يحمل عام 2020 حتى الآن انتكاسات كبيرة لولي العهد محمد بن سلمان وخططه بشأن تنويع اقتصاد المملكة وهو عام كان من المفترض أن يكون الأهم لجنة ثمار تلك الخطط.
رُسمت خطة عام 2020 بأن تجني المملكة بعضاً من ثمار مشروع التحديث الكبير: من الأرباح الواردة من تزايد زوار المملكة من المعتمرين والحجاج الذين يزورون الأماكن المقدسة، إلى أرباح الصناعات الجديدة وصناعة الترفيه التي أظهرت أن المجتمع أصبح أكثر انفتاحاً ويمكن أن يزدهر يوماً ما دون الاعتماد على الأرباح النفطية. ثم في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، كان الأمير محمد بن سلمان البالغ من العمر 34 عاماً والحاكم الفعلي للمملكة، سيجذب الأضواء على المسرح العالمي من خلال استضافة نظرائه من رؤساء دول مجموعة العشرين.
لكن يعرض سكون مكة والمدينة المنورة الآن التوضيح الأبرز للتحديات التي تواجه أميراً راهن على قيادته في جلب الرخاء الاقتصادي إلى دولة تقل أعمار ثلثي سكانها عن 35 عاماً.
في مثل هذا الوقت من العام، كان صحن المسجد الحرام بمكة المكرمة يكتظ بمئات الآلاف من المعتمرين بمناسبة بداية شهر رمضان، لكن بدلاً من ذلك، أصبح المسجد مهجوراً بسبب جائحة فيروس كورونا التي ضربت المدينة التي وُلد فيها نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم.
كانت استجابة المملكة لجائحة كورونا تتمثل في الإغلاق السريع، وهو الأمر الذي أثنى عليه العديد من السعوديين. فقد تسببت الجائحة في جمود السياحة في جميع أنحاء العالم، وضربت الجوانب المالية للعديد من الدول. لكن الأثر الاقتصادي للوباء أتى في وقت أكثر أهمية بالنسبة للمملكة العربية السعودية، كما تقول وكالة Bloomberg الأمريكية.
وفقاً لمخطط أولي كشف عنه ولي العهد قبل أربع سنوات، وأطلق عليه رؤية 2030، كان أحد الأهداف يتمثل في زيادة الدخل من السياحة الدينية إلى أقدس المدن الإسلامية. خططت المملكة العربية السعودية لتمكين 15 مليون مسلم، معظمهم من الخارج، لأداء العمرة إلى مكة هذا العام، وهو ما يقرب من ضعف عدد الوافدين لعام 2019.
وقد عملت المملكة بالفعل على زيادة القدرات وتحسين جودة الخدمات المقدمة للزوار. لكن القيود التي فرضتها المملكة بسبب فيروس كورونا منعت السفر. ولا تزال مكة في حالة إقفال تام مع وصولها إلى أعلى عدد من حالات الإصابة بفيروس كورونا في البلاد، حتى مع تخفيف حظر التجول في أماكن أخرى.
يقول أيهم كامل، رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجموعة أوراسيا الاستشارية: “بالرغم من أن الأمر كان صعباً من قبل، أصبح الآن من المستحيل تحقيق جميع عناصر الرؤية. يتطلب هذا المستوى من الضغط إعادة التفكير في الخطة الكبرى بدلاً من التفاصيل الثانوية هنا وهناك”.
وأوضح أن هذا الأمر يترك ولي العهد محمد مضطراً إلى اتخاذ “خيارات صعبة فيما يتعلق بما يريده لتنويع مصادر الاقتصاد، والمشاريع العملاقة، والاستثمارات في الأصول في الخارج وفي الداخل”.
وأضاف كامل أن التأثير قصير المدى سيكون محسوساً اقتصادياً في الغالب، لكن التكلفة السياسية ستتراكم على المدى الطويل. وتابع قائلاً إن المملكة خففت بالفعل من مواقفها بشأن إيران وقطر وأعلنت وقف إطلاق النار في اليمن في أبريل/نيسان بعد أشهر من محاولتها للوصول إلى استراتيجية خروج.
وأكد وزير المالية محمد الجدعان، في مؤتمر صحفي عقد في 22 أبريل/نيسان 2020، أن المملكة العربية السعودية مرت بأزمات مماثلة في تاريخها و”تمكنت من تجاوزها”.
جدير بالذكر أن صندوق الاستثمار العام الضخم قد جمع حصصاً في شركات نفط أوروبية وشركات ترويج للحفلات الموسيقية، ويجري محادثات الآن لشراء نادي نيوكاسل الذي ينشط في الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم.
لكن الجدعان قال أيضاً إن البلاد قد ينتهي بها الأمر إلى اقتراض ما يصل إلى 220 مليار ريال (58 مليار دولار) هذا العام، وتقيم الحكومة إجراء تخفيضات إضافية في الإنفاق. يحتاج الاقتصاد السعودي إلى أربعة أضعاف الأسعار الحالية للنفط لموازنة ميزانيته، بينما استنفد البنك المركزي السعودي صافي الأصول الأجنبية في مارس/آذار 2020 بأسرع معدل في عقدين على الأقل. ترك هذا المملكة تحدق في واقع مختلف.
في الوقت الحاضر، ينصب التركيز في المملكة على تسليط الضوء على عدد كبير من الإجراءات التي أعلنتها الحكومة لمساعدة الشركات أثناء الإغلاق بسبب الفيروس، بما في ذلك خطة لتغطية 60٪ من رواتب بعض السعوديين العاملين في الشركات الخاصة.
وإجمالاً، تعهدت الدولة بتقديم دعم بقيمة 177 مليار ريال (47 مليار دولار)، بالرغم من أن ذلك يشمل تخصيصات إضافية لقطاع الصحة.
تقول ياسمين فاروق، الباحثة في برنامج الشرق الأوسط بمركز كارنيغي للسلام الدولي، وهو مركز أبحاث للسياسة العالمية: “بسبب أزمة أسعار النفط وأزمة فيروس كورونا، يريد الأمير أن يكون والده حاضراً في المشهد. ما دام الملك موجوداً في هذه المرحلة، فربما يكون ولي العهد في أمان”.
فيما قال كامران بخاري، مدير التطوير التحليلي في مركز السياسة العالمية في واشنطن العاصمة: ربما يكون هناك الكثير من حسن النية من قبل ولي العهد محمد بن سلمان في محاربة فيروس كورونا. لكن بمجرد أن يصبح الفيروس تحت السيطرة، سيكون التركيز على التحديات الرئيسية التي تواجه المملكة.
وأضاف بخاري أن الأمير عمل بجد للتأكد من عدم وجود أي تحدٍّ منظم لسلطته، “لكن مثل هذه التحديات تمثل الحد الأدنى من التحديات”. وأوضح أنه إذا لم يفِ بوعوده، فسيكون “ملكاً ضعيفاً يعاني من الكثير من المشاكل الاجتماعية والسياسية الداخلية، إلى جانب التهديدات الخارجية”.