تحالف الحرب السعودي.. رفض شعبي يمني وتفكك كامل لأعضائه
تتسم حرب السعودية الإجرامية على اليمن بالفشل الذريع، فمن جهة يواجه رفضا شعبيا متصاعد من اليمنيين الذي عانوا ولا يزالون ويلات حرب الرياض ومقتل وجرح مئات آلاف منهم فضلا عن الكارثة الإنسانية الأسوأ في العالم في بلادهم.
بموازاة ذلك تفكك تحالف السعودية في حربه على اليمن وتلقي أخر علامات الانهيار الحتمي بسحب دولة الإمارات قواتها العسكرية.
من صور الغضب الشعبي اليمني ضد السعودي، تظاهر أهالي 5 مناطق في محافظة “المهرة” اليمنية يوم الجمعة الماضية لتحقيق مطلبين مهمين، وهما: مغادرة القوات السعودية، وإقالة المحافظ.
واثنتان من الوقفات انتظمتا في منطقتي “لوسيك” و”نشطون” بمدينة الغيضة عاصمة المحافظة، في حين نظمت 3 وقفات في مديريات سيحوت والمسيلة وحصوين.
وانتظمت التظاهرتان أمام معسكرات للقوات السعودية، مشيراً إلى أن المشاركين بالوقفات رفعوا مطالب في مقدمتها “رحيل القوات السعودية من المهرة”.
أما المطلب الثاني فهو “إقالة محافظ المهرة، راجح باكريت، ومحاكمته في قضايا قتل معتصمين معارضين لوجود القوات السعودية، وإهدار المال العام”.
والوقفات شهدت “مشاركة وحضوراً وتفاعلاً كبيراً من سكان المحافظة”، دون تقديم تقدير لعدد المشاركين، معلناً أن “المهرة ستشهد مزيداً من التصعيد”.
ومنتصف نوفمبر الماضي، قتل اثنان من المعارضين للوجود السعودي بالمهرة في اشتباك مسلح بين قوات من الأمن والتحالف العربي في مديرية حصوين.
وتتواجد السعودية في المهرة منذ بدء عمليات التحالف السعودي الإماراتي على اليمن، في مارس 2015، ضد مليشيا الحوثي المتهمة بتقلي دعم من إيران.
تفكك للتحالف المزعوم
التحالف العربي” كما سمته السعودية لم يعد عربياً، لا اسماً ولا وظيفةً، خاصة مع تصاعد الإدانات الدولية للانتهاكات التي ترتكبها السعودية والإمارات في اليمن، فضلاً عن تقاسم الحصص بين الدولتين الخليجيتين في البلد الفقير.
فمنذ أن انطلق التحالف بعملياته العسكرية ضد مليشيا الحوثي باليمن، في مارس 2015، حمل اسم “التحالف العربي”، لكن هذه التسمية بدأت تتحوّل شيئاً فشيئاً لتقتصر على مسمّى “التحالف الإماراتي السعودي”، قبل أن تبدأ أبو ظبي مؤخراً بسحب معظم قواتها وتترك الرياض وحدها في هذه الحرب.
كما أن الأمر لم يقتصر على تغيّر الاسم فقط، بل إن الهدف الذي تأسّس التحالف من أجله “ضلّ الطريق”، كما يقول مراقبون؛ فبدلاً من قتال المليشيات المدعومة إيرانياً بدأت الرياض وأبوظبي “تقاسم الحصص” فيما بينهما.
غير أن شريحة واسعة من اليمنيين باتوا ينعتون التدخّل السعودي والإماراتي بـ”الاحتلال”، في ظل إحكام سيطرة الدولتين على صنع القرار والمصادر الحيوية والاقتصادية لليمن.
والتسمية الجديدة للتحالف لم تعد مقتصرة على وسائل إعلام محلية، بل إن صحفاً دولية ومواقع إلكترونية شهيرة باتت تستخدم مصطلح “التحالف السعودي الإماراتي في اليمن”، وهو الإسم الذي لم يتغير حتى الآن رغم سحب الإمارات معظم قواتها من اليمن.
