قالت “هيومن رايتس ووتش” في شهادة أمام “اللجنة الفرعية الدائمة بمجلس الشيوخ الأمريكي” إن على الولايات المتحدة التحقيق بشأن صناديق الثروة السيادية، مثل “صندوق الاستثمارات العامة” السعودي المرتبط بالانتهاكات الحقوقية وتنظيمها.
دققت الجلسة في الحيازات الكبيرة التي يملكها الصندوق في الولايات المتحدة. يأتي ذلك بعد إعلان اندماج “رابطة لاعبي الغولف المحترفين” و”ليف غولف”، البطولة التي يملكها الصندوق الاستثماري السعودي، في يونيو/حزيران 2023.
بحسب المنظمة سهّل الصندوق تحت قيادة ولي العهد محمد بن سلمان الانتهاكات الحقوقية واستفاد منها. يرأس ولي العهد الصندوق الذي تبلغ قيمته 700 مليار دولار، والذي بُني على الثروة النفطية للدولة.
قالت جوي شيا، باحثة السعودية في هيومن رايتس ووتش: “أظهر محمد بن سلمان اهتماما واضحا بتوسيع نفوذه خارج حدود السعودية في أحيان كثيرة من خلال صفقات تجارية بارزة مع الفرق والبطولات الرياضية”.
وتابعت “على الشركات الأمريكية التي تفكر في التعامل مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي بذل العناية الواجبة بشكل صارم جدا لضمان أن صناديق الثروة السيادية التي تستثمر في الشركات الأمريكية لا تعزز الانتهاكات الحقوقية”.
نشرت هيومن رايتس ووتش تقارير عدة عن تعزيز ولي العهد سلطته السياسية والأمنية على مدى السنوات القليلة الماضية في السعودية، والتداعيات الوخيمة على حقوق الإنسان.
بالتوازي مع ذلك، عزز محمد بن سلمان القوة الاقتصادية في المملكة، ولا سيما من خلال صندوق الاستثمارات العامة.
الصندوق ضالع مباشرةً في انتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة بولي العهد. تشمل هذه الانتهاكات حملة “مكافحة الفساد” العام 2017، والتي تضمنت اعتقالات تعسفية بحق مسؤولين حكوميين سابقين وحاليين ورجال أعمال بارزين ومنافسين داخل العائلة المالكة، وسوء معاملتهم، وابتزاز ممتلكاتهم، بالإضافة إلى قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي العام 2018.
يثير هذا الأمر مخاوف جدية بشأن الشركات الأمريكية التي تتعامل مع صندوق الاستثمارات العامة، وأي روابط محتملة قد تنشأ بينها وبين الانتهاكات في السعودية وخارجها.
لا سيما مع توسيع الصندوق استثماراته في القطاعات الرئيسية للاقتصاد الأمريكي، بما فيها التكنولوجيا، والرياضة، والترفيه، والقطاع المالي.
قالت هيومن رايتس ووتش إن ذلك ينبغي أن يكون أيضا مصدر قلق للهيئات التنظيمية الأمريكية والكونغرس.
بعض صناديق الثروة السيادية منفصلة ومتميزة هيكليا عن الرئيس التنفيذي للبلد الذي ينتمي إليه الصندوق. لكن ولي العهد يسيطر بشكل كبير على صندوق الاستثمارات العامة، وهو أحد أكبر الصناديق في العالم، ويمارس عملية صنع القرار من جانب واحد مع القليل من الشفافية أو المساءلة بشأن قرارات الصندوق.
رغم أن الموارد المالية للدولة في السعودية لطالما افتقرت إلى الشفافية والرقابة، فقد عززت إعادة الهيكلة والتوسع الكبير للصندوق، إلى درجة غير مسبوقة، القوة الاقتصادية الواسعة في السعودية تحت قيادة ولي العهد وحده.
كتبت هيومن رايتس ووتش إلى محافظ الصندوق ياسر الرُميّان تطلب رده على مزاعم الانتهاكات الحقوقية الجسيمة المرتبطة بالصندوق.
لم يستجب الرميان، الذي كان وفقا لصفحة “لينكد إن” منسوبة إليه وتقارير إعلامية مختلفة، مديرا إداريا للصندوق بين 2015 و2019، وفي 21 ديسمبر/كانون الأول 2021، ومرة أخرى في 15 مارس/آذار 2022.
