أبرزت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية انقلاب محمد بن سلمان على المواقف التاريخية للسعودية إزاء فلسطين وسعيه الدائم للتطبيع العلني مع إسرائيل.
وعقدت الصحيفة مقارنة بين مواقف محمد بن سلمان الحالية من حرب إسرائيل على قطاع غزة ومؤسس المملكة عبد العزيز آل سعود ونظرتهما تجاه إسرائيل.
وجاء في تقرير الصحيفة: عندما التقى فرانكلين دي روزفلت والملك عبد العزيز لإنشاء العلاقات الأمريكية السعودية في عام 1945، لم يشارك الملك مع أي شخص مذكرة محادثاتهما، معتقدًا أن صداقته مع روزفلت تعتمد على حسن النية، لا على ورقة يمكن تمزيقها.
حفيده محمد بن سلمان هو الزعيم شبه المطلق للمملكة الان، وهو يحاول بنشاط إحياء الصداقة السعودية الأمريكية عن طريق القيام بما هو معاكس لما قام به جده.
يسعى ولي العهد إلى معاهدة رسمية يصادق عليها مجلس الشيوخ ترسخ مجموعة جديدة من الالتزامات المتبادلة بين الرياض وواشنطن.
لقد كشف الرجل الذي قام بالترجمة خلال اجتماع عبد العزيز مع روزفلت لاحقًا، أن الملك قدم للرئيس نصيحته بشأن الناجين اليهود الأوروبيين من الإبادة الجماعية النازية: “أعط اليهود أفضل الأراضي والمنازل التي يملكها من قاموا باضطهادهم” لكن خليفة روزفلت اعترف بالدولة اليهودية الجديدة في فلسطين في عام 1948 بينما السعودية لم تفعل أبدًا ذلك.
سيتغير ذلك بموجب اتفاقية الولايات المتحدة – السعودية المحتملة الجديدة، والتي ستشمل إسرائيل كطرف ثالث.
تعقد الحرب في غزة الأمور، لكن الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية ما زالوا يتحدثون في محاولة لخلق شرق أوسط جديد متكامل اقتصاديًا من خلال اقامة علاقات علنية بين الدولة العربية الديناميكية مع إسرائيل، فيما ستوقع الولايات المتحدة صفقات جديدة للتجارة والأمن وتخصيب اليورانيوم مع الرياض، والتي ستقدم بعض التعهدات الخاصة بها، ربما فيما يتعلق بالنفط.
إن استمرار الأطراف الثلاثة في التمسك بالأمل هو علامة على مدى التحول الكبير الذي ينتظر المنطقة جراء التعاون بين السعودية واسرائيل.
الأمر لم يكن سهلًا منذ البداية، فجماعات مثل حماس وحزب الله والجهاد الإسلامي تملك القدرة على إحداث الفوضى، كما فعلت حماس بهجومها في السابع من أكتوبر ضد إسرائيل، وبالرغم من ذلك فإن التفاؤل الآن بشأن السلام الإسرائيلي السعودي متجذر في يأس الشرق الأوسط الحالي.
لقد ثبت أن القوة العسكرية الإسرائيلية والدعم الأمريكي القوي غير كافيين لضمان أمن الدولة اليهودية، في وقت تستغل فيه إيران وحماس القضية الفلسطينية للنيل من الدعم الشعبي لإسرائيل في جميع أنحاء المنطقة، وحتى في الولايات المتحدة، حيث استضاف الحرم الجامعي في أكثر من جامعة مظاهرات عنيفة مناهضة لإسرائيل.
ربما ستحفز أهوال الشرق الأوسط اليوم جميع الأطراف على اتخاذ خطوات كان من غير المألوف اتخاذها سابقًا لحل القضية الفلسطينية وتأمين التعاون العربي الواسع في بناء منطقة أكثر اندماجًا وازدهارًا.
