يجمع مراقبون على أن سوء إدارة سلطات آل سعود للملف اليمني السبب الرئيسي في إطالة أمد الحرب في البلاد وتقويض جهود إحلال السلام فيها.
ويقول المستشار الإعلامي في السفارة اليمنية في المملكة أنيس منصور إن أسباب تعثر اتفاق الرياض تعود إلى سوء إدارة سلطات آل سعود للملف اليمني، ما يؤكد الارتباك والتخبط الذي تعيشه الرياض.
ويضيف منصور أن سلطات آل سعود خرجت عن المسار الحقيقي للمعركة، وأسست “اتفاق الرياض” الذي اعترف بمليشيات عنصرية ونقلتها من مربع الفوضى وأضفت عليها قيمة سياسية.
وينبه إلى أن المملكة لم يسبق لها أن أبرمت اتفاقا وتكلل بالنجاح، مشددا على أن الاتفاق لم يأت بأي فائدة، بل فتح المجال لمزيد من التصعيد ولسجال جديد بهدف خلق صراعات داخل اليمن وبسط السيطرة على أماكن الثروات.
ويرى مراقبون أن ممارسة الضغط من قبل نظام آل سعود لتطبيق اتفاق الرياض ينقصه امتلاك وسائل التطبيق في ظل وضع معقد، وجزء كبير من المسؤولية تتحمله الأطراف اليمنية الموقعة عليه.
يأتي ذلك فيما رضخ سفير نظام آل سعود لدى اليمن محمد آل جابر، لموجة التصعيد التي دشنها المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن المدعوم إماراتياً، ضد المملكة، منذ أيام، واتهم الحكومة الشرعية بأنّها “الطرف المعرقل” لاتفاق الرياض.
وجاءت تصريحات آل جابر الذي يُطلق عليه لقب “بريمر اليمن” وحاكمها الفعلي، غداة تصريحات لوزارة الخارجية اليمنية، اتهمت فيها المجلس الانفصالي بمواصلة التمرد المسلح عبر التدخل في عمل المؤسسات الحكومية ومواصلة تحشيد قوات إلى عدن واستحداث حواجز عسكرية ونقاط تفتيش.
وقال آل جابر، في تغريدة على “تويتر”، إنه “لا يمكن القبول بأن تجري قوات تابعة للشرعية مناورات عسكرية في شقرة ويتحدث قادتها العسكريون عن ساعة الصفر، في ظل اتفاق الرياض الهادف لعودة الحكومة إلى عدن وتوحيد الصف وتحقيق الأمن والتنمية”.
وكان أعلن قائد اللواء 39 مدرع الموالي للشرعية، عبد الله الصبيحي عن إجراء ما وصفها بـ”مناورة مصغرة” مع قوات الحماية الرئاسية، وأعلن الجاهزية التامة للقوات التابعة للشرعية من أجل تنفيذ المهام الموكلة إليها من التحالف السعودي أولا، ومن ثم الرئيس عبدربه منصور هادي، دون الإشارة إلى ساعة الصفر أو إلى أن الهدف هو عدن.
ولم يكتف آل جابر بذلك، بل تبنى بشكل حرفي الخطاب الرسمي الذي يردد قادة الانتقالي، عندما لمّح إلى أنه أولى بتلك القوات التابعة للشرعية التوجه إلى مأرب والجوف، التي تتعرض لهجوم مستمر من قبل الحوثيين المدعومين من إيران.
وطيلة الأشهر الماضية، كان قادة الانتقالي يطالبون بعودة القوات التابعة للشرعية التي تتمركز في أبين وشبوة، وأيضاً في المنطقة العسكرية الأولى بسيئون، إلى مأرب، باعتبارها قوات متحدرة من المحافظات الشمالية، في مسعى منهم لأخذ مواقعها وبسط السيطرة الكاملة على المدن الجنوبية.
وكما لو أنه ضوء أخضر سعودي بإشعال المعركة في أبين ضد الشرعية، احتفت القيادات الانفصالية ووسائل إعلام الانتقالي بتصريحات السفير آل جابر، وطغى خطاب الحرب على جميع ردود الفعل الصادرة من الموالين للإمارات.