نتيجة لحملة مكافحة الفساد، تم الاستيلاء على حوالي 20 شركة كجزء من الحملة ونقلها مباشرة إلى الصندوق بناء على تعليمات ولي العهد، وفقا لوثائق في دعوى قضائية كندية راجعتها هيومن رايتس ووتش.
ما يزال بعض أولئك الذين اعتُقلوا في العام 2017 محتجزين دون تهمة، ولم يُسمع عن آخرين منذ ذلك الحين.
لم تكن هناك شفافية فيما يتعلق بعملية مصادرة الأصول. يبدو أن بعض الأصول التي تم الاستيلاء عليها خلال حملة القمع، وفقا لصحيفة “الغارديان”، نُقلت إلى شركة قابضة يملكها بالكامل صندوق الاستثمارات العامة، بناء على أوامر محمد بن سلمان على ما يبدو.
بحسب ما ورد نُقلت أصول أخرى إلى شركة قابضة مختلفة تسيطر عليها الحكومة وتديرها وزارة المالية. ليس واضحا من الذي حصل في النهاية على ملكية الأصول الأخرى.
كما أشارت الوثائق إلى أن إحدى الشركات المنقولة هي “سكاي برايم للخدمات الجوية”، وهي شركة تأجير طائرات تمتلك الطائرتين اللتين استخدمهما عملاء سعوديون في العام 2018 للسفر إلى إسطنبول، حيث قتلوا خاشقجي.
في فبراير/شباط 2021، أصدرت “وكالة الاستخبارية المركزية” الأمريكية تقريرا خلص إلى أن محمد بن سلمان وافق على العملية.
على مر سنوات عدة ماضية، بدأت الحكومة السعودية حملة واسعة لتلميع صورتها وتغيير النظرة العالمية إلى المملكة على أنها تنتهك حقوق الإنسان بشكل مستمر وخطير، لا سيما في ظل القيادة الفعلية لولي العهد محمد بن سلمان.
رغم أنه ذراع للحكومة السعودية ويسيطر عليه الزعيم الفعلي للبلاد، فقد سعى صندوق الاستثمارات العامة إلى تصوير نفسه كجهة استثمارية تتصرف على أساس المصالح المالية، وليس بتوجيه من ولي العهد.
استضافت السعودية، ورَعَت، فعاليات تحتفي بالإنجازات الإنسانية، مثل الأحداث الرياضية الكبرى، في محاولة لتحسين صورتها. الصندوق هو عنصر أساسي في “رؤية السعودية 2030″، التي حددت بوضوح دور الرياضة في تعزيز صورة المملكة في الخارج.
في 6 يونيو/حزيران، أعلنت رابطة لاعبي الغولف المحترفين عن اتفاقية تجمع بين الأعمال والحقوق التجارية المتعلقة بالغولف التابعة للصندوق، بما فيها ليف غولف، مع الرابطة و”دي بي وورلد تور” في “كيان جديد ربحي مملوك جماعيا”.
بخلاف رعاية فعالية ما أو ملكية فريق ما، السيطرة على قطاع كامل من الرياضات الاحترافية تزيد إمكانية الضغط على اللاعبين، والرعاة، ووسائل الإعلام لالتزام الصمت تجاه انتهاكات السعودية، وتثير مخاوف بشأن الإجراءات التي ستُتخذ في إطار الرابطة لتقويض حقوق الإنسان.
راسلت هيومن رايتس ووتش مجلس سياسات رابطة لاعبي الغولف المحترفين في 22 يونيو/حزيران، مفصّلةً المخاوف المتعلقة بالآثار المترتبة على احتكار الصندوق فعليا للعبة الغولف الاحترافية، في حين أنه متواطئ أيضا في انتهاكات حقوقية.
حتى 13 سبتمبر/أيلول، لم تتلق هيومن رايتس ووتش أي رد من الرابطة، ولا توجد مؤشرات على أن الرابطة سعت إلى تطوير استراتيجية لحقوق الإنسان.
قالت شيا: “من المهم أن يدقق الكونغرس الأمريكي في تأثير الصندوق السعودي على الشركات الأمريكية. على إدارة بايدن اتخاذ إجراءات حريصة مماثلة في تعاملها الإضافي مع الحكومة السعودية، نظرا إلى سجلها الحقوقي واستخدامها ملياراتها لتلميع صورتها”.