هناك خط رفيع بين الطموح والتفكير المتفائل، والسعوديون قلقون ويطالبون بانهاء الأعمال العدائية في أقرب وقت ممكن وابلغوا المسؤولين إدارة بايدن ووفد مكون من 10 سناتورات أمريكيين زائرين بإقناع إسرائيل بعدم اجتياح غزة أو القيام بأي شيء يطيل أو يوسع الحرب.
إن نظرة سريعة إلى أهوال الحرب الحالية يمكن أن تخلق عزمًا جديدًا على تحمل المخاطر من أجل السلام، لكن التعرض المطول للموت والدمار يمكن أيضًا أن يربي جيلًا جديدًا من العرب الغاضبين الذين يعيقون التقارب السعودي الإسرائيلي.
السعوديون الشباب اليوم، ومعظمهم تحت سن 30 عامًا، لم يروا الحرب كما فعل آباؤهم وأجدادهم في عام 1967 أو 1973، ولكن إذا استمرت هذه الحرب الحالية لفترة طويلة، مع تسليط التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي الضوء على الضحايا الفلسطينيين في غزة، فيمكن أن يثار السعوديون الشباب ضد إسرائيل.
وللحفاظ على الأمل حيًا، يفعل ولي العهد محمد كل ما بوسعه من اجل استمرار الحياة الطبيعية في السعودية.
عندما أدى قصف إسرائيل مستشفى في غزة إلى قيام مظاهرات شعبية ضخمة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأوروبا والحرم الجامعي الأمريكي، ظلت السعودية هادئة.
من المؤكد، المظاهرات محفوفة بالمخاطر في دولة استبدادية، ولكن الزائر هنا لا يرى أي علامات على اضطراب المواطنين السعوديين إزاء الأحداث في غزة.
لقد حدد محمد بن سلمان المعالم للتعامل مع هذه الأزمة أمام مواطنيه من خلال إدانة استهداف المدنيين، والدعوة إلى إنشاء دولة فلسطينية، وتجاهل حماس لدعم السلطة الفلسطينية المنافسة.
استضاف ولي العهد رئيس كوريا الجنوبية الأسبوع الماضي، وحضر كلاهما مبادرة الاستثمار في المستقبل، وهو مؤتمر سنوي لمدة ثلاثة أيام يجذب كبار وول ستريت وآلاف الزوار الدوليين.
وانطلقت عروض مسرحية في الرياض، وتستضيف العاصمة السعودية جولة السيدات الأوروبية للجولف ومباراة ملاكمة وزن ثقيل عالمية.
في الوقت نفسه، أطلقت ميليشيا الحوثيين المدعومة من إيران في اليمن طائرات بدون طيار وصواريخ عبر المملكة تجاه إسرائيل، ولكن تصدت مدمرة أمريكية في البحر الأحمر لها جميعًا في تذكير حي بأهمية القوة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط.
يعتقد مراقبو السياسة الخارجية هنا – أو على الأقل يأملون – أن تواصل إيران تجنب الانخراط المباشر في هذه الحرب لأن أي هجوم من إيران على إسرائيل سيؤدي بالتأكيد إلى انتقام إسرائيل ويمكن أن يجر الولايات المتحدة إلى أعمال عدائية.
من جانبها، تفعل السعودية كل ما بوسعها منذ استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إيران الصيف الماضي لتجنب إثارة طهران، ولكن من الصعب تصور أن إيران ستقبل ببساطة اتفاقية أمريكية سعودية إسرائيلية جديدة للتعاون في الشرق الأوسط على حساب إيران.
بالرغم من وجود غيوم الحرب فوق معظم أنحاء المنطقة، هناك شيء واحد واضح: تدرك السعودية، بعد أن غازلت الصين وروسيا، أن الولايات المتحدة هي خيارها الأمني الأفضل والوحيد.
لكن من غير الواضح ما إذا كان ذلك سيؤدي إلى الاعتراف بالدولة اليهودية في البيئة الحالية، ولكن إذا وضع المشرعون تصوراتهم السلبية تجاه السعودية جانبًا للتصديق على الصفقة، فسيكون ذلك بسبب قيام إسرائيل بإلقاء دعمها خلف الرياض.