تراجع الناتج المحلي الإجمالي في المملكة بتسجيله ما نسبته 0.33% خلال العام الماضي، هبوطاً من معدل نمو بلغ 2.43% في 2018 وهو ما يظهر حدة أزمة اقتصاد المملكة بفعل فشل نظام آل سعود وتخبط سياساته.
وبحسب بيانات صادرة عن الهيئة العامة للإحصاء في المملكة بلغ الناتج المحلي السعودي 2639.8 مليار ريال (704 مليارات دولار) في 2019، فيما كانت بلغت في 2018، قيمة الناتج المحلي الإجمالي للمملكة نحو 2631.1 مليار ريال (701.6 مليار دولار).
وكان نظام آل سعود يروج لتوقع نمواً بنسبة 0.9% في 2019، لكن النمو الفعلي جاء أقل من التوقعات. وانكمش القطاع النفطي بنسبة 3.65% في 2019، مقابل نموٍ نسبته 3.13% في 2018.
ووفق البيانات، نما القطاع غير النفطي بنسبة 3.31% العام الماضي، مقابل 2.2% في 2018. ويعاني القطاع النفطي في المملكة في ظل الالتزام اتفاقية خفض الإنتاج، التي تتحمل المملكة العبء الأكبر فيها.
ويقود تحالف “أوبك+”، المؤلف من أعضاء المنظمة ومنتجين مستقلين بقيادة روسيا، اتفاقاً لخفض الإنتاج بواقع 1.7 مليون برميل يومياً، ينتهي في مارس الجاري.
والشهر الماضي حذر صندوق النقد الدولي دول الخليج وفي مقدمتها المملكة من مخاطر فقدان الثروة خلال 15 عاماً مع تراجع الطلب العالمي على النفط وانخفاض الأسعار في ظل الاعتماد شبه الكلي على إيرادات النفط.
وقال الصندوق في دراسة حول “مستقبل النفط والاستدامة المالية” في المنطقة، إنه “في الموقع المالي الحالي، فإنّ ثروة المنطقة المادية قد تستنزف بحلول 2034”.
ولا تملك دول الخليج وفي مقدمتها المملكة التي لطالما اعتمدت بشدة على “الذهب الأسود” الذي كان له الفضل في إثرائها لعقود، أي خيار سوى تسريع وتوسعة الإصلاحات الاقتصادية، تجنباً لأن تصبح مقترضة صافية.
ويضخ مجلس دول التعاون الخليجي خمس إجمالي إمدادات النفط الخام في العالم، ويشكل دخل النفط ما يتراوح بين 70 إلى 90% من الإيرادات العامة.
وجمعت دول الخليج الست استناداً إلى عائدات ضخمة من النفط لعقدين نحو 2.5 ترليون دولار من الأصول المالية التي تم استثمارها في الخارج عبر صناديق الثروة السيادية. ومنذ عام 2014، تسبب انهيار أسعار النفط بخسارة اقتصادات الخليج مئات المليارات من الدولارات.
وعانت دول الخليج بزعامة المملكة أكبر مصدر للنفط بالعالم، من عجز مستمر في الموازنة وتراجع النمو الاقتصادي وتدفق الاستثمارات الأجنبية، ما دفعها إلى اللجوء للاقتراض الداخلي والخارجي.
ونتيجة لذلك، انخفض الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي. بينما قدر صندوق النقد بأنّ نسبة النمو في دول مجلس التعاون كانت 0,7% العام الماضي، مقارنة مع 2% الضئيلة في عام 2018 – بعيداً عن معدلات وصلت إلى أكثر من 4% قبل انهيار النفط.
وذكر صندوق النقد الدولي أنّ سوق الطاقة العالمي، يشهد تغييراً كبيراً مع قيام التقنيات الحديثة بزيادة العرض، بينما دفعت المخاوف المتعلقة بالتغير المناخي العالم إلى الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة.
وأكد الصندوق أنّ “هذه التوقعات تمثل تحدياً كبيراً في مجال الاستدامة المالية في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي” التي يجب أن تتكيف مع انخفاض الأسعار وتراجع الطلب لفترة طويلة الأجل.
وبحسب التقرير، فإنّ الإرث الناجم عن ارتفاع الإنفاق الحاد في الفترة بين 2007-2014، والتي أعقبها انخفاض حاد في إيرادات النفط والغاز أدى إلى إضعاف المراكز المالية في المنطقة. وأدى العجز الناجم عن ذلك إلى تخفيض صافي الثروات المالية في الفترة بين 2014-2018، بقرابة 300 مليار دولار لتصبح 2 تريليون دولار، بحسب تقديرات صندوق الدولي.
وارتفعت ديون حكومات دول مجلس التعاون الخليجي من قرابة 100 مليار دولار في عام 2014، لتصبح نحو 400 مليار دولار في عام 2018. ويؤكد التقرير أنه نتيجة لذلك فإنّ صافي الثروة المالية في طريقه ليصبح سلبياً بحلول عام 2034 أو حتى قبل ذلك، ما سيؤدي إلى تحول المنطقة إلى الاقتراض.
وأقدمت غالبية دول الخليج على إجراءات لتنويع الاقتصاد وبرامج إصلاحات تضمنت خفض الدعم الحكومي ورفع أسعار الطاقة، وحتى فرض ضريبة القيمة المضافة وضرائب أخرى.
