قدمت مجموعة حقوقية للأمم المتحدة مؤخرا تقريرا يستعرض انتهاكات نظام آل سعود بحق المدافعين عن حقوق الإنسان في المملكة، والذين يتعاونون مع الأمم المتحدة.
وأفادت (منظمة القسط) و(مجموعة منّا لحقوق الإنسان)، بأن تقريرهما يحتوي معلومات مستجدّة حول سبعة نشطاء تعرضوا للأعمال الانتقامية من قِبل السلطات السعودية خلال 2019.
والتقرير الحقوقي سيرفد التقرير السنوي للأمين العام عن الأعمال الانتقامية الممارسة ضد الأفراد المتعاونين مع الأمم المتحدة الذي سيقدم لمجلس حقوق الإنسان في سبتمبر 2020.
وأدرجت المملكة أكثر من أي دولة أخرى في المنطقة في التقرير السنوي منذ بدء إصداره في 2010، وذلك انعكاسٌ لاستمرارية سياسة السلطات السعودية الرامية لتضييق الخناق على الأصوات الناقدة والحقوقية والمعارِضة وتكميم الأفواه.
ومنذ تولى سلمان بن عبد العزيز آل سعود، الحكم في المملكة وولي عهده نجله محمد، بدأت الأجهزة الأمنية التابعة بشكل مباشر لمكتب الأخير، وعلى رأسها جهاز أمن الدولة الذي أسس حديثا، بشنّ حملات اعتقال ضد الناشطين السياسيين والاجتماعيين والحقوقيين من مختلف التيارات.
ويسلط التقرير الضوء على النسق المستمر من التخويف والأعمال الانتقامية من قِبل السلطات السعودية ضد المدافعين عن حقوق الإنسان المتعاونين مع آليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.
ومن هؤلاء المستهدفين سمر بدوي ولجين الهذلول اللتين تعاونتا مع اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة (سيداو)، فيما تزال بدوي والهذلول في السجن وتواجهان محاكمةً بتهم من بينها التواصل مع أجهزة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.
وكان من المفترض أن تعقد السلطات السعودية جلسة محاكمة للمعتقلتين يوم 18 مارس 2020 لكنها أُجِّلَت دون تحديد موعد آخر بسبب تفشّي جائحة كورونا، مع العلم أن تأجيل الجلسات تكرّر حتى قبل الأوضاع الجديدة.
وسبق أن دعت منظمة العفو الدولية آل سعود إلى الإفراج فوراً، ودون قيد أو شرط، عن جميع سجناء الرأي والمدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان المحتجزين لمجرد ممارستهم السلمية لحريتهم في التعبير، وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها، والتجمع.
ويركز التقرير أيضًا على أوضاع غيرهما من المدافعين عن حقوق الإنسان، فعدد منهم يقضي محكوميات طويلة في السجن حيث تستمر الأعمال الانتقامية بحق المدافع عن حقوق الإنسان عيسى النخيفي الذي استشير أثناء التجهيز لزيارة المقرر الخاص المعني بمسألة الفقر المدقع للسعودية في يناير 2017.
وحكمت السلطات السعودية بالسجن على النخيفي، 6 سنوات، بتهم متعلقة بنشاطه الحقوقي، وقال التقرير إن السلطات مارست مختلف ضروب المعاملة القاسية بحقه حتى في السجن، بما في ذلك تعريته في يوليو 2019، وقد نقل بعد شهر من ذلك من سجن مكة العام إلى سجن الحائر وأُخبِر أنَّه سيواجه محاكمةً ثانية، لكن هذه المحاكمة لم تبدأ بعد وقد تكون دوافعها انتقامية لتخويفه وإبعاده عن أمه وعائلته.
وتحدث تقرير “القسط ومجموعة منّا” عن قضية المدافع عن حقوق الإنسان والعضو المؤسس لجمعية حسم الراحل عبد الله الحامد الذي حُكِم عليه بالسجن 11 سنة على خلفية تهم منها “تقديم معلومات زائفة عن السلطة السعودية لمنظمات مرتبطة بالأمم المتحدة”.
وقد تعرض أثناء احتجازه للحرمان المتكرر من المكالمات والزيارات الأسرية ورفضت سلطات السجن السماح له بإخبار أسرته أو أي شخص خارج السجن عن حالته الصحية، كوسيلة للضغط النفسي عليه.
وفي يناير 2020 أخبر الطبيب المعتقل الحامد، بحاجته العاجلة إلى عملية قسطرة في القلب لكن إدارة السجن أجّلت العملية عدة شهور، وكان من المقرر إجراؤها في أواخر مايو أو أوائل يونيو 2020، ورفضت السلطات طلب الحامد البقاء في المستشفى في فترة انتظار العملية، وبعد فترة طويلة من الحرمان من الرعاية الصحية الملائمة في السجن أصيب الحامد بجلطة في المخ وهو في السجن بتاريخ 9 أبريل 2020 ودخل في غيبوبة، ونُقِل على إثرها إلى مستشفى مدينة الملك سعود الطبية حيث توفي يوم 23 أبريل.
وقال مدير منظمة القسط يحيى عسيري: إن السلطات السعودية تكرر توظيف سردية الإصلاح لكن سلوكها القمعي وحملات الاعتقال التي تستهدف نشطاء حقوق الإنسان تبيّن أنَّ هذه السردية ليست إلّا كلامًا فارغًا.
وأكد عسيري أن لأعمال الانتقامية تمارس بحق هؤلاء المدافعين الشجعان ابتداءً بالاعتقال وبعدها في المحاكمة وما يصاحبها من تعذيب وسوء معاملة في السجن، واستمرت السلطات في ممارساتها هذه مع عبد الله الحامد حتى وفاته.
كما قالت مديرة مجموعة منّا لحقوق الإنسان إيناس عصمان: “تزعم السلطات السعودية أنّها تتعاون تعاونًا بنّاءً مع نظام حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، لكن الواقع خلاف ذلك، فالسلطات السعودية تعاقب المتعاونين مع الأمم المتحدة. ونظرًا لاحتمال سعي السعودية للترشح مرةً أخرى لعضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في أكتوبر 2020، فمن المهم فحص سجلّها بدقّة وعناية”.
وجددت “القسط ومجموعة منّا لحقوق الإنسان” دعوتهما للإفراج الفوري وغير المشروط عن كل معتقلي الرأي في السعودية، بمن فيهم من تعرضوا للاعتقال وسوء المعاملة على خلفية تعاونهم مع الأمم المتحدة، وتؤيدان الدعوات لنظام أشمل لإيقاف التخويف والأعمال الانتقامية، بما في ذلك آلية مراقبة تابعة للأمم المتحدة على وضع حقوق الإنسان في السعودية.
وتعتقل السلطات السعودية عشرات المعتقلين السياسيين والدعاة والأئمة إلى جانب أمراء من العائلة المالكة، كل ذلك بأوامر من ولى العهد الذي يستخدم قبضته الأمنية لتعزيز نفوذه وسلطته.
ووثقت المنظمة الأوربية السعودية لحقوق الإنسان اعتقال السلطات السعودية 87 امرأة منذ ولاية سلمان وابنه حكم المملكة (2015-2020).
كما وثقت مجموعة “بن أميركا المناصرة لحرية التعبير”، اعتقال 238 مفكرا وكاتبا حول العالم، خلال 2019م، بينهما 38 معتقلا في سجون المملكة السعودية؛ بتهم تتعلق بأعمالهم الفكرية والكتابية.