وصف الكاتب البريطاني ديفيد هيرست رئيس المخابرات السعودية السابق بندر بن سلطان بـ”أمير الفوضى” في المنطقة، لافتا إلى دوره في الصراع القائم في العراق وسوريا وهجمات سبتمبر والهجوم على القيادات الفلسطينية.
وقال هيرست، في مقاله بموقع ميدل إيست آي، إن بندر بن سلطان الذي أدمن الكحول، وخدع أمراء عائلته، وظيفته إحلال الفوضى أينما أمره أسياده.
وأضاف: قد يجد الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” نفسه في زاوية ضيقة، ويبدو أن تقدم المرشح الديمقراطي للرئاسة “جو بايدن” قد أصبح واقعا غير قابل للتغيير.
ويبدو المزاج في الرياض وأبوظبي قاتما، وقد يطير سقف قصورهما قريبا ليصبحا مكشوفين، ولن يكون “جاريد كوشنر”، صهر “ترامب” وكبير مستشاريه بالبيت الأبيض، موجودا لتلقي مكالمات منتصف الليل التي تسأل عما إذا كان بإمكانهم غزو قطر.
أما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فليس منزعجا. فهو محارب قديم عاصر 4 رؤساء أمريكيين، 2 منهم ديمقراطيان. ويعرف “نتنياهو” كيف يكون الشتاء في واشنطن، فهو رجل كل الفصول، ولم يفشل قط في إقناع البيت الأبيض بتبييض غسيله المتسخ.
وقال “نتنياهو” للكنيست، الذي صادق على اتفاق التطبيع الإماراتي، الخميس، إنه ما زال يعتقد أن الفلسطينيين سوف “يستيقظون”.
لكن ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” وولي عهد أبوظبي “محمد بن زايد”، ليسا مثله ولا يستطيعان، بل يحتاج الرجلان اللذان يخططان للسيطرة على العالم العربي السني إلى نتائج الآن.
وتعد مليارات الدولارات التي استثمرها “بن سلمان” و”بن زايد” في “ترامب”، والتي أصبحا على وشك خسارتها، أقل مشاكلهما.
وتلوح تحديات كبيرة أمام الكثير من خططهما، بما في ذلك الاعتراف العربي بـ (إسرائيل) حيث لم تنضم أي دولة عربية كبيرة إلى الصفقة حتى الآن.
ولم تأتِ أخبار مفرحة بعد من السودان أو عمان أو الكويت.
وحتى الآن، اعترفت دولتان صغيرتان فقط من دول الخليج، وهما الإمارات والبحرين، بـ (إسرائيل).
تدق الساعة، ويجب استبدال الرئيس الفلسطيني “محمود عباس” ليحل محله رجلهما “محمد دحلان”، ويجب إخراج المقاومة من معادلة القيادة الفلسطينية، أو هكذا يعتقد “بن زايد”.
ولذلك، أخرجوا الأسبوع الماضي ورقة أمير سعودي مخضرم للتنديد بالقادة الفلسطينيين، الذين وصفهم بـ “الطفوليين”، في محاولة للتأثير على الرأي العام العربي، وخلق أرضية للسعودية لتحذو حذو الإمارات.
وعلى قناة “العربية”، المملوكة للسعودية، خرج الأمير “بندر بن سلطان”، الذي قضى مدة تراوح ما يزيد عن 37 عاما في الدبلوماسية السعودية، وكان لمدة 22 عاما سفيرا لها في واشنطن.
وكانت الإشارات في حديثه بسيطة، حيث قال: “أعتقد أننا في السعودية نتصرف بناء على حسن نيتنا. لقد كنا دائما هناك من أجلهم (الفلسطينيون). وكلما طلبوا النصيحة والمساعدة، نوفر لهم كليهما دون توقع أي شيء في المقابل، لكنهم يأخذون المساعدة ويتجاهلون النصيحة. ثم يفشلون ويعودون إلينا مرة أخرى، ونقوم بدعمهم مرة أخرى، بغض النظر عن أخطائهم وحقيقة أنهم يعرفون أنه كان عليهم الأخذ بنصيحتنا”.
