قالت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية: إن ولي العهد محمد بن سلمان، يستخدم سلطته في معاقبة عائلات ملكية كاملة عبر منعها من السفر وخاصة عائلات المعتقلين السياسيين والمعارضين لسياسات آل سعود في الخارج.
وذكرت الصحيفة الأمريكية أن بن سلمان يمنع آلاف السعوديين من السفر، لمجرد شكوكه في احتمالية عدم عودتهم، وانضمامهم للمعارضين في الخارج.
ونقلت الصحيفة عن الطبيب خالد الجبري، نجل المسؤول السابق سعد الجبري المقيم في كندا، قوله إن “أخذ الرهائن يعد أداة لتثبيت الحكم”، في إشارة إلى اعتقال سلطات آل سعود لشقيقه عمر وسارة، ومنع بقية أفراد الأسرة من السفر منذ مغادرة والده للبلاد في 2017.
ووفقا الجبري، فإن ما قامت به سلطات آل سعود من اعتقال شقيقه، هو لإسكات والده، والضغط عليه للعودة إلى المملكة، ومواجهة تهم “كاذبة بالتورط بقضايا فساد”، على حد قوله.
وكان مصدر سعودي رفيع المستوى كشف النقاب عن إرسال ولى العهد محمد بن سلمان، وسطاء دوليين، لرجل الاستخبارات السعودي السابق سعد الجبري في سبيل التوصل لصفقة تبادل.
وأفاد المصدر المقرب من العائلة المالكة – وفضل عدم الكشف عن هويته – بأن بن سلمان عرض عبر الوسطاء للجبري الهارب من المملكة والمقيم في كندا حاليا، ضمانات بالإفراج عن أبنائه وشقيقه المعتقلين في سجون سرية داخل المملكة مقابل عدم كشفه أسرار آل سعود.
وقال المصدر لموقع “ويكيليكس السعودية”: إن البحث جاري حاليا عن آليات الضمانات لعدم كشف مسؤول الاستخبارات السعودية السابق، أسرار نظام آل سعود مقابل الافراج عن أبنائه وشقيقه.
ويستخدم بن سلمان سلطة المنع من السفر على نطاق أوسع بكثير من المعلن، وهو يسعى إلى وراثة والده “المريض” في كرسي الحكم قبل نهاية هذا العام، وذلك نقلا عن مسؤولين أمريكيين مطلعين على الشأن السعودي، بحسب الصحيفة.
ونوهت الصحيفة إلى أن غالبية الممنوعين من السفر لا يعلمون ذلك مسبقا، ويتفاجؤون بإعادتهم من المطار، أو المنافذ البرية، بحجة وجود قرار من رئاسة أمن الدولة يمنعهم من المغادرة، دون توضيح السبب.
وكشف النقاب عن أبرز الأسر الممنوعة بشكل كامل من السفر، هي عائلة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز.
ونقلت الصحيفة عن رجل أعمال غربي مقرب من العائلة، قوله إن 27 من أبناء وبنات الملك عبد الله، ونحو 57 من أحفاده ممنوعين من السفر.
وأوضح المصدر الذي نقلت عنه الصحيفة، أن متعب ومشعل وفيصل وتركي، أبناء الملك الراحل بعضهم محتجز، والآخر يخضع للإقامة الجبرية، فيما يمنع جميع أبناءهم من السفر، وهو الحال الذي ينطبق على زوجة ولي العهد السابق وزير الداخلية محمد بن نايف.
وقالت الصحيفة إن زوجة ابن نايف، الأميرة سارة بنت سلطان (ولي عهد سابق) سُمح لها بالسفر بشكل مؤقت لتلقي العلاج في الخارج فقط، فيما منعت ابنتيها سارة ولولوة من مرافقتها.
وبشكل أوسع، ذكرت “واشنطن بوست”، أن 2000 إلى 2500 شخص من أسر محتجزي “الريتز كارلتون” سابقا ممنوعين من السفر حاليا، رغم إغلاق الملف بتسويات مالية ضخمة.
وشهدت المملكة أكبر حملة اعتقالات – بأوامر من بن سلمان – طالت أكثر من 381 شخصية من كبار العائلة المالكة والشخصيات الاقتصادية الشهيرة في المملكة، وأوقف المتهمون في فندق ريتز كارلتون بالعاصمة الرياض، وأفرج عنهم لاحقا بعد تسويات مالية.
