أجمعت صحف دولية وعربية واسعة الانتشار على وصف ولي العهد محمد بن سلمان بأنه أسوأ زعماء العالم بعد مراكمته سجلا مذهلا من الأخطاء الفادحة والفشل والجرائم الصارخة وانتهاك حقوق الإنسان.
وأبرزت صحيفة “ناشيونال بوست” إخفاقات بن سلمان، منذ صعود نجمه كوزير للدفاع، وانتهاء بتركيز كل المناصب الكبرى في المملكة في يده مع إعلانه وليا للعهد في حزيران/يونيو 2017.
وقالت الصحيفة إن بن سلمان بنى ومنذ ظهوره قبل خمسة أعوام سجلا مذهلا من الأخطاء الفادحة والفشل والجرائم الصارخة، وأن الأزمات كتلك التي نمر بها اليوم هي أحسن طريقة لتقييم القيادة، ففيها يبرز البعض ويختفي آخرون، فيما يظهر بعضهم كارثة كاملة.
وعلى مستوى العالم فلم تعزز أزمة فيروس كورونا سمعة إلا قلة من الزعماء، فيما فضحت آخرين وعرّتهم ووضعتهم في المكان الذي يناسبهم.
وعندما يتعلق الأمر بالقادة الأقل قدرة، يجب منح محمد بن سلمان نظرة جدية. فمنذ خمسة أعوام وعندما بدأ والده الملك سلمان بمنحه المنصب بعد الآخر، راكم الأمير سجلا من الفشل والجرائم الصريحة، وكان توقيته لكل واحدة منها سيئا مثل حكمه عليها.
وكانت الكارثة الأخيرة التي ارتكبها هي حرب أسعار النفط مع الرئيس فلاديمير بوتين التي لم تقم على تفكير أو مشاورة، وهي الحرب التي أدت لخفض أسعار النفط، في وقت تسبب فيه كورونا بتراجع الطلب العالمي على النفط.
وأدت نتيجة إغراق المملكة السوق العالمي بالنفط الرخيص، هبوطَ سعر النفط الأمريكي ولأول مرة في التاريخ إلى تحت الصفر.
وكان على الرئيس دونالد ترامب الذي دافع عن محمد بن سلمان شن حملة إنقاذ لصناعة النفط والغاز الأمريكية، بعد أيام من إقناعه السعودية وروسيا لوقف الحرب المدمرة التي بدأت قبل شهر.
ولو كان هذا العمل المثير للاستهجان هو الوحيد الذي ارتكبه بن سلمان لكان مفهوما، وربما كان تقدير البعض مخطئا أو قلل من تقديره لموقف بوتين.
لكن بن سلمان لم يبدأ حادثا عرضيا، ففي عام 2017 بدأ باعتقال كبار الأمراء ورجال الأعمال بمن فيهم أقاربه واحتجزهم في فندق راق حتى يتنازلوا عن جزء من ثرواتهم التي قال بن سلمان بصفته رئيسا للجنة مكافحة الفساد، إنهم حصلوا عليها بطريقة غير شرعية.
ولو كان الهدف من كل هذا هو تأكيد سلطة القانون والنظام فإنه مزاعمه انهارت عندما تم تحديده كقوة وراء اغتيال جمال خاشقجي، الصحافي الذي كان مقيما في أمريكا وتم جره إلى قنصلية المملكة في اسطنبول، وقبض عليه وخنق ثم قطعت جثته على يد فريق جاء خصيصا من الرياض لهذه المهمة.
وجاء مقتل خاشقجي في نفس الوقت الذي كانت فيه الرياض تصعّد من الحرب في اليمن، والتي أنتجت أكبر كارثة إنسانية في العالم. ورغم ما لدى المملكة من ثروة وتكنولوجيا ومصادر وميزانية عسكرية أعلى من روسيا، فلم تكن قادرة على هزيمة متمردين تدعمهم إيران استطاعوا السيطرة على مساحات واسعة من البلاد.
أما حديث بن سلمان وخططه الطموحة لتحويل اقتصاد البلاد لم يكن سوى حديثا وأحلاما مكلفة. فخطته البراقة رؤية 2030 التي “تحمل أجندة رائدة تقوم على ثلاث أعمدة، مجتمع نابض بالحياة، واقتصاد مزدهر، وأمة طموحة”.
وتم استئجار شركات استشارة لرسم خطط بناء مدينة أحلام بالصحراء وبكلفة 500 مليار دولار، فيها روبوتات وسيارات طائرة ورمال مضيئة وقمر صناعي ضخم.
ولكي يمول بناء المدينة، قام بن سلمان بوضع جزء من أسهم شركة النفط العملاقة أرامكو في السوق العام، ولم يجمع الطرح العام سوى 75 مليار دولار، مع أنه كان يريد جمع 100 مليار. وبدلا من طرح الأسهم في الأسواق المالية بلندن أو نيويورك اختار السوق المالي السعودي.