وقال “بندر” إن “الوقت قد حان لكي تسلك السعودية طريقها الخاص وتتبع مصلحتها الوطنية”.
وخلق هذا الحديث رد فعل عنيف في جميع أنحاء العالم العربي.
وبعيدا عن الفلسطينيين، ذكّر “بندر”، الذي احتل صدارة الأخبار مرة أخرى، ملايين العراقيين والسوريين والمصريين بمدى تكلفة السياسة الخارجية السعودية في دعمهم على مدى العقدين الماضيين.
وقد ذكّرهم بكل حرب أمريكية أو صفقة قذرة شارك فيها “بندر” شخصيا.
وتطول القائمة لرجل قضى 22 عاما من حياته المهنية في واشنطن، مثل فضيحة “إيران-كونترا”، وصفقة أسلحة “اليمامة”، وحرب الخليج الأولى، والغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وأخيرا الحرب في سوريا.
لقد كان كل ذلك في رقبة “بندر”. وفي حرب الخليج الأولى، كان “بندر” قريبا جدا من الأمريكيين. وعلى حد تعبير “برنت سكوكروفت”، فإن “بندر” كان “عضوا فعليا في مجلس الأمن القومي”.
وشارك “جورج دبليو بوش” خطط الغزو الأمريكية للعراق مع “بندر” قبل بدء الحرب عام 2003.
وفي سوريا، أطلق “بندر”، بصفته رئيس المخابرات السعودية، 1200 سجين محكوم عليهم بالإعدام ودربهم وأرسلهم إلى “الجهاد” في سوريا.
وكان “بندر” وراء كل الصفقات السرية التي أبرمتها السعودية ضد الدول العربية الشقيقة، وهو وجه استمر في الظهور مهما كانت الفضيحة شنيعة، أو عدد الذين دفعوا الثمن.
ولم يخجل “بندر” من كل ذلك. وكان “بندر” يتقاضى 30 مليون جنيه إسترليني كل 3 أشهر لمدة 10 أعوام على الأقل من قبل شركة هندسة الطيران البريطانية كجزء من عمولاته لصفقة أسلحة اليمامة.
وأراد مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة في بريطانيا توجيه اتهامات لـ “بندر”، وأوقف رئيس الوزراء البريطاني، آنذاك، “توني بلير” التحقيق “لأسباب تتعلق بالمصلحة الوطنية”.
وقد سخر “أمير الاحتيال” من الاتهامات المحتملة، وقال: “الطريقة التي أجيب بها على تهم الفساد هي كالتالي. في الـ 30 عاما الماضية، قمنا بتنفيذ برنامج تنموي يقارب 400 مليار دولار، حسنا؟ انظروا إلى الدولة كلها. أين كانت وأين أصبحت الآن”.
وطوال حياته المهنية الطويلة، التزم “بندر” بمبدأ واحد.. لقد كان خادما مطيعا لسيده. ولا يهم من هو هذا السيد. قد يكون السيد عاهل المملكة السعودية، أو رئيس الولايات المتحدة، أو كليهما. لكن ماذا عن السياسات والحروب والتدخلات التي ساعد في تشكيلها؟
والسؤال الكبير هنا هو لماذا لم يشرح أمير الاحتيال للشعب السعودي كيف أصبحت إيران تهديدا للسعودية؟ ومن المسؤول عن تمكينها من السيطرة على العراق وسوريا ولبنان، وما هو الدور الذي لعبه هو بنفسه في واشنطن كأداة في يد “جورج دبليو بوش” أثناء الاستعدادات لتدمير العراق وتقديمه كهدية على طبق من ذهب لإيران؟
وإذا كان “بندر” يشكو من أن الفلسطينيين لا ينفذون ما تنصحهم به السعودية، فما الذي قدمته السعودية بالضبط لفلسطين؟
لقد كانت هناك مبادرتان سعوديتان من مبادرات السلام، مبادرة الملك “فهد” عام 1981، ومبادرة الملك “عبد الله” العربية للسلام عام 2002. وكان توقيت كل مبادرة لأداء هدف محدد، ولم يكن أبدا تحقيق تسوية عادلة للفلسطينيين.