وأكد صندوق النقد أنّ “الإصلاحات الجارية تدفع منطقة دول مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمتها المملكة في الاتجاه الصحيح، ولكن يجب تسريعها”.
وحذر الصندوق من أنّ تسريع تنويع الاقتصاد لن يكون كافياً، مؤكداً أنّ العملية يجب أن يرافقها خفض في الإنفاق الحكومي، وفرض ضرائب بشكل موسع.
ويتوجب على الدول الخليجية أيضاً ترشيد الإنفاق، وإصلاح قطاعات الخدمة المدنية الكبيرة لديها، وتخفيض فواتير الرواتب العامة التي تعد مرتفعة، وفقاً للمعايير الدولية.
وتتصاعد التحديات أمام اقتصاد المملكة بفعل فشل سياسات نظام آل سعود وفساد رموزه في العام 2020 في ظل التوقعات مع استمرار انخفاض النمو وتفاقم العجز في الميزانية العامة.
وسجل اقتصاد المملكة انكماشا بنسبة 0.46% في الربع الثالث من العام 2019 على أساس سنوي، إذ تأثر سلبا بهبوط إنتاج النفط مع خفض المملكة، أكبر منتج في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، إنتاجها.
وأظهرت بيانات الهيئة العامة للإحصاء في المملكة أن ناتج القطاع النفطي تراجع 6.43%، لكن ناتج القطاع غير النفطي نما بنسبة 4.33% بقيادة نشاط القطاع الخاص. وعلى أساس مُعدل في ضوء العوامل الموسمية، انكمش الاقتصاد 0.19% في الربع الثالث على أساس فصلي.
ويقول خبراء اقتصاديون إن استثمارات المملكة في مشاريع غير نفطية بقيادة صندوق الاستثمارات العامة ستقود النشاط الاقتصادي على نحو متزايد في 2020.
والمؤشرات المسجلة لاقتصاد المملكة كفيلة بتصدير صورة سلبية عن مناخ الاستثمار به، فحسب أرقام وزارة المالية، والمنشورة على موقعها، يتوقع أن تتراجع الإيرادات العامة من 917 مليار ريال (244 مليار دولار) إلى 833 مليار ريال (222 مليار دولار)، أي أن القيمة المنتظرة للتراجع في الإيرادات العامة تقدر بـ 84 مليار ريال، وبما يمثل 9.1%.
أما النفقات فيتوقع لها أن تتراجع أيضًا في عام 2020 إلى 1020 مليار ريال (272 مليار دولار) بعد أن كانت في 2019 نحو 1048 مليار ريال (279 مليار دولار)، أي أن قيمة التراجع في النفقات العامة يتوقع أن تكون 28 مليار ريال، وبما يمثل نسبة 2.6%.
وكان المأمول أنه في ظل التوسع في الدين العام، أن تتزايد النفقات العامة، إن لم تبق على ما هي عليه في عام 2019، من أجل المحافظة على حالة من النشاط الاقتصادي، الذي يصدر الأمل لمجتمع الأعمال، ويحسن من مستوى معيشة المواطن.
وتعكس الأرقام المعلنة وجود عجز بين الإيرادات والنفقات بميزانية المملكة في 2020 تقدر قيمته بنحو 187 مليار ريال، وهو ما سيتم تمويله عبر الديون، والتي من المقدر لها أن تزيد خلال العام القادم لتصل إلى 754 مليار ريال مقارنة بـ 687 مليار ريال، أي ان هناك زيادة منتظرة في الدين العام السعودي بنحو 67 مليار ريال.
ويعكس تراجع النفقات العامة بالمملكة خلال العام القادم، حالة من التشاؤم بخصوص الوضع الاقتصادي، فتراجع الانفاق العام، يعني استمرار حالة الانكماش التي يعيشها الاقتصاد السعودي، وسيؤدي ذلك بلا شك إلى تقليص فرص العمل، وهو ما يقوض طموحات الحكومة السعودية ورؤية 2030 بإتاحة المزيد من فرص العمل للمواطنين السعوديين، ومن المتوقع أن يؤدي ذلك أيضًا إلى التوقف عن الدخول في مشروعات عامة جديدة، أو استكمال المشروعات التي توقفت خلال السنوات الماضية.
كما تؤكد الأرقام الخاصة بتراجع الإيرادات العامة، استمرار وقوع الاقتصاد السعودي تحت وطأة تقلبات سوق النفط الدولية، وأن الحديث عن الصندوق السيادي العملاق، أو الدخول في برامج خصخصة -والتي بدأت بشركة أرامكو- لم تفلح في تمويل الميزانية السعودية ليكون لها إنفاق توسعي يعمل على إحداث حالة من الانتعاش، لحين عودة الإيرادات النفطية إلى طبيعتها.
كما أن موازنة المملكة سوف تظل تعاني من تراجع إيراداتها وزيادة العجز والاعتماد على الديون، في ظل تقدير صندوق النقد الدولي، بأن وضع توازن الميزانية السعودية يتطلب أن يصل سعر برميل النفط إلى 71 دولارا، وهو وضع غير متحقق الآن في ظل خضوع سوف النفط لتوازنات دولية، خارج نطاق سيطرة أو مساهمة حكومة آل سعود، أو حتى منظمة “أوبك” برمتها.