ونقلت الصحيفة عن مصادر خاصة، قولها إن مساعدي محمد بن سلمان، قالوا إن ولي العهد في صدد إعداد لائحة اتهام رسمية لابن عمه وسلفه في المنصب، محمد بن نايف.
ومحمد بن نايف بن عبد العزيز آل سعود، شغل منصب وليُّ العهد السابق، ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية بالمملكة إلى أن أعفي فيما سمي “انقلابا أبيض” عليه من ولي العهد الحالي محمد بن سلمان عام 2017.
والمعتقل البالغ من العمر 60 عاما، أول حفيد للملك عبد العزيز يصبح ولياْ للعهد.
وذكرت الصحيفة أن هذه التهم تتعلق بالفساد، وتبديد الأموال المخصصة للأجهزة الأمنية، وهي التهم التي أعدتها السلطات لسعد الجبري، المقرب من ابن نايف.
وقال خالد الجبري إن هذه التهم لا أساس لها من الصحة، وتم إعدادها لدوافع سياسية فقط. لافتا إلى أن الشرطة الدولية “انتربول” رفضت طلبا سعوديا بتسليم والده لعدم قناعتها بهذه التهم.
كما قال الأكاديمي عبد الله العودة نجل الداعية المعتقل سلمان العودة، إن نحو 17 فردا من أسرته ممنوعين من السفر، رغم أن بعضهم تحت سن العشر سنوات.
وذكر العودة في تصريح لواشنطن بوست، إن هذه الممارسة منتشرة الآن في المملكة، والهدف منها تهديد وتخويف العائلات من أجل إسكاتها عن معارضة سلطات آل سعود.
ونوّهت الصحيفة إلى أن خالد العودة، شقيق الداعية المعتقل، تم توقيفه أيضا لمجرد تغريده بخبر اعتقال شقيقه، وذلك في أيلول/ سبتمبر 2019.
ووفقا لصحيفة “واشنطن بوست”، فإن صلاح، الابن الأكبر للكاتب الراحل جمال خاشقجي، كان ممنوعا من السفر قبل مقتل والده.
وتابعت أن الكاتب الراحل تم تبليغه من قبل سلطات آل سعود بأن حرية ابنه في السفر مرتبطة بعودته إلى المملكة، وهو ما رفضه خاشقجي وكلّفه حياته لاحقا في القنصلية السعودية باسطنبول، في تشرين أول/ أكتوبر 2018.
وتضم قائمة الممنوعين من السفر حملة جنسيات أجنبية، مثل الطبيب وليد فتيحي وأسرته الذين يحملون الجنسية الأمريكية.
وذكرت الصحيفة أن من بين الممنوعين من السفر، أسرة الطبيب المعتقل بدر الإبراهيم، وأسرة الناشط الإعلامي المعتقل صلاح الحيدر، نجل المعتقلة السابقة عزيزة اليوسف، وهما من ضمن معتقلي حملة “نيسان/ أبريل 2019”.
في المقابل، قالت “واشنطن بوست” إن سلطات سعود تسمح لأفراد بعض الأسر المحظورة من السفر، بمغادرة البلاد مؤقتا لكن بوجود ضمانات.
وأوضحت أن السلطات في هذه الحالة لا تسمح لأكثر من فرد من العائلة بالمغادرة، وبالتالي يخشى من سُمح له بأن يلحق الضرر بقية أفراد أسرته حال عدم عودته.
وقالت إن هذه السياسة تطبّق على أسرة “بن لادن” التي شكّلت ثروة هائلة من الإنشاءات، قبل أن يضع بن سلمان يده على جزء كبير منها في حملة “الريتز”.
وبفعل سياسيات ولى العهد القمعية، انقسم أمراء آل سعود إلى أربع أنواع، في تصنيف جديد أحدثه “الدب الداشر” وهو لقب أطلقه أحد المعارضين السعوديين على ولى العهد.
والنوع الأول: أمراء معتقلون في سجون سرية وأماكن خاصة، مثل: الأمير تركي بن عبد الله، الأميرة بسمة بنت سعود، الأمير سلمان بن عبد العزيز وآخرين.