عطفًا على ذلك، هدد رجل الدين السلفي هاني بن بريك، بـ”دفن” العميد في الجيش اليمني عبد الله الصبيحي المتهم من السفير آل جابر بإعلان ساعة الصفر في شقرة، وذلك إذا ما قرر الدخول إلى عدن على رأس قوة عسكرية.
وهدد بن بريك، في تغريدة على “تويتر”، الصبيحي بالقول: “مرحباً بك بين أهلك وناسك في عدن مواطناً جنوبياً معززاً مكرماً وقد قلنا عفى الله عما سلف، أما غازياً فوالله ندفنك فيها يا عبد الله وكل طامع، ولن تدخلوها غزاة ونحن أحياء ولو متنا فهناك رجال سيوقدونها جهنم”.
ونشر موقع “عدن 24” التابع للانتقالي والممول من الإمارات، تصريحات للقيادي الانفصالي أحمد بامعلم، أعلن فيها أن الجنوبيين “سيخوضون كل التحديات خلف عيدروس الزُبيدي”، فيما تحدثت صفحات تابعة لقوات انفصالية عن “رفع الجاهزية لتشكيلات عسكرية تصل إلى 200 ألف جندي”، والاستعداد للسيطرة على أبين.
وبدأ الانتقالي بالفعل منذ يومين بالدفع بمئات من العناصر إلى مدينة زنجبار في محافظة أبين، بالتزامن مع تعزيز القوات الحكومية مواقعها في شقرة، وسط مخاوف من انفجار الوضع بشكل كلي خلال الساعات القادمة.
ولم يصدر أي تعليق رسمي من الحكومة الشرعية حول تصريحات السفير السعودي والتصعيد الكبير من القوات الانفصالية، إلا أنّ مسؤولين بالحكومة وناشطين وجهوا انتقادات للسفير آل جابر على محاباته للانتقالي الجنوبي واتهام الشرعية بالعرقلة.
وقال محمد قيزان، وهو وكيل وزارة الإعلام اليمنية، في رد على آل جابر، بتغريدات على “تويتر”، إنّ “اتفاق الرياض أفشلته مليشيات الانتقالي كما أفشلت مليشيا الحوثي اتفاق استوكهولم”.
وأضاف قيزان: “من غير المقبول والمعقول أن تنتظر الحكومة الشرعية أكثر من سبعة أشهر على أبواب عدن حتى تتكرم المليشيا بقبوله، أو تُقايض الشرعية على سقوط المناطق المحررة بيد الحوثي إن لم تذعن لشروط الانتقالي ومن يدعمه”.
وأكد مصدر عسكري حكومي يمني أنّ إعلان القوات المشتركة الموالية للشرعية الجاهزية القتالية كان على خلفية التطورات التي تشهدها مأرب والهجوم الحوثي فقط، لافتاً إلى أنّ “هناك من يريد تفسير التصريحات لتفجير الموقف”.
وأشار المصدر إلى أنّ “السعودية عجزت منذ 5 أشهر عن إدخال 450 جندياً فقط من ألوية الحماية الرئاسية إلى قصر معاشيق الرئاسي وحسب، القوات الموالية للإمارات ترفض أيضاً مرور بعض القوات إلى معسكرات في طور الباحة في لحج، وفق ما نص عليه اتفاق الرياض”.
ويتخوف مراقبون من أن يتولى نظام آل سعود هذه المرة تكرار سيناريو أغسطس/ آب الماضي بمنطقة العلم في شقرة، وذلك عندما شن الطيران الإماراتي ضربات جوية استهدفت القوات الحكومية على مداخل عدن، ما أسفر عن مقتل أكثر من 60 شخصاً وإصابة المئات.
وبعيد إجراء المناورات، نقلت وسائل إعلام محلية عن قائد محور أبين التابع للجيش عبد الله الصبيحي قوله إن قواته جاهزة في انتظار أوامر الرئيس عبد ربه منصور هادي، وقيادة التحالف العربي لتنفيذ المهام الموكلة إليهم.
وقالت مصادر يمنية إن مواجهات شديدة اندلعت في مديرية صرواح غربي محافظة مأرب بين الجيش والحوثيين، بينما قال الحوثيون إن طائرات التحالف السعودي الإماراتي شنت صباح أمس 11 غارة في صرواح، ولم ترد معلومات عن خسائر بشرية.