تعد المملكة واحدة من أكثر دول العالم التي تعاني من بطالة الإناث، ففي سنة 2017 قدرت نسبة الإناث العاملات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 16 و 64 عاماً بأقل من 18 في المائة.
عند مقارنة النسبة المذكورة مع دول نامية نجدها ضئيلة جدا إذ تصل تلك النسبة إلى 50 في المائة في اليابان و63 في المائة في سويسرا و56 في المائة في الولايات المتحدة الأميركية.
مؤخرا أعلن نظام آل سعود السماح للنساء بالسفر دون الحاجة إلى الحصول على موافقة مسبقة من أولياء أمورهن الذكور.
وصدرت هذه القرارات نتيجة للانتقادات الحقوقية الشديدة التي تتلقاها المملكة سنوياً بعد سلسلة هروب الشابات السعوديات وطلبهن اللجوء في دول أجنبية وذلك اعتراضاً على العبودية المفروضة عليهن، فقد دفعت النساء السعوديات ثمناً باهظاً لتلك الإصلاحات، فكانت العواقب أكبر جسامة، والخسارة أشدّ وطأة، والثمن أكثر فداحة.
وتزامنت تلك القرارات الأولى من نوعها في المملكة مع تمهيد الطريق لرؤية السعودية 2030 والتي لا تحتمل الشرخ الواسع في اللامساواة بين الرجل والمرأة وكذا بعد زيارة ابنة الرئيس الأميركي ترامب التي جاءت رافعة شعار الحرية للمرأة أولاً.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة الآن: هل ستتمكَّن هذه القرارات من الحدّ من البطالة بين النساء السعوديات؟
يمكن أن تساهم التغييرات الأخيرة في القانون السعودي في تشكيل بيئة أكثر قبولاً للنساء في مكان العمل ولكن لن تستطيع تقليص معدلات البطالة بين النساء في المملكة.
إذ تبقى القيود الاجتماعية كضرورة الحصول على موافقة من ولي الأمر والذي عادة ما يكون الزوج، الأب أو الأخ، عائقاً رئيسياً يقف أمام مشاركة المرأة السعودية في سوق العمل.
ويترتَّب على محدودية الفرص المتاحة للنساء والفتيات تكاليف اقتصادية جمّة ليس لهن فحسب، بل أيضاً لأسرهن وبلدانهن، فقد قدِّرت الخسائر في رأس المال البشري في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بسبب عدم المساواة بين الجنسين، وفقاً للبنك الدولي بنحو 2.7 تريليون دولار عام 2010 و3.1 تريليون دولار خلال عام 2014.
لقد رُفع الستار عن الأحياء التَّعيسة المختبئة وراء القصور الفارهة وكشّر الفقر عن أنيابه في السعودية مع ارتفاع عدد السكان الذي وصل إلى 32.5 مليون نسمة في المملكة سنة 2017 بالإضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة، حيث تفيد إحصائيات منظمة العمل الدولية بأن البطالة تتفشَّى وسط الشباب لا سيَّما الإناث منهم.
فقد بلغ معدل البطالة للفئة العمرية (15-24 سنة) حسب تقديرات منظمة العمل الدولية 25 في المائة سنة 2017، وقُدِّر معدل البطالة بين الذكور لنفس الفئة العمرية الشابة بـ 18.4 في المائة مقابل النسبة الصارخة للإناث والمقدّرة بـ46.9 في المائة سنة 2017، وتشير كل هذه الأرقام إلى أن درجة البؤس ستستمرّ بالارتفاع خلال السنوات القادمة.
وينهش الفقر تلك الأسر التي تفتقد إلى معيل وكذا المطلقات والأرامل اللواتي يتدبّرن أمر أطفالهن.
ويرجع السبب الرئيسي لبطالة النساء إلى القيود الصارمة التي تفرض موافقة ولي الأمر للعمل والتنقل وإلى قلة الوظائف المتاحة للنساء السعوديات الأميّات وذوات المستوى التعليمي المتدنّي.
