تتوالى الانتكاسات الاقتصادية على نظام آل سعود منذ تفشى فيروس كورونا داخل المملكة، وانخفاض أسعار النفط العالمية بعد “حرب الأسعار” التي أشعلها ولى المملكة محمد بن سلمان مع روسيا.
وانعكاسا للأوضاع المتدهورة التي تعيشها المملكة داخليا وخارجيا، هبط فائض ميزان التجارة السعودية الخارجية (النفطية وغير النفطية) بنسبة 36.6 بالمائة على أساس سنوي، خلال الربع الأول من 2020.
وبحسب البيانات الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء في السعودية، فقد بلغ فائض الميزان التجاري 20.2 مليار دولار، مقابل نحو 31.9 مليار دولار خلال الفترة المناظرة من 2019.
وانخفضت قيمة الصادرات إجمالا بنسبة 20.7 بالمائة إلى 52.7 مليار دولار، كما هبطت الواردات 6.1 بالمائة إلى 32.5 مليار دولار.
وهبطت قيمة الصادرات النفطية للمملكة، التي تصنف كأكبر مُصدر للنفط في العالم، خلال الفترة المذكورة، بنسبة 21.9 بالمائة، إلى 40 مليار دولار.
وكان الفائض التجاري السلعي للمملكة قد هبط بنسبة 25.7 بالمائة خلال عام 2019 إلى 117.2 مليار دولار، مقابل 157.8 مليار دولار في 2018.
و”الفائض التجاري” عادة ما يكون مؤشرا على صحة الاقتصاد وقدرته التنافسية، لكنه يبقى أحيانا غير كاف لإصدار حكم بهذا الشأن، خاصة إذا تعلق الأمر بالاقتصادات التي تبالغ في اعتمادها على الصناعات الاستخراجية وتصدير المواد الأولية المعدنية والطاقية دون تحويلها.
فهذه الاقتصادات تفتقر إلى التنويع، وتكون عرضة لتقلبات أسعار المواد الأولية في الأسواق العالمية، مما يؤدي إلى أزمات اقتصادية دورية.
وتسوده حالة من الغضب في الشارع السعودي إزاء سلسلة إجراءات وقرارات حكومية وصفها وزير المالية في المملكة محمد الجدعان بـ”المؤلمة”.
وأعلن الجدعان، عن قرارات سابقة؛ لاحتواء أزمتي كورونا والنفط، أبرزها: إيقاف بدل غلاء المعيشة بدءا من شهر يونيو/حزيران المقبل ورفع نسبة ضريبة القيمة المضافة من 5% إلى 15% بدءا من الأول من شهر يوليو/تموز لعام 2020، عدا عن السماح بتخفيض رواتب آلاف الموظفين في القطاع الخاص إلى 40% مع إمكانية إنهاء عقود الموظفين.
وفاجأت وزارة الاسكان في المملكة، قبل أيام، العسكريين والمواطنين السعوديين، بوقف مدفوعات اثنين من برامجها لدعم الرهن العقاري.
وتوقعت وكالة فيتش – إحدى أهم وكالات التصنيف الائتماني والأبحاث والتحليلات في العالم – حدوث تراجع حاد في النظرة المستقبلية لمالية أغلب اقتصادات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بعد تباطؤ النشاط الاقتصادي وتراجع الإيرادات في العديد من القطاعات الهامة في تلك البلدان.
وأكدت الوكالة في تقريرها، أن “صدمة الجائحة ضربت المنطقة في وقت كانت العديد من بلدانها تعاني من تراجع ماليتها العامة”، واستدركت: “إن الدول القليلة التي ستنخفض فيها نسبة الدين إلى الناتج المحلي العام القادم، ستواجه صعوبات في الوصول إلى التمويل، وهو ما يضع حداً على إمكانية مراكمة الدين فيها”.
وأعلنت تخفيض التصنيف الائتماني لعشر دول منها منذ بداية العام الحالي 2020، ورفعت عدد الدول التي تحتفظ بنظرة سلبية لتصنيفها المستقبلي، مقارنة بعددها في أعقاب الأزمة المالية العالمية في 2008 – 2009، أو صدمة انخفاض أسعار النفط في 2014، لتصبح ثمان من أصل ثلاث وثلاثين دولة يشملها تقييم الوكالة، الأمر الذي يعني وجود احتمالات لزيادة عدد الدول التي يتم تخفيض تصنيفها الائتماني خلال الفترة القادمة.
ووفقاً لشبكة بلومبيرغ الأميركية، فقد أطاحت الدول العربية في منطقة الشرق الأوسط الصين من على رأس قائمة أكبر الاقتصادات الناشئة المصدرة للسندات الدولية خلال شهر إبريل/ نيسان الماضي، بعد أن باعت قطر والسعودية والإمارات مجتمعة ما قيمته 25 مليار دولار من السندات الدولية، بينما لم تتجاوز إصدارات الصينيين 4.6 مليارات دولار خلال نفس الشهر.
وكانت آخر مرة تراجعت فيها الصين للمركز الثاني في إصدار السندات الدولية في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2016، حين استلمت السعودية منها الراية، عقب إصدارها ما قيمته 17.5 مليار دولار من تلك السندات.
ورغم أن أغلب التحليلات تشير إلى أثر الجائحة على ماليات دول الخليج العربي ما زال في مراحله الأولى، لا يبدو أن اصدارت تلك الدول من السندات ستتوقف أو تتراجع قريباً.
وبالإضافة إلى ضغط المالية العامة وانخفاض أسعار الطاقة على صناديق الثروة السيادية لتلك الدول، تعاني تلك الصناديق من انخفاض قيمة أصولها بعد التراجعات الكبيرة في أسعار الأسهم حول العالم منذ بداية أزمة الفيروس.
وقدر خافيير كابابي، مستشار الأمم المتحدة والأستاذ المتخصص بالثروات السيادية بجامعة آي إي الإسبانية، خسائر الصناديق السيادية الخمسة عشر الأكبر في العالم خلال الأشهر الثلاثة الماضية، والمسؤولة عن حوالي 80% من عمليات تلك الصناديق حول العالم، بما يقرب من 62 مليار دولار من الخسائر الورقية على أكبر حصص تملكها في الشركات المتداولة في البورصات.
وأكدت تقارير موثوق بها أن تدخل البنوك المركزية حول العالم، وعلى رأسها بنك الاحتياط الفدرالي الأميركي، وضعت حداً لخسائر تلك الصناديق.
وقالت وكالة بلومبيرغ الأميركية، إن الشهر الذي هز الاقتصاد السعودي مجرد بداية لسجل طويل، مشيرة إلى أن العديد من نقاط القوة المكتشفة حديثا في المملكة تحولت فجأة إلى نقاط ضعف، بسبب تفشي الوباء وهبوط أسعار النفط خلال إبريل/ نيسان.
وتوقعت الوكالة في تقريرها أن ينكمش الاقتصاد السعودي غير النفطي للمرة الأولى منذ أكثر من 30 عاما، بعد التضرر الكبير الذي لحق بالشركات جراء تداعيات كورونا وهبوط النفط.