ولعل السؤال الأبرز بعد 3 سنوات من القتال الذي لا أفق لانتهائه وسط إدانة دولية وحقوقية واسعة يحوم حول أسباب تحوّل التحالف العربي، وأين اختفى دور بقيّة الدول المشاركة؟
فعند تأسيسه كان التحالف يضم 9 دول؛ هي: السعودية والإمارات والكويت والبحرين وقطر ومصر والأردن والسودان والمغرب، لشنّ غارات على مواقع الحوثيين واستعادة العاصمة اليمنية صنعاء.
ولا يمكن تجاهل الدول التي رفضت المشاركة لاعتبارات سياسية في منطقة الشرق الأوسط؛ وهي: إيران، وسوريا، والعراق، والجزائر.
ومع استمرار القتال في اليمن دون التوصّل إلى حل للصراع الذي أدخل البلاد في مجاعة غير مسبوقة، بدأ يضمحلّ دور الدول المشاركة وانسحبت أخرى، في حين تصدّرت السعودية والإمارات المشهد.
وكانت الأزمة الخليجية وحصار قطر مرحلة مهمة في عمر التحالف المثير للجدل، حيث أُعلن انسحاب قوات الدوحة من التحالف، والتي قُدّرت بألف جندي، مسنودين بعشرات الطائرات العسكرية.
آخر المنسحبين من التحالف كان المغرب، إذ نقلت وكالة “أسوشييتد برس” العالمية عن مسؤول حكومي مغربي، في 8 فبراير 2019 أن المملكة أوقفت مشاركتها في العمليات العسكرية مع التحالف.
وصرح المسؤول المغربي بأن بلاده لن تشارك في التدخلات العسكرية أو الاجتماعات الوزارية في الائتلاف الذي تقوده السعودية، مضيفاً أن الحكومة المغربية لم تكشف عن تفاصيل مشاركة قواتها.
أما السودان الذي يشارك بنحو 6 آلاف جندي، وفق مصادر رسمية محلية، فقد تعرّض لضغوط شعبية مطالبة بالانسحاب من التحالف، بعد مقتل أكثر من 400 سوداني، بينهم 12 ضابطاً.
وفي مايو 2018، نشر موقع “الأحداث نيوز” السوداني تقريراً قال فيه: إن “الخرطوم أبلغت السعودية رسمياً أنها لا تنوي تجديد قواتها العسكرية التي تشارك في التحالف”.
ومع تواتر العديد من التطورات الإقليمية اللاحقة، ومن ضمن ذلك الأزمة الخليجية، أصبحت مشاركة القوات السودانية في اليمن محاصَرة بعدد من الأسئلة والاستفهامات والاتهامات.
وبعض الدول المشاركة، كمصر والبحرين، ظلّت ضمن التحالف لتسجيل موقف سياسي تضمن من خلاله رضا الرياض وأبوظبي، واستمرار الدعم الإماراتي-السعودي، خاصة اقتصادياً.
وبالنسبة إلى الكويت والأردن فإن دورهما بدا محدوداً، حتى إنه يكاد ينعدم، وهذا يمكن ترجمته باقتصار الرد الحوثي على السعودية والإمارات من خلال القصف الصاروخي وعمليات عسكرية داخل البلدين الخليجيين.
ويتعرّض التحالف إلى انتقادات من جهات سياسية وحقوقية دولية؛ على خلفيّة استهداف غاراته المدنيين في الصراع مع الحوثيين وحليفهم المخلوع، علي عبد الله صالح. إضافة إلى دور التحالف في فرض الحصار والإغلاق على هذا البلد.
وفي 5 سبتمبر 2017، قالت المفوضيّة السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة إن انتهاكات حقوق الإنسان متواصلة من جميع أطراف الصراع باليمن، في خرق واضح للقانون الإنساني الدولي، منتقدة ممارسات التحالف.
وقالت في تقرير مطوّل تناول الوضع الإنساني في اليمن منذ 2014، إنه تم تسجيل أكثر من 4500 غارة جوية للتحالف، بين يوليو 2016 ويونيو 2017، أدّت إلى مقتل 933 مدنياً وإصابة أكثر من 1400 شخص.
وخلال الشهر ذاته، اتّهمت منظمة “هيومن رايتس ووتش” التحالف بمفاقمة الوضع الإنساني في اليمن من خلال القيود التي يفرضها على دخول السلع الأساسية. وقالت المنظمة إنّها زادت الأوضاع المتردّية لليمنيين، وانتهكت القانون الدولي الإنساني.