وجاءت مبادرة الملك “فهد” بناء على طلب الرئيس الأمريكي الأسبق “جيمي كارتر”، وتضمنت أول اعتراف عربي ضمني بـ (إسرائيل) من خلال قبول قرارين من مجلس الأمن الدولي كإطار للتسوية.
وتم تبني الخطة بصيغة معدلة في القمة العربية في فاس بالمغرب في 9 سبتمبر/أيلول 1982 بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان وحصار بيروت وطرد منظمة التحرير الفلسطينية من هناك. وكان الغرض منها امتصاص الغضب العربي.
وبالمثل، نجحت مبادرة السلام العربية لعام 2002 في إزالة الغضب الأمريكي بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول التي تورط فيها مواطنون سعوديون.
وقد ماتت المبادرة فور ولادتها، فقد رفضها رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك “أرييل شارون” في اليوم الأول، لكن هذا لا يهم.
وكان الدافع وراء كلتا المبادرتين هو استرضاء الرأي العام العربي مع السماح باستمرار العمل الحقيقي المتمثل في الضغط على القادة الفلسطينيين في دوائر أكثر إحكاما للامتثال والخضوع. ولم يتم دعم أي من المبادرتين بإجراءات عملية.
وهذا هو أحد الأسباب التي تجعل إسرائيل في موقع الهيمنة التامة كما هي عليه الآن، ويفسر هذا لماذا تنحدر المملكة إلى هذا الحد.
ولم تكن السياسة الخارجية السعودية معنية بحل مشاكل المنطقة. لقد كان الأمر يتعلق بالحفاظ على حكم “آل سعود” بأي ثمن. وتلخص مسيرة “بندر” المهنية هذا.
وسوف تخون المملكة أي حليف للحفاظ على مكانة الأسرة وثروتها لأطول فترة ممكنة.
وتفعل المملكة ذلك عن طريق زرع الفوضى.
وقد قام “بندر” بتسليح المعارضة السورية، لكنه ضمن عدم وصول أسلحة كافية على الإطلاق لسيادة تحالف واسع من قوات المتمردين.
ثم في صيف 2015، حول “محمد بن سلمان”، الذي كان قد تم تعيينه مؤخرا وزيرا للدفاع، الدفة بتغيير دعمه للمتمردين وشجع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” على كسر وقف إطلاق النار في إدلب مع تركيا، ما أثار انزعاج “بوتين”.
لم تكن المملكة ترغب في الفوز أو الخسارة، بل في الفوضى والتخبط، فهما يضمنان إضعاف سوريا نفسها بشكل دائم، وهو نفس الشيء الذي حدث في العراق.
ولا يعرف النظام الشمولي في السعودية سوى طريقة واحدة لتغيير الرأي العام، ألا وهي تغييبه عما يحدث.
ولكن عندما قامت قناة “إم بي سي” الممولة سعوديا بإزالة مسلسل الدراما الشهير، “التغريبة الفلسطينية”، من خدمة “شاهد دوت نت”، حدث غضب شديد اضطرها إلى إعادة عرضه.
ويلخص بندر بن سلطان على الصعيدين المهني والشخصي كارثة العقدين الماضيين، فقد خان “بندر” المدمن للكحول عائلته، بما في ذلك عمه الأمير “أحمد” وأخته زوجة “محمد بن نايف” والعديد من أبناء عمومته، وكل ذلك لخدمة سيده الجديد “محمد بن سلمان”.
وكان أجر “بندر” حاضرا حيث يشغل ابنه وابنته الآن المنصبين الرئيسيين في لندن وواشنطن.
لذا، كلما اختفى أمثال “بندر” بشكل أسرع، كلما تعافت المنطقة بشكل أسرع.