وعاد في الفترة الأخيرة لعمليات اعتقال الأمراء بذريعة التخطيط للانقلاب عليه. كما أن جهوده لدعم المرأة توقفت بعدما اعتقل الناشطات. وكشفت تحقيقات برلمانية بريطانية أن الناشطات تعرضن للتعذيب والحرمان من النوم والهجمات والحجز الانفرادي.
من جهتها قالت صحيفة “القدس العربي” الصادرة في لندن إن المنطقة العربية تمتلئ بمجموعة من الطغاة الذين يتنافس كل واحد منهم مع الآخرين في مدى التوحّش والابتعاد عن المنطق والحس السليم وفي مراكمة الكوارث التي يرتكبونها ضد بلدانهم وشعوبهم، فهل يمكن، والحالة هذه، أن يعتبر حكم الصحيفة الكنديّة مبالغا فيه؟
فكيف يعقل أن ينافس بن سلمان زعيم النظام السوري بشار الأسد، الذي ساهمت ظروف ومصادفات، كما حصل مع بن سلمان، في وراثته الحكم وتنطّعه لحكم بلاده ليقودها إلى حرب هائلة ضد الشعب الذي ثار عليه.
وكيف يمكنه أن يحوز قصب السبق مع صديقه ولي عهد الإمارات محمد بن زايد، الذي استلم بلدا شديدة الغنى والازدهار كانت الشعوب العربية تحترم قائدها المؤسس، زايد بن سلطان، وتتذكر أياديه الخيّرة على البلدان العربية وقيادته لمبادرات المصالحة والتعاون فيما بينها؟
وهل تجوز مقارنته بعبد الفتاح السيسي، الذي اختاره الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي ليكون وزير دفاعه، فغدر به وانقلب عليه واخترع التهم الباطلة ضده حتى توفّي في قاعة المحاكمة، وبدأ حكمه بمجزرة شنيعة، وتابع أشكالا من الانتهاكات الفظيعة والفساد والإفقار لبلاده؟
وماذا عن عبد العزيز بوتفليقة، رئيس الجزائر السابق، الذي بقي يحكم البلاد نظريا رغم حالته الصحيّة والعقلية المترديّة، وعن رئيس السودان السابق أحمد عمر البشير، الذي ناقش في إمكان القضاء على ثلث الشعب كي يبقى في السلطة؟
وجهة نظر الإعلام الغربي في إعطاء بن سلمان مرتبة “أفشل زعيم سياسي” لا تقوم على القرارات الخطيرة الخاطئة التي اتخذها ولي العهد فحسب، بل كذلك على توقيتها الذي يدلّ على خراقة لا نظير لها.
أوضح مثال على هذه المسألة هي اختيار بن سلمان لحقبة صعود فيروس كورونا المستجد في العالم، لخوض حرب أسعار النفط مع روسيا، في وقت كان واضحا أن أزمة كوفيد 19 ستصيب اقتصادات العالم الكبرى والصغرى في مقتل، وستضعف بالتأكيد الطلب على النفط بشكل يدفع أسعاره للهبوط.
بالتالي فإن توقيت حرب النفط كان فاشلا بشكل كبير، ويدلّ على إساءة الإدارة الاقتصادية والسياسية، وسوء فهم أحوال بلاده والعالم، فهبط سعر النفط الخام الأمريكي لما تحت الصفر، فازدادت سمعة بن سلمان سوءا لدى حليفه الأمريكي، وحصل النفط السعودي على ربع ما تحتاجه البلاد لتوازن ميزانيتها.
يشبه توقيت المعركة التي خاضها بن سلمان ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، توقيته لاغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، فقد كانت حملات العلاقات العامة التي دفعت من أموال المملكة قد أدّت إلى نجاح مرموق، فالتقى بن سلمان بأشهر الشخصيات السياسية والمالية والفنية الأمريكية، وعززت التغطية السياسية التي قدّمتها إدارة الرئيس دونالد ترامب، وصداقة صهره ومستشاره جاريد كوشنر إحساس بن سلمان بالحصانة، ولكن كل هذه الإنجازات تبدّدت بكشف دور مكتب بن سلمان ورجاله المقربين في اغتيال وتقطيع وإخفاء جثة الصحافي جمال خاشقجي، وكشفت حقيقة صورته كقاتل مغامر وطائش.
تكررت هذه الحوادث، مع كل الخطط الكبيرة التي أعلن فيها بن سلمان منذ بدء صعوده السريع، من “رؤية 2030” إلى حرب اليمن، إلى مدينة نيوم، وبيع شركة أرامكو، لتتحوّل الاستراتيجيات الاقتصادية والسياسية الهائلة التي وعد بها مواطنيه والعالم إلى أشكال من الفشل العظيم ولا يبقى لديه سوى سمعة الزعيم الأكثر فشلا في العالم.