وفي أكتوبر من العام ذاته، أدرجت الأمم المتحدة التحالف في القائمة السوداء لمنتهكي حقوق الأطفال. واتهم التقرير السنوي لعام 2016 السعودية بقتل وتشويه الأطفال واستهداف وهدم مدارس اليمن ومستشفياته.
وهذا غيض من فيض الانتهاكات التي أدانها المجتمع الدولي، ما يعني أن التحالف انحرف عن مساره في قتال الحوثيين واستعادة العاصمة صنعاء من سيطرتهم.
وبعد عامين من بدء عمليات السعودية والإمارات في اليمن، بدأت تظهر مطامع الدولتين الاقتصادية؛ من خلال سيطرتهما على الموانئ والمنافذ والمدن التي تعتبر متنفّس اليمن الاقتصادي.
واستغلّت السعودية والإمارات مشاركتهما في التحالف لتسيطرا من خلال قوات أمنية وعسكرية درّبتها (لا تمتثل للحكومة اليمنية الشرعية) على جزيرة سقطرى وميناءي عدن والمخا، جنوبي البلاد.
فضلاً عن أن الدولتين أقامتا قواعد عسكرية في جزيرة ميون، جنوب غرب، المتاخمة لمضيق باب المندب، الذي يمثّل ممراً مائياً استراتيجياً للتجارة العالمية.
ولم تعد الإمارات تخفي أطماعها في جزيرة سقطرى اليمنية، وباتت تسطير عليها بعد أن أرسلت خامس طائرة عسكرية، في مايو 2015، وسط مطالبات يمنية بمغادرة القوات الإماراتية، وتعديل سياسة أبوظبي باليمن.
وكنوعٍ من استشعار خطر أبوظبي في اليمن كشف مصدر في الرئاسة اليمنية عن تحرّكات سعودية لإنشاء 3 قواعد عسكرية تابعة لها بمناطق مختلفة جنوبي اليمن.
كما أن السعودية تطمح لإنشاء قاعدة في جزيرة سقطرى، قرب خليج عدن، والخاضعة كلياً لسيطرة القوات الإماراتية.
الإمارات آخر المنسحبين!
والإمارات رغم ارتباط اسمها إلى جانب السعودية تحت مسمى (التحالف السعودي الإماراتي)، لكنها قررت أخيراً سحب معظم قواتها من اليمن، والاكتفاء بوجودها على الأرض من خلال قواتٍ موالية لها.
ونقلت الوكالة “الفرنسية”، عن مسؤول إماراتي قوله إن بلاده تعمل على الانتقال من “إستراتيجية عسكرية” إلى خطة تقوم على تحقيق السلام أولاً.
وسبق أن نقلت وكالة “رويترز” نهاية يونيو الماضي عن أربعة مصادر دبلوماسية غربية قولها إن الإمارات بدأت تقلص وجودها العسكري في اليمن بسبب التهديدات الأمنية الناتجة عن تزايد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران.
وذكر دبلوماسيان أن الإمارات سحبت بعض القوات من ميناء عدن الجنوبي ومن الساحل الغربي لليمن، وهي مناطق سلحت بها قوات محلية تقود القتال ضد جماعة الحوثي على ساحل البحر الأحمر، وذكر الدبلوماسيون الغربيون أن الإمارات تفضل أن تكون قواتها ومعداتها قيد تصرفها تحسباً لتصاعد التوتر في الخليج، بعد الهجمات الأخيرة على ناقلات نفط.
بالتزامن مع سحب قواتها، سحبت الإمارات أيضاً أنظمة صواريخ باتريوت وغيرها من الأنظمة الدفاعية التي استقدمتها في سبتمبر 2015 عندما قُتل 45 جنديًا إماراتيًا وخمسة بحرينيين بصاروخ أرض أرض، أطلقه الحوثيون على معسكر في مدينة مأرب، شرقي اليمن.
ويتمركز الإماراتيون في ميناء المخا (غرب) الذي حولوه إلى قاعدة عسكرية، ومعسكر البريقة غربي عدن، ومقر شركة الغاز في ميناء بلحاف (جنوب شرق)، وفي مدينة المكلا بمحافظة حضرموت (شرق)، وبنسبة أقل في معسكر تداوين شرق مدينة مأرب (شرق).