وتختفي وراء ظاهرة بطالة النساء في المملكة عدّة عوامل أخرى نجد تفسيرها في علم النفس الاجتماعي، حيث تعيش المملكة العربية السعودية للأسف ظاهرة “الجهل التعددي” والتي أطلق مفهومها لأول مرة كل من Katz و Allport سنة 1931.
ويعني ذلك المصطلح اﻟﺠﻬـل المبني على اﻟﻤﺸﺎرﮐﺔ اﻟﺠﻤﺎﻋﻴـﺔ أي هي تلك الحالة التي ترفض فيها الأغلبية سلوكاً معيناً، ولكنهم يعتقدون بشكل خاطئ أنّ معظم الناس الآخرين يقبلونها.
ففي حالة الجهل التعددي، يزدري الرجال السعوديون سلوك التضييق على عمل المرأة السعودية بصورة خفية لكنهم يدعمونه أمام العامة، بسبب الخوف من أن يكونوا منبوذين من الآخرين.
إذ نجد أنّ الغالبية العظمى من الرجال المتزوجين في المملكة العربية السعودية يدعمون مشاركة المرأة في العمل خارج المنزل ولكنهم يتردَّدون في الكشف عن وجهات نظرهم الخاصة للآخرين خوفاً من العقاب الاجتماعي وبالتالي يبدون غير مهتمين بما يحدث للمرأة من تعسُّف جراء منعها من العمل.
وتبقى النساء السعوديات في معاناة دائمة مع دخول سوق العمل المحلي، لذلك يمكن التأكيد أنّ الجهل التعددي لعب دوراً فعّالاً في تعزيز احتكار الرجال لسوق العمل السعودي وكان كفيلاً بحرمان المرأة السعودية من حق الدخول إلى سوق العمل بمختلف وظائفه.
حتى قبل التغييرات التي طرأت على القوانين المتعلقة بالمرأة عموماً في المملكة، بيَّنت بيانات استطلاعات الرأي للبارومتر العربي للفترة (2010-2011) أنّ نسبة الرجال السعوديين الذين يدعمون مشاركة الإناث في العمل خارج المنزل تقدَّر بـ 75 في المائة، وهي نسبة جدّ معتبرة.
وكشفت هذه الدورة الثانية للبارومتر العربي عن الانطباع الحقيقي والإيجابي للرجال السعوديين عن عمل المرأة، لذلك كان هناك في السابق تضليل إعلامي كبير وطمس للحقائق حتى يستمرّ الجهل التعددي في التفشِّي تحت ضغط قرارات الحكَّام.
نستنتج أنّ قرارات الرجال السعوديين بالسماح لنسائهم بالعمل تتأثَّر أيضاً بشكل كبير بقرارات الحكام، وبذلك بقيت المرأة السعودية منبوذة من سوق العمل ومحرومة من العديد من فرص العمل لوقت طويل.
وبطالة النساء في المملكة تجعل من نصف المجتمع السعودي معطَّلاً، والحلول المؤقتة لم تعد صالحة لحلّ الأزمات المتفاقمة.
يتطلب ذلك من نظام آل سعود اتِّخاذ إجراءات سريعة وفعّالة لرفع المشاركة الاقتصادية للمرأة من خلال التفكيك الكلي لنظام الوصاية على المرأة وعدم مطالبتها بالحصول على ترخيص عمل من ولي أمرها، فقبول الرجال السعوديين بعمل نسائهم خارج المنزل موجود ولكنه يحتاج إلى قرارات إيجابية صادرة عن الجهات العليا الحاكمة لتسمح بتحقُّق ذلك القبول على أرض الواقع.
كما يجب التذكير بأنّ نشر وتوفير المعلومات والبيانات عن تصورات آراء المجتمع السعودي الإيجابية بشأن عمل المرأة سيساعد صانع القرار على اتخاذ قرارات إيجابية وسريعة خاصة في هذه الفترة التي تشهد خلالها المملكة تحوُّلات جذرية وتاريخية على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.