عادت الحدود السعودية اليمنية إلى الواجهة بقوة في الفترة الأخيرة، ولا سيما مع مواصلة الحوثيين استهداف المناطق الجنوبية للمملكة بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة، في وقت تكثّف الرياض قصفها الذي تسبب أخيراً بمجزرة بمحافظة صعدة راح ضحيتها العشرات بين قتلى وجرحى.
ونفذت قوات آل سعود غارة جوية استهدفت سوق آل ثابت بمديرية قطابر الحدودية مع المملكة في محافظة صعدة, ونتج عنها مقتل 14 شخصا بينهم 4 أطفال, وسقوط 25 جريحا, بينهم 11 طفلاً.
وقال المتحدث باسم قوات الحوثيين، العميد يحيى سريع: “جريمة آل ثابت في مديرية قطابر محافظة صعدة، التي ارتكبها النظام السعودي بحق المدنيين في سوق شعبية، تثبت فشل النظام السعودي في الميدان العسكري والإنساني، إذ عمد إلى ارتكاب مجزرة بحق المدنيين”.
جاءت المجزرة التي ارتكبتها قوات آل سعود بقصف أحد الأسواق الشعبية اليمنية في محافظة صعدة شمالي البلاد، لتسلط الضوء مجدداً على المواجهات المشتعلة في المناطق الحدودية بين البلدين، التي ارتفعت وتيرتها أخيراً، مع مواصلة جماعة “أنصار الله” (الحوثيين) هجماتها باتجاه المملكة، وعودتها إلى استخدام الصواريخ الباليستية، في مقابل حالة من الإرباك لدى الرياض، نتيجة الفشل في الحدّ من تهديد الجماعة في حدودها الجنوبية، بعد أربع سنوات من الحرب المستمرة.
وبينما جاءت المجزرة بعد أيام قليلة من إبقاء الأمم المتحدة، التحالف الذي يقوده آل سعود ضمن القائمة السوداء للأطراف المسؤولة عن قتل الأطفال في اليمن، بما في ذلك المسؤولية عن مقتل وإصابة 729 طفلاً خلال العام 2018، أشارت المعلومات إلى أنّ 4 أطفال على الأقل من بين القتلى في استهداف سوق “آل ثابت” الأخير، بالإضافة إلى ما يقرب من 11 جريحاً من إجمالي عدد المصابين البالغ 25 شخصاً.
وتعدّ مديرية قطابر واحدة من تسع مديريات يمنية حدودية، تتبع إدارياً محافظة صعدة معقل الحوثيين، وكانت أقلّ ارتباطاً بالمعارك الحدودية والقصف البري والجوي خلال الأعوام الماضية.
إلا أنّ المجزرة الأخيرة جاءت لتجعل منها المأساة الأحدث في سلسلة المجازر التي شهدتها مناطق متفرقة بمحافظة صعدة، كان أبرزها خلال العام الماضي استهداف حافلة تقلّ عشرات الأطفال بمدينة ضحيان، مع ما رافقها من إقرار سعودي بالمسؤولية، واعتبار الضحايا “هدفاً مشروعاً”، قبل أن يتم التراجع عن ذلك تحت الضغط الدولي وإحالة الحادثة على فريق تقييم الحوادث التابع للتحالف.
من زاوية أخرى، جاء قصف التحالف في قطابر بالترافق مع تصعيد لافتٍ تشهده جبهات المواجهات في المناطق الحدودية مع السعودية، كان الأحدث فيه الإثنين الماضي، إعلان الحوثيين إطلاق صاروخ باليستي قصير المدى من طراز “بدرF”، قالوا إنه استهدف تجمعات ومخازن للجيش السعودي في بلدة الدائر غرب منطقة عسير.
وسبق ذلك إعلان الجماعة (الأحد الماضي)، استهداف مقر قيادة التحالف في سقام بمنطقة نجران بصاروخ باليستي قصير المدى، بالإضافة إلى استهداف مطار نجران بـ”عدد من الطائرات المسيرة بدون طيار”، من نوع “قاصف 2”.
وكان الحوثيون قد بدأوا منذ مايو/ أيار الماضي، موجة جديدة من التصعيد في المناطق الحدودية، إذ تبنّت الجماعة العديد من العمليات الجوية، باستخدام طائرات مسيرة تركزت هجماتها على مطارات نجران وعسير (مطار أبها الدولي) وجازان.
علماً أنّ المناطق الثلاث ترتبط بشريط حدودي مع محافظتي صعدة وحجة من الجانب اليمني، وتشهد نقاط متفرقة منها مواجهات، ما إن تهدأ في منطقة حتى ترتفع وتيرتها في أخرى، حيث ينفّذ الحوثيون محاولات اختراق باتجاه المملكة ويحاولون في مناطق أخرى التصدي لقوات الجيش اليمني الموالية للشرعية، التي تقدمت بدورها في الأعوام الأخيرة على أكثر من محور في مناطق صعدة.
إلا أن ذلك لم يمنع الحوثيين من مواصلة الهجمات، التي يسعون من خلالها لإيصال رسائل عن قدرتهم على تهديد الجانب السعودي.
جاء قصف التحالف في قطابر بالترافق مع تصعيد لافتٍ تشهده جبهات المواجهات في المناطق الحدودية مع السعودية
وفي السياق، تمثّل الإحصائية التي نُقلت عن وسائل إعلام سعودية يوم الجمعة الماضي، وتحدّثت عن مقتل 13 جندياً سعودياً بمواجهات الحدّ الجنوبي مع الحوثيين، خلال يومين، مؤشراً على أنّ التصعيد الحاصل على الحدود على درجة من الأهمية.
إذ نادراً ما يتم الحديث عن سقوط قتلى بهذا العدد من الجيش السعودي، في ظلّ امتلاكه أحدث الأسلحة والمعدات الدفاعية والهجومية، بما في ذلك الغطاء الجوي الذي توفره المقاتلات الحربية، الأمر الذي يفتقر إليه الحوثيون، الذين قالوا إنهم سيطروا في الـ23 من يوليو/ تموز الحالي بمنطقة عسير، على ثلاثة مواقع لمن وصفوهم بـ”مرتزقة الجيش السعودي”، المصطلح الذي تستخدمه الجماعة في سياق الحديث عن القوات اليمنية الموالية للشرعية على الحدود.
ومنذ الشهور الأولى لحرب تحالف آل سعود في اليمن، تمثّل المناطق الحدودية أحد الأهداف المحورية بالنسبة للرياض، التي سعت للحدّ من تهديد الحوثيين المتهمين بتلقي الدعم من إيران لأراضيها، وكرّست قدراً غير قليل من جهودها العسكرية صوب صعدة الحدودية؛ سواء بالضربات الجوية المكثفة ضدّ أهداف في المحافظة، أو على صعيد نشر أعداد غير قليلة من قواتها على الحدود إلى جانب وجود قوات سودانية هناك، فضلاً عن دعم قوات الجيش اليمني بالتقدم من الحدود صوب صعدة.
ومع ذلك، فإنّ استمرار هجمات الحوثيين باتجاه المملكة وتكثيف ضرباتهم بالطائرات المسيرة والصواريخ، يمثّل أحد أبرز الشواهد على فشل الرياض بتحقيق أهدافها المرتبطة بتأمين الحدود، وإبعاد خطر الحوثيين الذين استخدموا الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة لمهاجمة أهداف في العمق السعودي.