النوع الثاني: الأمراء المختطفين الذين لا يعرف مصيرهم، مثل: الأمير أحمد بن عبد العزيز، الأمير نايف بن أحمد بن عبد العزيز، الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز.
ويكتنف الغموض مصير ولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف، داخل معتقله السرى في المملكة، عقب أنباء عن إصابته بنوبة قلبية نقل على إثرها إلى وحدة العناية المركزة.
النوع الثالث: الأمراء الذين دفعوا عشرات المليارات مقابل خروجهم من الإقامة الجبرية، مثل: الأمير متعب بن عبد الله، الأمير سعود بن عبد الرحمن بن عبد العزيز، الأمير تركي بن ناصر، الأمير منصور بن متعب بن عبد العزيز وغيرهم الذين أطلق سراحهم من فندق الريتز بالرياض.
النوع الرابع: الأمراء الأخوياء الأذلاء، مثل: الأمير الوليد بن طلال، الأمير عبد الرحمن بن مساعد، الأمير فيصل بن فهد، وغيرهم الكثير الذين يلتفون حول ولى العهد الشاب.
وصفت صحيفة “التايمز” البريطانية، ولى العهد السعودي محمد بن سلمان، بـ “الزعيم المغرور والفاشل”، وقالت إنه ليس بمقدوره أن يكون قائد حرب في اليمن وزعيما ومصلحا قادرا على تحقيق التغير في المملكة.
وتوقعت الصحيفة مستقبلا قد ينتهي بالأمير السعودي كإمبراطور مصاب بجنون العظمة، مثل إمبراطور جمهورية أفريقيا الوسطى جان بيدل بوكاسا.
وذكر الكاتب روجر بويز، في مقاله بصحيفة “التايمز” أنه عندما يرحب بالقادة المستبدين ويروج لهم بوصفهم شخصيات جذابة، فهذا يعني من دون شك أنهم سعوا إلى إسكات النقاد وكاشفي الفساد وكل من يمكن أن يقف في وجه صعودهم لتصدر المشهد.
ونبه بويز إلى أن “بن سلمان” الوريث المفترض لعرش المملكة التي تعيش تحت وطأة اضطرابات، استطاع ولو لفترة وجيزة أن يبدو كحليف مقرب للغرب، لكن سرعان ما كشف عن قسوة شديدة وهو يحاول تعزيز سلطته في الداخل والخارج.
أما الآن -كما يرى الكاتب- فإن بن سلمان يواجه تحديا حقيقيا في ظل تراجع عائدات النفط وتفشي فيروس كورونا والركود العالمي مما يجعله أمام خيارين أحلاهما مر: هل يستمر في الحرب المدمرة التي لا يمكن تحقيق الفوز فيها في اليمن؟ أم يتخلى عن طموحه ببناء مدينة ضخمة حديثة مطلة على البحر الأحمر؟
ولاحظ الكاتب أنه لا يمكن للأمير السعودي الحصول على كل شيء في الوقت ذاته، فلا يمكنه الموازنة بين أن يكون قائد حرب وزعيما قاسيا ومصلحا قادرا على تحقيق التغيير، لأنه لم يعد هناك ما يكفي من المال لطمس التصدعات والشقوق التي تعاني منها بلاده.
وأضاف أن ولي العهد ربما كان يعتقد أنه يستطيع إنقاذ وتجديد بيت آل سعود عندما يموت والده (الملك) لكن طموحه المفرط سينتهي به، بدلاً من ذلك، إلى تهميش المملكة.
وأكد بويز أن خطة بن سلمان ستتمحور حول إنشاء قاعدة نفوذ مستقلة قبل وفاة والده، وأنه سيعمل على إظهار قوته لأعداء المملكة لا سيما إيران. كما سيسعى إلى أن تكون جميع الإصلاحات المحلية وفقا لرغبته وليست نتاج الضغط الشعبي.
وتشهد المملكة فراغا قياديا غير مسبوقا، في ظل أسوأ أزمة اقتصادية تواجهها منذ عقود، فيما تسود حالة من الاستياء الشعبي إزاء مضاعفة الضرائب الحكومية ورفع العلاوات المالية.
وقالت صحيفة “ناشيونال بوست” الكندية: إن إخفاقات بن سلمان المتكررة جعلته أسوأ زعيم في العالم.