يتصاعد الغضب الحكومي والشعبي في بريطانيا ضد آل سعود وسجلهم الإجرامي داخل المملكة وخارجها وحدث ذلك عزم بريطانيا فرض عقوبات على الضالعين بمقتل الصحفي جمال خاشقجي.
وبعد أن شهدت العاصمة لندن، مظاهرتين غاضبتين نهاية يونيو المنصرم، ويوليو الحالي ضد الانتهاكات الحقوقية بحق معتقلي الرأي داخل سجون المملكة، وأخرى ضد الحرب المستمرة ضد اليمن.
كشف وزير خارجية بريطانيا دومنيك راب، بأن بلاده ستفرض عقوبات على الضالعين في مقتل خاشقجي.
وتوقعت صحيفة “الفايننشال تايمز” أن تضم العقوبات أشخاص تعتقد بريطانيا أنهم تورطوا في وفاة كل من المحامي الروسي سيرغي ماغنتسكي والصحافي خاشقجي.
وتم توقيف ماغنتسكي بعدما كشف تفاصيل عمليات احتيال ضريبي واسعة النطاق اتهم مسؤولين في روسيا بارتكابها. وتوفي في السجن عام 2009.
وأما خاشقجي، الذي كان مقربا من دوائر صنع القرار في المملكة فقتل في قنصلية المملكة في إسطنبول عام 2018.
وذكرت “فاينانشال تايمز” وشبكة “بي بي سي” أن نظام العقوبات الجديد المبني على قانون صدر في بريطانيا عام 2018 سيستهدف كذلك شخصيات كورية شمالية.
وأفادت وزارة الخارجية أن الأهداف المستقبلية للنظام قد تشمل أولئك الذين يرتكبون عمليات قتل غير قانونية ضد الصحافيين والعاملين في المجال الإعلامي أو الأنشطة التي يعد دافعها دينيا أو عقائديا.
وقالت إن النظام سيطبّق في المجمل على الأشخاص الذين “يسهّلون ويحرّضون على ويروّجون لهذه الانتهاكات أو يدعمونها، إضافة إلى أولئك الذين يتربحون ماليا من الانتهاكات لحقوق الإنسان”.
ومن المقرر أن يحدد وزير الخارجية دومينيك راب تفاصيل العقوبات الجديدة أمام البرلمان ويكشف عن قائمة الأفراد الذين سيتم منعهم من الحصول على تأشيرات إلى المملكة المتحدة وامتلاك أصول فيها.
وبدأ القضاء في تركيا، بالمحاكمة الغيابية لقتلة الصحفي الراحل خاشقجي.
وتشكل المحاكمة أول مسار فعلي لإحقاق العدالة بحق قتلة خاشقجي، فبعد نحو عامين من الجريمة أصدرت الرياض أحكاما بالإعدام في حق 5 مدانين، والسجن 24 عاما لثلاثة مدانين آخرين، فيما تم إطلاق سراح الأسماء المقربة من ولي العهد محمد ابن سلمان.
وفي مايو/ أيار الماضي، أعلن أبناء خاشقجي “عفوا” عن قتلة أبيهم؛ ما يمهد لإلغاء الأحكام الصادرة بحق المدانين بقتله؛ في خطوة انتقدتها مؤسسات حقوقية دولية، وعدّتها محاولة للإفلات من قبضة العدالة وأنها جاءت تحت ضغط السلطات السعودية.
وأعربت خديجة جنكيز، خطيبة خاشقجي، عبر حسابها على “تويتر”، عن أملها بأن تتحقق العدالة في القضية عبر المحاكمة، التي بدأ القضاء التركي النظر بها، مؤكدة تواجدها بمقر المحاكمة.
ووجه مدعون عامون في تركيا اتهامات في وقت سابق لعشرين سعوديا، بينهم معاونان بارزان سابقان لولى العهد محمد بن سلمان، في ختام تحقيق استمر أكثر من عام.
وذكر مكتب المدعي العام في إسطنبول في بيان وقتذاك أنه جرى إعداد قرار اتهامي، وهو ما يمهد لبدء محاكمة بحق المتهمين. ويشير القرار إلى أن النائب السابق لرئيس المخابرات العامة أحمد عسيري والمستشار السابق في الديوان الملكي السعودي سعود القحطاني، هما المدبران لعملية اغتيال خاشقجي.
وخلصت أنقرة إلى أن خاشقجي تعرض للخنق ثم قطع جسده من جانب مجموعة من السعوديين داخل القنصلية. ولم يعثر قط على جثمان الراحل على الرغم من الدعوات التركية المتكررة للرياض بالتعاون في هذا الإطار.
