ضغوط برلمانية أمريكية لوقف انتهاكات آل سعود لحقوق الإنسان

تتصاعد الضغوط البرلمانية الأمريكية على نظام آل سعود لوقف انتهاكاته لحقوق الإنسان خاصة اعتقال نشطاء رأي ومحاكمتهم حظر السفر عن آخرين.

فقد طالب أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي وزير الخارجية مايك بومبيو بالعمل على تحرير المواطن الأمريكي من أصل سعودي الدكتور وليد فتيحي الذي تحاكمه سلطات آل سعود بتهم “مسيسة”.

وقال بيان بعث به أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطي: بوب مينينديز، وباتريك ليهي، وكريس مورفي، وكريس فان هولين، ورون وايدن، إنه “من المهم جداً بالنسبة للإدارات الأمريكية الديمقراطية والجمهورية أن تحرر مواطني الولايات المتحدة في الخارج”.

وشدد البيان على أن “المواطن وليد فتيحي سُجن منذ ما يقرب من عامين ويحاكم بدون وجه حق”.

وقال أعضاء مجلس الشيوخ: “إن المئات من المواطنين السعوديين كانوا مستهدفين من قبل ولي العهد محمد بن سلمان، وإن الفتيحي اعتقل وتعرض للتعذيب في هذا السياق”، مطالبين بومبيو، الذي من المتوقع أن يسافر إلى المملكة هذا الأسبوع، “بوضع موقفه على جدول الأعمال”.

وطالبوا كذلك “بالعمل على رفع حظر السفر على فتيحي و7 من أفراد أسرته من مواطني الولايات المتحدة، ونحثكم على الدفاع عن حقوق جميع أولئك الذين احتُجزوا ظلماً في المملكة العربية السعودية، وخاصة المواطنين الأمريكيين”.

وفي وقت سابق، بعث أعضاء آخرون في مجلس النواب الأمريكي خطاباً إلى بومبيو، وأعلنوا أنهم وجهوا مكالمة مماثلة.

ويحاكم الطبيب السعودي الأمريكي بتهم غامضة مرتبطة بنشاطه على وسائل التواصل الاجتماعي والتعبير عن غضبه من مقتل متظاهرين سلميين منذ ثورات اندلاع الربيع العربي.

واحتجزت سلطات آل سعود فتيحي 21 شهراً دون تهمة أو محاكمة، وسط تقارير عن تعرضه للتعذيب داخل السجن، وفي أغسطس الماضي، اتهمته النيابة بالتعاطف مع جماعة الإخوان المسلمين وانتقاد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي علناً؛ وقدموا عدداً قليلاً فقط من التغريدات الغامضة دليلاً على ذلك.

وأُطلق سراح فتيحي في آب/أغسطس، وسط تكهنات حول تدخل الإدارة الأمريكية في هذا الشأن، ولا يزال حراً لكنه يحاكم حتى اليوم، كما أعادت سلطات آل سعود فرض حظر السفر عليه وعلى أسرته.

في هذه الأثناء قالت صابرة عزيزي في مقال لها على موقع “ناشونال إنترست” الأمريكي: إن مكتب التحقيقات الفيدرالي منع حادثة جمال خاشقجي أخرى عندما أحبط عملية اختطاف عبد الرحمن المطيري، وهو طالب سابق بجامعة سان دييجو، بواسطة مسؤول سعودي. كان المطيري ينتقد محمد بن سلمان، مثلما فعل خاشقجي.
ويعكس وجود اسم المطيري على قائمة المطلوبين لابن سلمان تزايد عدد المعارضين السعوديين وتزايد الحملة على النقاد.

منذ عام 2017 عندما أصبح ابن سلمان وليًا العهد قاد حملة وحشية ضد منتقديه بسبب انتهاكاته الخطيرة لحقوق الإنسان. وغالبًا ما كانت إصلاحاته بمثابة قنبلة دخان تهدف إلى ترسيخ سلطته.

وأوضحت صابرة عزيزي أن ابن سلمان نفذ حملته المحلية البشعة بالتوازي مع سياسة خارجية غير تقليدية. اختار ولي العهد نهجًا عدوانيًا مع الدول العربية الإقليمية، بما في ذلك اليمن وسوريا ولبنان وقطر. علاوة على ذلك لم تعد المملكة تمول المساجد في الخارج، وهي ركيزة أساسية لسياسة الرياض الخارجية التقليدية.

