بطالة الشباب في السعودية بين شعارات الترفيه وفرص العمل المفقودة

منذ صعود محمد بن سلمان إلى الواجهة السياسية، وضعت رؤية 2030 معالجة ملف بطالة الشباب في المملكة بين أبرز أهدافها لكن دون تحقيق نتائج فعلية لذلك.
فالشباب السعودي، الذين يشكّلون أكثر من 60% من السكان، يواجهون واحداً من أعلى معدلات البطالة في العالم العربي. لكن السياسات المتبعة في السنوات الأخيرة، خصوصاً في مجال قطاع الترفيه، تثير جدلاً واسعاً حول جدّيتها في خلق وظائف حقيقية ومستدامة.
وقد أطلقت حكومة بن سلمان في 2016 الهيئة العامة للترفيه، التي تحولت سريعاً إلى ذراع رئيسي لتنظيم الحفلات والفعاليات الضخمة، من عروض موسيقية غربية إلى سباقات سيارات ومهرجانات. الهدف المعلن: تنويع الاقتصاد، تقليل الاعتماد على النفط، وفتح مجالات عمل جديدة للشباب.
لكن خلف هذه الشعارات، تبرز انتقادات حادة: المؤسسات التي أُنشئت تحت غطاء “توفير الوظائف” تستعين في معظم إداراتها وخططها التسويقية بمديرين أوروبيين وأميركيين، فيما يُترك للشباب السعودي هامش ضيق في وظائف دنيا مثل “دفّ الصناديق” أو “تفريغ الشاحنات”، كما وصفها معلقون محليون.
وظائف شكلية أم فرص حقيقية؟
المؤسسات الترفيهية تسوّق لنفسها باعتبارها بيئة تدريبية تمنح الشباب “خبرة أولية” في قطاع واعد. الإعلانات الرسمية تؤكد أن العمل في الفعاليات يشكّل “بداية رهيبة” تؤهل الموظفين السعوديين للارتقاء لاحقاً إلى مناصب إدارية عليا.
غير أن الواقع يكشف فجوة كبيرة: معظم الوظائف القيادية يشغلها أجانب جرى استقدامهم بعقود ضخمة والشباب السعودي، حتى من حملة الشهادات الجامعية، يجد نفسه محصوراً في أدوار لوجستية ومؤقتة.
كما أن نسبة السعودة في بعض الشركات التابعة للهيئة لا تتجاوز 20–25%، وفق تقديرات غير رسمية.
المفارقة: استقدام أجانب للتسويق محلياً
انتقادات واسعة طالت اعتماد الرياض على وكالات تسويق أوروبية لإطلاق الحملات الموجهة للجمهور السعودي نفسه. محللون اعتبروا ذلك إشارة واضحة إلى غياب الثقة بقدرات الكوادر المحلية في مجالات الإعلام والإعلان، على الرغم من وجود آلاف الخريجين السعوديين في تخصصات العلاقات العامة والتسويق.
ويصف أحد الاقتصاديين السعوديين (رفض الكشف عن اسمه) هذه السياسة بأنها “تشبه استيراد بضاعة من الخارج لتبيعها للناس في بلادهم”، مضيفاً أن “النتيجة الحقيقية هي تعزيز أرباح الشركات الأجنبية، لا تمكين الشباب المحلي”.
وتقول الحكومة إن معدل البطالة في السعودية انخفض إلى نحو 8.5% في مطلع 2025، مقارنةً بـ 12.7% قبل عقد. غير أن خبراء يرون أن هذا التراجع يُعزى في معظمه إلى برامج توظيف مؤقتة ودعم حكومي ضخم للقطاع الخاص، أكثر من كونه نتيجة نمو اقتصادي حقيقي في قطاعات منتجة.
على مواقع التواصل الاجتماعي، يعبر كثير من الشباب عن استيائهم من الخطاب الرسمي. أحدهم كتب: “قالوا لنا إننا سنصبح مثل المدير البريطاني في يوم من الأيام، لكن الحقيقة أننا نبقى ننقل الصناديق بينما هو يقرر كل شيء”.
الترفيه مقابل التعليم والصناعة
من بين أبرز الانتقادات الموجهة لسياسات ابن سلمان في ملف الوظائف أن التركيز على قطاع الترفيه لا يتناسب مع احتياجات الاقتصاد السعودي.
فالدولة التي تسعى إلى التحول لاقتصاد معرفي وصناعي تحتاج إلى استثمارات أوسع في التعليم والتكنولوجيا والصناعات التحويلية، لا الاكتفاء باستيراد مغنين عالميين أو تنظيم سباقات الفورمولا.
ويؤكد محللون أن صناعة الترفيه، رغم جاذبيتها الإعلامية، تظل محدودة في قدرتها على خلق فرص عمل نوعية. فهي تعتمد على دورات موسمية ومؤقتة، ولا توفّر وظائف مستقرة على المدى الطويل، بعكس الاستثمار في التكنولوجيا أو الطاقة المتجددة.
“إصلاح” البطالة أم إعادة تدويرها؟
سياسات السعودية الحالية تُظهر تناقضاً واضحاً:
من جهة، تُنشئ مؤسسات ضخمة وتستورد خبرات أجنبية مكلفة.
من جهة أخرى، تُسوّق للشباب أن البدء من وظائف بسيطة خطوة طبيعية في مسارهم المهني.
لكن غياب آليات حقيقية للترقية الوظيفية، وتكرار استقدام الأجانب حتى في المناصب المتوسطة، يجعل هذه الوعود مجرد شعارات.
وبينما تعرض حكومة بن سلمان أرقاماً تتحدث عن انخفاض البطالة، يشير الواقع إلى أن جذور الأزمة باقية: الاعتماد المفرط على العمالة الأجنبية، تجاهل الكفاءات السعودية في المناصب الإدارية، والتركيز على قطاعات استعراضية مثل الترفيه بدلاً من خلق فرص إنتاجية حقيقية.
في النهاية، يجد الشاب السعودي نفسه أمام مفارقة: يُطلب منه أن يفرح بالمهرجانات والفعاليات باعتبارها رموز “الانفتاح”، بينما يظل حلم الحصول على وظيفة كريمة ومستقرة بعيد المنال.




