أكدت تقارير دولية أن السعودية خسرت أسواق أوروبا في صراع النفط مع روسيا الذي أشعله ولي العهد محمد بن سلمان ما يزيد من تكبد المملكة خسائر هائلة.
وشددت التقارير على أن المملكة ستدفع فاتورة غالية لثمن إغراقها السوق العالمية بالخامات في مارس/ آذار الماضي وتعريض أسعار الخامات لأكبر انهيار في تاريخ الصناعة النفطية.
وقالت نشرة آرغوس النفطية الأميركية، إن السوق النفطية العالمية ممثلة في المصافي عاقبت شركة أرامكو النفطية السعودية، إذ باتت الخامات الروسية تتفوق على نظيراتها السعودية في أسواق أوروبا وتحصد أسعاراً أعلى في الأسواق الآسيوية.
وذكرت أنه لأول مرة في التاريخ الحديث يشتري تجار النفط والشركات الوسيطة في أوروبا خام الأورال الروسي بعلاوة أعلى من خام برنت. وخام برنت تاريخياً يسجل أسعاراً أعلى من الخام الروسي. وبرنت هو خام القياس الذي يقاس عليه سعر الخامات العربية.
ولاحظت النشرة النفطية أن خام الأورال الروسي تم التعامل فيه في الأسبوع الماضي بسعر 42.30 دولاراً، وهو سعر أعلى من خام برنت بنحو 1.7 دولار للبرميل. كما ارتفع الطلب على الخام الروسي طوال شهر مايو/ أيار الماضي، واشترت المصافي الأوروبية خامات الأورال بعلاوة أعلى من برنت.
إذ ارتفع الخام الروسي على برنت بنحو 2.55 دولار في بعض الصفقات التي جرت في دول أوروبا المتوسطية، كما ارتفع بنحو 1.55 دولار في الصفقات التي تمت بدول شمال غربي أوروبا.
وحسب النشرة الأميركية، فإن الطلب الأوروبي على الخام الروسي هو السبب الرئيسي في ارتفاع سعره، كما تشير كذلك إلى أن الخام الروسي أصبح مطلوباً بالولايات المتحدة لتغطية غياب الخامات الفنزويلية الثقيلة التي حظرت الإدارة الأميركية استيرادها ضمن استراتيجية تضييقها الخناق المالي على نيكولاس مادورو والقضاء على نظام حكمه.
يذكر أن مصافيَ نفطية كبرى في أميركا لا تزال مصممة تقنياً على تكرير الخامات الثقيلة، خاصة خامات فنزويلا، إذ كانت شركات الطاقة الأميركية تحتكر استخراج وتسويق النفط بفنزويلا قبل صعود نظام هوغو شافيز الاشتراكي للحكم.
وحسب بيانات بلومبيرغ، فإن صادرات النفط السعودي إلى الولايات المتحدة تراجعت إلى قرابة 133 ألف برميل يومياً في شهر مايو/ أيار، مقابل 1.3 مليون برميل في إبريل/ نيسان الماضي.
كما توقعت الوكالة تواصل تراجع صادرات النفط السعودية إلى الولايات المتحدة إلى أدنى مستوياتها، إذ أبقت المملكة إمداداتها منخفضة في النصف الثاني من يونيو/ حزيران الجاري.
وتواجه السعودية موجة من الغضب في الولايات المتحدة، ويحمّلها كبار تايكونات الطاقة مسؤولية انهيار صناعة النفط الصخري الأميركي، وهو ما اضطر شركة أرامكو إلى تغيير وجهة العديد من الناقلات النفطية التي كانت راسية على شواطئ ولاية كاليفورنيا إلى آسيا وتحديداً إلى شواطئ سنغافورة والصين في شهر إبريل/ نيسان الماضي.
وفي الشأن ذاته، يرى الخبير النفطي النمساوي توم لونغو، في تقرير على موقعه، أن الخامات النفطية الروسية كسبت من الحرب النفطية التي اندلعت في شهري مارس وإبريل بين الرياض وموسكو، إذ إن المصافي الأوروبية باتت لا تمانع حالياً في دفع علاوة سعرية لشراء عقود خام الأورال الروسي بسبب الثقة في التزام الشركات الروسية بتلبية العقود وفي الوقت المحدد مقارنة بأرامكو.
وتستفيد المصافي في أوروبا من تسعير النفط الروسي بالروبل. وهو ما يمنحها ميزات تسعيرية عندما تتم عمليات المقايضة بين اليورو والروبل الروسي.
ويشير الخبير والاقتصادي لونغو، إلى ثلاث جبهات كسب فيها النفط الروسي معركة الحصص بسبب سياسات السعودية، وهذه الجبهات هي أوروبا وأميركا وآسيا.
على الصعيد الأوروبي، يقول إن السعودية فقدت مصداقيتها في سوق المصافي الأوروبية، بينما اكتسبت الشركات الروسية ثقة متزايدة بعد حرب الأسعار، إذ إنها تعرض عقود خاماتها المستقبلية بأسعار شبه ثابتة وغير متغيرة بين حين وآخر كما يحدث بالنسبة للخامات السعودية التي تتغير أسعارها سريعاً.
ويحدث تغيير أسعار العقود النفطية فجأة ارتباكاً لدى شركات المصافي العالمية. وبالتالي، هنالك ثبات في تعاقد الشركات الأوروبية مع الشركات الروسية، كما أن المصافي الأوروبية أصبحت غير واثقة في مستقبل الاستقرار في الإنتاج النفطي السعودي في أعقاب الهجمات التي تعرضت لها أرامكو.
على صعيد السوق الصيني، يرى الخبير النفطي النمساوي، أن الخامات الروسية باتت مفضلة في بورصة شنغهاي للطاقة وتباع بأسعار أعلى من الخامات السعودية، إذ إن خام الأورال يتم التعامل فيه بسعر فوق 42 دولاراً للبرميل، بينما تتعرض السعودية لابتزاز الشركات الصينية التي تطالبها بإجراء خصم سعري كبير.
وعادة ما تضغط الشركات الصينية على أرامكو لأنها تعلم مسبقاً بحجم الضائقة المالية التي تعاني منها الرياض، وهو ما يجعلها بحاجة ماسة للحصول على سيولة دولارية وسط الشح المصرفي العالمي في التمويل الدولاري، وبالتالي تفرض عليها شروطها.
يذكر أن أسعار النفط تراجعت في لندن، أمس الإثنين، مع ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا في الولايات المتحدة وأماكن أخرى، مما دفع بعض الدول إلى استئناف الإغلاقات الجزئية التي قد تضر بالطلب على الوقود.
وتراجع خام برنت 81 سنتاً بما يعادل اثنين في المائة إلى 40.21 دولاراً للبرميل، في حين نزل الخام الأميركي 75 سنتاً أو اثنين في المائة أيضاً ليسجل 37.74 دولاراً.
عادة ما تضغط الشركات الصينية على أرامكو لأنها تعلم مسبقاً بحجم الضائقة المالية التي تعاني منها الرياض، وهو ما يجعلها بحاجة ماسة للحصول على سيولة دولارية
وحسب تقديرات رويترز، يتجه برنت لتحقيق زيادة شهرية ستكون الثالثة على التوالي في يونيو/حزيران الجاري، بعد أن مدد المنتجون العالميون خفضاً غير مسبوق للمعروض بمقدار 9.7 ملايين برميل يومياً حتى نهاية يوليو/تموز، في حين تحسن الطلب على النفط بعد تخفيف الدول في أنحاء العالم إجراءات الغلق الشامل.