يخيم التوتر الشديد على اقتصاد المملكة المتعثر أصلا في ظل تكبد أسهم البورصة خسائر فادحة والتوتر مع روسيا بما يؤثر على إنتاج النفط بعد فشل اجتماع “أوبك +” بالعاصمة النمساوية فيينا الذي عقد يومي الخميس والجمعة الماضيين.
وفشل نظام آل سعود في إقناع موسكو بالموافقة على إجراء خفض كبير في حصص الإنتاج النفطي لوقف تدهور أسعار النفط ومساعدة الأسعار المنهارة بالصعود في وقت تعد المملكة فيه في أمس الحاجة لتمويلات جديدة.
وأعلنت شركة أرامكو الحكومية خصم كبير في أسعار خاماتها إلى الأسواق الرئيسية بلغ نحو 8 دولارات في بعض أنواع النفط، وزيادة انتاجها النفطي إلى أكثر من 10 ملايين برميل يومياً بداية من إبريل/ نيسان المقبل.
وعرضت أرامكو خصماً بنحو 8 دولارات للبرميل على خامها الأكثر استخداماً في أوروبا، وهو الخام العربي الخفيف، وبالتالي سيصبح الخام العربي الخفيف السعودي يباع في أوروبا بسعر يقل 10.25 دولارات عن السعر المؤشري لخام برنت.
كما قالت المملكة إنها ربما ترفع الإنتاج إلى 12 مليون برميل يومياً في المستقبل إذا دعت الحاجة لذلك. وذلك ضمن استراتيجية الضغط على الشركات الروسية.
وتفسر هذه الاستراتيجية الجديدة التي بدأت الرياض تطبيقها عمق الخلاف بين موسكو والرياض، كما تعني عملياً انهيار تحالف “أوبك +” الذي بدأ قبل ثلاثة أعوام للتنسيق بين أكبر دولتين منتجتين للنفط على أمل رفع أسعار النفط التي انهارت خلال العامين 2015 و2016.
وهي بالتالي ربما تكون الحرب النفطية الثانية التي تعلنها الرياض ضد كبار منتجي النفط. وكانت المملكة قد قادت في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2015 حرب إغراق الأسواق بالنفط على أمل اغتيال ثورة النفط الصخري الوليدة وقتها، لكنها فشلت في ذلك بسبب القروض السخية والتمويلات التي واصلت المصارف الأميركية ضخها في شرايين الشركات الصغيرة العاملة في استخراج النفط الصخري، وكذلك بسبب التقدم الذي حدث في تقنيات ” التكسير الهيدروليكي” و”الحفر الأفقي” الذي كانت نتيجته خفض كلفة استخراج البرميل.
ومن غير المعروف حتى الآن ما إذا كانت المملكة ستنجح في حربها الجديدة ضد الشركات الروسية، وإلى أين ستقود هذه الحرب الجديدة أسعار النفط، لكن مصادر في سوق النفط لم تستبعد، أن تنخفض أسعار النفط إلى مستوياتها الدنيا التي كانت عليها في بداية العام 2016، حينما تراجع سعر خام برنت إلى مستوى 25 دولاراً للبرميل.
ومنذ يوم السبت خسرت أسعار النفط أكثر من 5 دولارات، حيث تراجع خام برنت إلى 45.27 دولارا مقابل 51 دولارا قبل ظهور الخلاف إلى العلن وفشل اجتماع ” أوبك +”، بينما تراجع خام غرب تكساس إلى 41.28 دولارا.
وتعتمد الرياض في حربها النفطية الجديدة ضد موسكو والمنتجين الأخرين، على استراتيجية تتكون من شقين، أحدهما عرض أسعار خاماتها بخصم كبير في الأسواق الرئيسية لضرب الخامات الروسية، والشق الثاني إغراق أسواق الطاقة بالنفط في وقت يتراجع فيه الطلب العالمي على النفط بسبب تفشي فيروس “كوفيد 19”.
ويفسر محللون في أسواق الطاقة أن استراتيجية المملكة التي تشبه “الانقلاب السياسي” في علاقاتها مع موسكو، تستهدف ضرب أسواق روسيا ودخلها النفطي وحصة شركاتها في أوروبا وفي أسرع وقت ممكن، على أمل إجبارها على العودة لطاولة المفاوضات وقبول العرض السعودي بخفض أكبر في حصص الانتاج يسمح لأسعار النفط بالارتفاع.
