تتورط المملكة العربية السعودية في حربها الإجرامية على اليمن المستمرة منذ أكثر من أربعة أعوام بارتكاب جرائم حرب مروعة بحق الأطفال بحيث قتلت المئات منهم وتسببت بتجويع ونشر الأمراض المعدية في صفوف عشرات آلاف أخرين.
وسبق أن تم ادراج التحالف العسكري في الحرب على اليمن بقيادة السعودية على القائمة السوداء للأمم المتحدة عام 2016، لكنه رُفع لاحقا بعد رد فعل غاضب للسعودية وتهديدها بقطع التمويل عن برامج الأمم المتحدة.
وفي واحدة من أبرز جرائم آل سعود في اليمن، قتل 40 طفلا في آب/أغسطس 2018 عندما هوجمت حافلتهم في محافظة صعدة، وأقر التحالف بعدها بحصول “أخطاء” في محاولة سخيفة لتبرير جريمة متكملة الأركان.
وتطالب المنظمات الحقوقية الدولية الأمم المتحدة وأطراف المجتمع الدولي بإجراءات محاسبة فعلية للتحالف السعودي على خلفية ما يرتكبه من جرائم بحق أطفال اليمن.
ومؤخرا صرحت أدريان لابار مديرة برنامج الأطفال والصراعات في منظمة “ووتش لست” غير الحكومية أنه “لا ينبغي للأمم المتحدة أن تموّه الكلام عندما يتعلق الأمر بتسمية مرتكبي الجرائم ضد الأطفال وفي مقدمتهم السعودية.
وأضافت “طالما استمرت الغارات الجوية التي تقودها السعودية والإمارات في قتل وتشويه الأطفال في اليمن، فإن التحالف لا يستحق أي ثناء على وعوده الفارغة بحمايتهم”.
وقال لويس شاربونو مدير الأمم المتحدة في هيومن رايتس ووتش “في 2018 وحتى عام 2019 واصل التحالف الذي تقوده السعودية شن هجمات على المدارس والمستشفيات تم توثيقها جيدا، اضافة الى انتهاكات جسيمة أخرى ضد الأطفال في اليمن”.
في نيسان/أبريل الماضي، أعلنت يرجينا غامبا الممثلة الخاصة للأمين العام المعنية بالأطفال والصراعات المسلحة أمام مجلس الأمن الدولي أن عدد الانتهاكات بحق الأطفال التي تم التحقق منها في اليمن “مذهلة”، وألقت باللوم على التحالف السعودي.
وتم تجنيد أكثر من 3000 طفل وقتل أو تشويه ما لا يقل عن 7,500 بين نيسان/أبريل 2013 ونهاية عام 2018.
وأشارت غامبا الى أن الأمم المتحدة تحققت من 350 هجوما للتحالف السعودي على المدارس والمستشفيات في اليمن خلال تلك الفترة.
ويشهد اليمن، أفقر دول شبه الجزيرة العربية، نزاعا داميا منذ تموز/يوليو 2014 تسبّب هذا النزاع بمقتل عشرات آلاف الأشخاص، بينهم عدد كبير من المدنيين، بحسب منظمات إنسانية مختلفة.
ضحايا هجمات مروعة
قبل أسابيع كشفت منظمة “مشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثها”، في تقرير موسع أن عدد القتلى في حرب اليمن بلغ 91600 شخص، وذلك منذ بدء التحالف السعودي عملياته العسكرية في الخامس والعشرين من مارس/آذار 2015، مشيرة إلى أن التحالف وحده مسؤول عن أكثر من 8 آلاف قتيل من حوالي 11700 حالة وفاة ناجمة عن الاستهداف المباشر للمدنيين.
وذكر تقرير مفصل صادر عن المنظمة الدولية، المتخصصة بالنزاع المسلح وتتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، أن عام 2018 كان الأكثر دموية وعنفًا في الحرب، حيث قتل قرابة 30 ألف شخص، موضحا أن محافظة تعز، ثالث أكبر المدن، هي المحافظة التي احتلت صدارة أكثر المحافظات عنفًا في اليمن منذ عام 2015، حيث بلغ عدد القتلى فيها 18419 قتيلاً، من بينهم 2222 قتيلاً مدنياً، مرجعاً ذلك إلى حد كبير للحصار المستمر منذ أربع سنوات والذي تفرضه جماعة “أنصار الله” (الحوثيين).
وحسب التقرير، فقد جاءت بعد تعز محافظتا الحديدة والجوف، حيث تم الإبلاغ عما يقرب من 10 آلاف حالة وفاة في كل منطقة منهما منذ عام 2015.
وبالنسبة للحديدة، والتي تحتل المرتبة الثانية، فقد ذكر التقرير أن عدد الوفيات المبلغ عنها زاد بشكل كبير في عام 2018 بسبب الهجوم الذي تدعمه الإمارات على الساحل الغربي.
وحول الأرقام الخاصة بالمدنيين، يشير التقرير إلى أنه في هذه المحافظات قتل أكثر من 2000 مدني (كل محافظة على حدة)، حيث كان العيش “قاتلاً” لهم، إذ تشكل المحافظات الثلاث أكثر من نصف الوفيات المدنية المبلغ عنها في اليمن منذ عام 2015.
