ إلى العنف، مرّة، بل إلى العمل السياسي السلمي، وفصل السلطات، واستقلال القضاء، والقضاء على الفساد، والإصلاح التدريجي، والانتقال من حكم الفرد إلى المشاركة، ثم إلى الملكية الدستورية، كان يستخدم من التعبيرات والمفردات ما يتناسب مع ثقافته، يغزل أفكاره من خامات بيئته وتراثه، لم يتعال على جمهوره، ولم يسبق خطوتهم، مثل نخب الثورة المتحمّسين في بلدانٍ كثيرة، دأب وصبر وإخلاص وتضحيات، بلا مقابل.

لم يكن الحامد مثقفا إسلاميا تقليديا، متحزّبا، مغلقا، يحشد الأنصار ويخوض معارك وهمية ضد العلمانيين والليبراليين، من أعداء الدين المتخيلين. كان مناضلا حقيقيا، أذكى من أن يُستخدم، وأكرم من أن يُستهلك، متصالحا مع دينه، عابرا للمذاهب والطوائف، متجاوزا التصنيف الأيديولوجي، رسولا من رسل الحرية، يحملها إلى الجميع، ويبشر بها الجميع، ويطالب بها للجميع، ويدفع ثمنها عن الجميع. أوراقه، ومشروعاته، وعرائضه كانت تحمل توقيعاتٍ ليساريين، وقوميين، وليبراليين، وشيعة، وسلفيين، ونشطاء وناشطات من كل التيارات والمذاهب… كان سعوديا، وتلك قضيته ومأساته!

حصل عبدالله الحامد على جائزة نوبل البديلة، وكان جمال خاشقجي يطالب له بالأصلية، ويبشّر به في دوائره، ويقول إنه لم ينل حقه، من الاحتفاء والتكريم، ويسمّيه مانديلا السعودية.

مات جمال منشورا، ومات الحامد مسجونا، مريضا، محروما من العلاج أربعة أشهر، أصيب بالإغماء، في 9 إبريل/ نيسان الجاري، داخل زنزانته، تركوه أربع ساعات، مرميا، وفق شهادة الحقوقي السعودي، يحيى عسيري، ثم كبّلوه من يديه وقدميه، وهو غائبٌ عن الوعي، ونقلوه إلى العناية المركّزة، كانت حالته تستدعي إجراء عملية فورية، رفضوا، أهملوه عمدا، تركوه ينزف روحَه قطرة قطرة، إلى أن مات بالجلطة الدماغية، في أول أيام شهر رمضان.