لكن محللين يستبعدون فرص نجاح استراتيجية الضغط على موسكو، ويقولون إنها لا تملك فرص النجاح، وربما يكون مصيرها نفس مصير الحرب التي سبق أن قادتها الرياض ضد النفط الصخري في نهاية العام 2015.
ويلاحظ أن المملكة حسبت سعر نفطها على أساس سعر لخام برنت فوق 71 دولاراً، وبالتالي فإن العجز الإنفاقي في الميزانية سيتضاعف وربما تضطر للتراجع عن هذه الاستراتيجية الخطرة. كما أن السعودية تخطط لطرح جديد من أسهم شركة أرامكو في أسواق المال العالمية، حسب ما صرح به مسؤول كبير لوكالة بلومبيرغ قبل أسبوعين. ويلاحظ أن سعرسهم أرامكو تراجع بمعدلات كبيرة في بورصة تداول السعودية.
ووصل سعر السهم إلى 30 ريالاً (8 دولارات) أمس الأحد، بينما كان قد تحدد لدى الطرح في ديسمبر/كانون الأول الماضي بـ 32 ريالاً، وهو بالتالي يتراجع إلى أقل من سعر الطرح.
وكانت وكالة بلومبيرغ الأميركية قد توقعت في تقرير، السبت، هبوط سعر سهم أرامكو دون سعر الطرح العام الأولي لدى تداول البورصة السعودية، يوم الأحد، وهو ما حدث بالفعل.
ويرى محللون أن الشركات النفطية الروسية لديها اتفاقات طويلة الأجل مع السوق الصيني وبأسعار شبه ثابتة في المتوسط، كما تستفيد في أوروبا من عقود الغاز الضخمة التي تربط بين روسيا وسوق الطاقة بدول الاتحاد الأوروبي.
وبالتالي فربما يكون لديها قدرة على الصمود أكثر مما هو متوفر لدى شركة أرامكو التي تقع تحت الضغط السياسي والتمويلي لدى نظام آل سعود ويستخدمها في الحصول على القروض الجديدة وجمع الأموال عبر طرح سندات دولية.
أما على صعيد شركات المصافي، فقد هبطت عليها ثروة من السماء لم تكن في الحسبان في ظروف تراجع عملياتها الحالية، إذ إنها ستحقق وفورات ضخمة من تنزيلات الخامات السعودية سواء كان ذلك في آسيا أو أوروبا.
في هذا الشأن، قال متعاملون ومحللون في آسيا، إن التراجع في تكاليف الخام سيدعم على الأرجح هوامش شركات التكرير الآسيوية التي تضررت جراء انخفاض الطلب من تفشي فيروس كورونا.
من جانبه قال تيلاك دوشي، من معهد الشرق الأوسط في جامعة سنغافورة الوطنية، “يبدو الأمر بمنزلة صدمة سعودية شاملة واستراتيجية ترهيب بهدف زيادة الكميات السعودية والتنافس مع النفط الروسي في فنائهما الخلفي بأوروبا وآسيا”.
يأتي ذلك تكبدت البورصات الخليجية خسائر فادحة تجاوزت 224 مليار دولار، أمس الأحد، جاء النصيب الأكبر منها في الجانب السعودي، على خلفية حملة الاعتقالات الجديدة التي شنها ولي العهد محمد بن سلمان لأمراء بارزين في المملكة، على رأسهم الأمير أحمد بن عبد العزيز آل سعود، شقيق الملك سلمان، فضلا عن فشل اتفاق خفض إنتاج النفط بين منظمة أوبك وحلفائها من خارج المنظمة، يوم الجمعة الماضي، ما يشعل حرباً لحرق الأسعار بين الدول المنتجة.
وهوى المؤشر العام لبورصة المملكة بنسبة 8.3 في المائة، مسجلا أدنى مستوى للمؤشر منذ نوفمبر/ تشرين الثاني لعام 2017، بإغلاقه عند 6846.3 نقطة، لتخسر الأسهم نحو 739 مليار ريال (197 مليار دولار)، بعد أن انزلقت القيمة السوقية للبورصة إلى 7.579 تريليونات ريال.
وانهارت جميع قطاعات السوق، ليهبط مؤشرا الطاقة بنسبة 8.75 في المائة، والمواد الأساسية بنسبة 8.56 في المائة.
وهبط سعر سهم أرامكو إلى ما دون سعر الطرح الرئيسي لأول مرة، ليصل إلى 30 ريالاً (8 دولارات)، بينما كان قد تحدد لدى الطرح في ديسمبر/كانون الأول الماضي بـ 32 ريالاً.