وقامت سلطات آل سعود بمحاكمة عدد من المتهمين بقتل خاشقجي، قالت إنهم توجهوا إلى تركيا لتنفيذ الجريمة من دون علمها. وصدرت قبل أشهر أحكام بالإعدام والسجن، في قضية أثارت إدانات دولية واسعة. ولم تعرف أسماء المتهمين رسميا، وجرت المحاكمة بعيداً عن وسائل الإعلام، وسط تشكيك بنزاهتها ومصداقيتها.
لكن أسرة الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي، أعلنت في 22 مايو/ أيار عفوها عن قتلته، وتنازلها عن المطالبة بالقصاص منهم وذلك تحت ضغط شديد مارسه نظام آل سعود على مدار أشهر.
وقال صلاح، نجل الراحل، في بيان نُشر على صفحته بـ”تويتر”: “في هذه الليلة الفضيلة من هذا الشهر الفضيل نسترجع قول الله: (وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين)، ولذلك نعلن نحن أبناء الشهيد جمال خاشقجي أننا عفونا عمن قتل والدنا لوجه الله تعالى وكلنا رجاء واحتساب للأجر عند الله عز وجل”.
وتمسكت أسرة الصحفي خاشقجي سابقا بقوة، بحقها محاكمة قاتليه، نافية القبول بأي تسوية مالية.
وأكدت مصادر حقوقية أن نظام آل سعود مارس ضغوطات شديدة على عائلة خاشقجي التي لا يزال أفرادها داخل المملكة لإجبارهم على التنازل.
وتعقيبا على تغريدة صلاح خاشقجي، قالت خديجة جنكيز إنه ليس لأحد الحق في العفو عن قتلته “لأن جريمة قتله المشينة لن تسقط بالتقادم”، في حين وصفت مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحالات القتل خارج القضاء أنييس كالامار العفو بالمهزلة.
وكانت صحيفة “ميدل إيست آي” ذكرت في تقرير آب/ أغسطس الماضي، أن هناك توجه من ولي العهد محمد بن سلمان لإغلاق ملف قضية خاشقجي، عبر عفو أولياء الدم عن قتلته.
وكشفت صحيفة “واشنطن بوست” في نيسان/ أبريل 2019م، النقاب عن منح آل سعود أبناء خاشقجي منازل تقدر قيمتها بملايين الدولارات ودفعات شهرية لا تقل عن عشرة آلاف دولار، إلا أن صلاح نفى أن تكون تلك المنح لإسكاتهم عن المطالبة بحق والدهم.
وقال مسؤولين في نظام آل سعود إن ذلك يأتي في إطار جهود النظام الحاكم للتوصل إلى ترتيب طويل المدى مع عائلة القتيل، بهدف ضمني هو ضمان استمرار أعضاء عائلة القتيل في إظهار ضبط النفس في بياناتهم العلنية حول مقتل.
وامتنع أبناء خاشقجي منذ ذاك الوقت، عن أي انتقاد قاس للمملكة، رغم أن وفاة والدهم أثارت غضبا عالميا وإدانة واسعة النطاق لوريث العرش السعودي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وظهروا في مقطع فيديو، خلال حضورهم إلى القصر الملكي في الرياض لقبول التعازي التي قدمها لهم الملك سلمان ونجله محمد.
وبذلك تطوي السلطات السعودية قضية مقتل خاشقجي داخلياً فقط، ففي منتصف نوفمبر / تشرين الثاني الماضي، أعلنت النيابة العامة السعودية أن من أمر بالقتل هو رئيس فريق التفاوض معه (دون ذكر اسمه).
وقالت مقررة الأمم المتحدة، آنياس كالامار إن أدلة موثوقة تبين أن ولي العهد محمد بن سلمان ومسؤولين كبار يتحملون المسؤولية الشخصية عن جريمة القتل. ودعت إلى تحقيق دولي مستقل في القضية.
كما قال يرى فرِد رايان، المدير التنفيذي لصحيفة واشنطن بوست، في مقال نشرته الصحيفة، إن السلطات السعودية “تتبنى استراتيجية مراوغة” عبر تقديم “مسؤولين يمكن التضحية بهم ككباش فداء” لإجراء محاكمة صورية وتخفيف حدة الغضب العالمي.
ومنذ ذاك الحين، تبحث المملكة عن صورة جديدة أمام المجتمع الدولي في أعقاب سلسلة جرائم هزت الرأي الدولي، أبرزها قضية اغتيال الصحفي خاشقجي.