ويلفت التقرير إلى أنه وعلى عكس العدد الكبير المستمر من الوفيات الناجمة عن الاشتباكات المسلحة، يعيش المدنيون في عام 2019 في خطر أقل من التعرض للقتل من خلال العنف السياسي عما كانوا عليه في عام 2015، حيث يشير إلى أن عام 2015 كان الأكثر فتكاً، “بسبب الاستهداف العشوائي للغاية للمدنيين في اليمن من قبل الغارات الجوية للتحالف السعودي الإماراتي، حيث توفي 4468 مدنياً في ذلك العام، مقارنة بـ2426 مدنياً في 2018، رغم أن 2018 كان الأكثر فتكاً ودموية بشكل عام.
ولفت التقرير في هذا السياق، إلى أن الوفيات بين المدنيين التي تحدث نتيجة الأضرار الجانبية لا تظهر في هذا التقرير، بالإضافة إلى ذلك، لا تشمل هذه الأرقام الوفيات الناجمة عن أزمة الكوليرا أو الوفيات المحتملة المرتبطة بالمجاعة.
وبشكل عام، فقد ذكر التقرير أن حوالي 67% من جميع وفيات المدنيين في اليمن منذ عام 2015، والناجمة عن الاستهداف المباشر، نتجت عن الغارات الجوية التي نفذها التحالف السعودي الإماراتي، ما جعل التحالف الجهة الفاعلة الأكثر مسؤولية عن قتل المدنيين.
ويلفت التقرير في هذا السياق، إلى أنه منذ شهري نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول 2018، كان هناك انخفاض لعدد الغارات الجوية التي تستهدف المدنيين مباشرة في اليمن، حيث فسر ذلك بـ”انخفاض عدد القتلى المدنيين في الحديدة بسبب اتفاق استوكهولم، بسبب زيادة الضغط الدولي على المملكة العربية السعودية بعد قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول”.
ويوضح التقرير في هذا الإطار أن “تسليط الضوء على الدور القاسي الذي لعبته المملكة في تقطيع خاشقجي قد ألقى الضوء من جديد على دور السعودية في الأزمة اليمنية. ومن الواضح أن مجلس الشيوخ الأميركي قد وضع الأزمة اليمنية في المقدمة”.
تجويع للأطفال
اتهمت منظمة “أنقذوا الأطفال” الدولية جميع أطراف الصراع في اليمن بدفع البلاد إلى حافة المجاعة.
وقالت المنظمة الحقوقية إن جميع الأطراف -بما فيها التحالف السعودي الإماراتي- تتحمل المسؤولية إزاء خطر الجوع الذي يهدد اليمنيين.
وطالبت “أنقذوا الأطفال” في تقرير بمحاسبة المسؤولين عن منع الغذاء والدواء عن الأطفال، ونبهت إلى احتمال وفاة أكثر من نصف مليون طفل في مناطق النزاع بسبب الجوع الشديد قبل نهاية السنة الجارية؛ وقالت إن من المخجل استخدام المجاعة سلاحا في الحروب.
وفي وقت سابق، قالت منظمة اليونيسيف إن اليمن يعيش أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وينحدر بشكل مطرد نحو المجاعة.
وكانت الأمم المتحدة أعلنت في مايو/أيار الماضي أن اليمن يواجه أكبر أزمة إنسانية في العالم.
وقال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكوك إن النزاع في اليمن يشهد تزايدا في القيود على العمل الإنساني مع وجود 22 مليون شخص بحاجة إلى المساعدة، وأكد أن خطر المجاعة يهدد نحو 8.5 ملايين.
وفي سياق متصل، دعت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باشلي التحالف السعودي لإظهار شفافية أكبر في قواعد الاشتباك التي يتبعها في اليمن، ومعاقبة المسؤولين عن الضربات التي أودت بحياة مدنيين هناك.
وكانت المفوضية السامية لحقوق الإنسان أصدرت نهاية أغسطس/آب الماضي تقريرا بشأن جرائم حرب في اليمن، ترتكبها القوات السعودية والإماراتية وأفراد من الحكومة اليمنية و”سلطات الأمر الواقع” في إشارة إلى جماعة الحوثيين المسيطرة على السلطة في صنعاء والعديد من المحافظات اليمنية.
وخلص تقرير مفوضية حقوق الإنسان إلى أن معظم ضحايا غارات التحالف الإماراتي السعودي كانوا مدنيين، وقدر مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عدد القتلى المدنيين في اليمن منذ مارس/آذار 2015 (تاريخ بدء التدخل العسكري للتحالف) بـ6660 قتيلا.
وذكر التقرير الأممي أيضا ضباطا من التحالف السعودي اغتصبوا العديد من المعتقلين في اليمن، وارتكبوا أعمال عنف جنسي بأدوات مختلفة، كما أشار إلى ارتكاب تجاوزات بحق بعض المعتقلين في مراكز الاحتجاز.