في الشهر الماضي ادعى محمد بن عبد الكريم عيسى، وزير العدل السابق في المملكة العربية السعودية، أن بلاده لم تعد تمول المساجد خارجها. على الرغم من أنه من المحتمل أن تستمر السعودية في تمويل المساجد في المواقع الجغرافية الإستراتيجية الحيوية، مثل أفغانستان وباكستان، إلا أن هذا الإعلان يعكس تغيرًا حادًا في سياسة الرياض الخارجية. منذ انتصار ثورة الخميني، تركزت سياسة الرياض الخارجية على مواجهة التهديد الإيراني.

تعتمد المملكة تقليديا على رعاية الجماعات المتطرفة، وتنمية العلاقات الودية مع الزعماء الدينيين، وتمويل المساجد في الدول الإسلامية لتعزيز قوتها الناعمة وكبح نفوذ إيران في العالم الإسلامي. وبحسب ما ورد ستوقف الحكومة السعودية تمويل هذه المساجد “لأسباب أمنية”. بمعنى آخر تشكل القضايا الداخلية تهديدًا أكبر للنظام من الشؤون الخارجية.

يعكس التحول الأخير في السياسة الخارجية تغييرًا في إستراتيجية ابن سلمان الكبرى للحفاظ على سلطته – تشير عزيزي. بيد أن قرار وقف تمويل هذه المساجد لا يعكس تراجعًا أو سياسة خارجية منعزلة، بل يُظهر التحول في إعطاء أهمية أكبر للسياسة الداخلية على الدولية.

تعد المساجد التي ترعاها المملكة في أجزاء مختلفة من العالم مصدرًا مهمًا للنفوذ والدعم السعوديين. لكن استقرار النظام وشرعيته يعتمدان إلى حد كبير على شؤونه الداخلية. إذ تشكل المعارضة الداخلية تهديدًا وجوديًا لنظام ابن سلمان، في حين أن مشاريع سياسته الخارجية ليست كذلك. ولهذا السبب تعتقد الرياض أن التهديد من المعارضين المحليين أكبر من التهديد الإيراني. أيضًا عند العمل ضد إيران تحظى الرياض بدعم العديد من الدول الأجنبية، بما في ذلك دول الغرب. ومع ذلك فعندما يتعلق الأمر بالشؤون الداخلية، فشلت المملكة في حشد الدعم الغربي لقمع مواطنيها.

ربما يكون مقتل جمال خاشقجي هو المحفز الذي أدى إلى هذا التحول – تكشف صابرة عزيزي. فقد سلط اغتياله الضوء على التكتيكات الوحشية لإسكات المعارضين وتعرض النظام لإدانة دولية واسعة النطاق لانتهاكاته لحقوق الإنسان. قبل مقتل خاشقجي، أشار باتريك كوكبورن، الصحافي في “الإندبندنت” البريطانية، إلى أن “القادة السعوديين تخيلوا، بعد أن أفلتوا من العقاب على أسوأ الأعمال الوحشية في اليمن، أن أي تنديد بوفاة رجل واحد في القنصلية السعودية في إسطنبول يمكن التعامل معه”.

لكن الحال لم يكن كذلك. لم يفشل ابن سلمان فقط في الحصول على الدعم الثابت من حلفائه التقليديين الذين كان يأمل مساندتهم، ولكن أدى قتل خاشقجي أيضًا إلى نزع الشرعية عن النظام وجدول أعماله الإصلاحي المزعوم.

إن مثل هذا التحول في إستراتيجية ابن سلمان الكبرى من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من انتهاكات حقوق الإنسان؛ لأن الرياض تستنفد مواردها لإسكات المعارضة.

في وقت سابق من هذا الشهر – تختتم صابرة عزيزي بالقول – منحت الولايات المتحدة حق اللجوء إلى المطيري بعد أن اكتشف مكتب التحقيقات الفيدرالي مؤامرة “خاشقجية” ضده. وبينما ساندت الولايات المتحدة وساعدت المملكة في كثير من مغامراتها الخارجية، فعندما يتعلق الأمر بجمال خاشقجي، فإن الرياض ليس لديها حليف موثوق به.