وتعتبر الإمارات العربية المتحدة ثاني أكبر عضو في التحالف العربي، وفي تقرير صدر مؤخراً، اتهمت منظمة العفو الدولية (آمنستي) الإمارات بـ”تقديم أسلحة بطرق غير مشروعة إلى ميليشيات غير خاضعة للمساءلة متهمة بارتكاب جرائم حرب”، بما يساهم في إشعال النزاع العسكري في اليمن، حسب تقرير المنظمة.
وقبل أيام نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريراً نقلت فيه عن دبلوماسيين غربيين قولهم “إن مسؤولين كبار في الديوان الملكي السعودي حاولوا التدخل لدى الإمارات لمحاولة ثنيها عن القرار، دون جدوى، وفي المقابل، حاولت أبوظبي تجنب إعلان قرارها بشكل علني ورسمي لتقليل عدم رضا السعوديين عنه. لكنّ مسؤولاً في السفارة السعودية بواشنطن نفى للصحيفة الأمريكية حزن قادة المملكة للانسحاب الإماراتي، مؤكداً أن البلدين “يبقيان متحالفين استراتيجياً حول أهدافهما في اليمن”.
وحصلت الإمارات على استشارات وتشجيع للخروج من اليمن من قِبل قادة أمريكيين، بينهم وزير الدفاع السابق “جيمس ماتيس”، ووزير الخارجية السابق “جون كيري”، والسيناتور الجمهوري “ليندسي جراهام”. وأشاروا إلى أن النصر العسكري غير ممكن في اليمن، وحثوا التحالف الذي تقوده السعودية على التفاوض على تسوية سياسية.
وعن سبب ذلك قال مسؤول إماراتي لـ”نيويورك تايمز” إن المسؤولين الإماراتيين “سأموا من احتمالات الجمود وغموض احتمالات النصر في ساحة المعركة”. لكن المسؤولين في الرياض ما زالوا يعتقدون بإمكانية النصر العسكري، وهو ما وصفه “بيتر ساليسبري”، من المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات، بأنه “تفكير بالتمني” لا يمثل بديلا جيدا للرؤية الاستراتيجية.
وتذهب صحيفة ليبراسيون الفرنسية إلى القول إن الإعلان عن الانسحاب الجزئي للقوات الإماراتية يؤكد حالة الجمود التي يشهدها النزاع في اليمن الذي اندلع منذ عام 2014. وتعاني البلاد من أزمة إنسانية غير مسبوقة.
نقلت الصحيفة عن متخصص الشؤون اليمنية في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، فرانسوا فريسون روش، أن الإمارات ترغب في الترويج لـ”صورة إيجابية عن نفسها، ويمكن اعتبار هذا الإعلان بمثابة عملية اتصال”.
وأوضح أن الإمارات تتدخل برا بشكل أساسي، إذ تمسك بزمام السلطة. مضيفاً أن الدولة “تدرب وتسلح الميليشيات الجنوبية المؤيدة للاستقلال التي تسيطر بواسطتها في الوقت الحالي على موانئ عدن، ومقر الحكومة اليمنية الشرعية، والمكلا على الساحل الجنوبي”.
وقالت الإمارات إنها دربت وجندت 90 ألف جندي يمني، وتُتهم الدولة باستخدامهم من أجل انفصال اليمن.
وقال روش: “أعتقد أن محمد بن سلمان يرغب في الخروج من هذا الصراع. ومع ذلك، فهو يريد حفظ ماء وجهه. فهو لا يستطيع تحمل قدرة المتمردين الحوثيين على الوقوف في وجه القوة الأولى في شبه الجزيرة العربية. وعلى الصعيد الداخلي، هل يمكن أن يحافظ على مصداقيته إذا أعطى الانطباع بخسارة صراع بدأه بنفسه؟”.
من جهته اعتبر “مايكل ستيفنز” الباحث في معهد الخدمات الملكية المتحدة (مقره لندن) الانسحاب الإماراتي بأنه “يضع السعوديين أمام حقيقة أن الحرب في اليمن فاشلة، كما يُظهر أن شريكي التحالف، لا يملكان تصوراً موحداً لمعنى نجاح هذه الحرب”.