بعد إغلاق التحالف العسكري السعودي الإماراتي لجميع المنافذ البرية والبحرية والجوية في اليمن، وفرض حصار شديد على البلد الذي يعاني أكثر من 70% من سكانه من الفقر، شكلت منافذ محافظة المهرة البحرية والبرية المحاذية لسلطنة عُمان بارقة الأمل المحدودة للقطاع التجاري اليمني ولحركة الاستيراد والتصدير وللمسافرين.
لكن هذه المنافذ تشهد حالة من الاضطراب، نتيجة الاجتياح السعودي لثاني أكبر المحافظات اليمنية، رغم بعدها عن الحرب الدائرة في البلاد، حيث جرى اقتحام منفذ “شحن” التجاري الاستراتيجي، قبل أيام، ما عطل الحركة فيه، ليكتمل خنق شرايين اليمن التجارية والاقتصادية.
وأدت السياسات السعودية إلى تصعيد شعبي من أفراد قبائل المهرة الرافضين لهذا الوجود الغامض في مناطقهم.
ويعد هذا المنفذ البري الأكثر ازدحاماً واستخداماً في اليمن من قبل الأشخاص الساعين إلى السفر والعلاج بالخارج، كما تعبر منه نحو 65% من البضائع الواردة إلى اليمن، بجانب منفذ الوديعة بالعبر في محافظة حضرموت (جنوب شرق)، على حدود السعودية.
لكن طول المسافة ووعورة الطرق رجحا كفة معابر المهرة لدى كثير من التجار ورجال الأعمال، في ظل إغلاق عشرات المنافذ البرية والبحرية في جميع المناطق اليمنية، وسيطرة القوات السعودية والإماراتية على المطارات في المهرة وحضرموت وعدن، وإغلاق عشرات المطارات الأخرى.
وقال رئيس لجنة الاعتصام في مديرية شحن بالمهرة، حميد بن زعبنوت، إنه تمت عرقلة عبور كافة السلع والغذائية وكذلك السيارات والمعدات، رغم الموافقة مسبقاً عليها من قبل إدارة المنفذ، مشيرا إلى تعرض إدارة الجمارك في المنفذ لاعتداءات من قبل القوات السعودية.
وأضاف زعبنوت أن المهرة كانت تنعم بالأمن والسلام، لكن منذ أن جاءت القوات السعودية إلى المحافظة وهي تحاول العمل على زعزعة الاستقرار وإثارة النعرات من أجل تهديد السلم الداخلي فيها.
ودخلت السعودية إلى المهرة البعيدة عن الحرب الدائرة في اليمن، في منتصف العام 2018، بقوة عسكرية كبيرة، تمركزت في عدد من المواقع والمنشآت الاقتصادية الحيوية، مثل مطار “الغيظة”، ودشنت مشروع طريق يربط المهرة بالسعودية عبر خط يمتد من منطقة “سيحوت”، جنوب المهرة، إلى منفذ الوديعة الحدودي مع المملكة في منطقة العبر، شمال محافظة حضرموت، الواقعة في جنوب شرق اليمن.
وكشف رئيس لجنة الاعتصام في منفذ شحن عن استحداث مبان جديدة شرعت ببنائها القوات السعودية بالقرب من المنفذ تحت مسمى إعادة الإعمار، وهو الأمر الذي يثير الكثير من الشكوك.
وأكد زعبنوت أنها أثرت بشكل كبير في حركة المنفذ من خلال تعطيل الحركة التجارية وتنفير التجار الذين يضطرون إلى اللجوء لمنفذ الوديعة مع السعودية.
وعلى ضوء التوترات الأخيرة، بادرت الحكومة اليمنية إلى إرسال نائب رئيس الوزراء والقائم بأعمال وزير النقل سالم الخنبشي إلى محافظة المهرة في زيارة شملت العديد من المرافق المحلية، ومنها بعض منافذ المهرة البرية.
وزار منفذ صرفيت الحدودي للاطلاع على احتياجاته والحركة التجارية فيه وطبيعة العمل والإجراءات الجمركية في المنفذ الذي يربط اليمن أيضا بسلطنة عمان ويلعب دورا كبيرا في رفد خزينة الدولة بالإيرادات الجمركية، حسب ما أكد نائب رئيس الحكومة اليمنية.
وقال الناشط قيس بن عبود، وهو من أبناء محافظة المهرة: إن المهرة تحولت وكأنها محور الصراع والحرب في اليمن، رغم أنها بعيدة آلاف الكيلومترات عن الصراع الدائر في البلاد منذ العام 2015.
وأضاف أن “حياة الناس ومصالحهم وأعمالهم تعطلت بسبب ما خلقه هذا الوجود السعودي غير المبرر، إذ هجر كثير من الصيادين أعمالهم، وأعمال تجارية عديدة أصابها الكساد بعد ما شلت مساحة تحركها، إضافة إلى دفع تجار ورجال أعمال للرحيل من المحافظة إلى خارجها.
وحسب علي عيسى، عضو الاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية اليمنية، فإن البديل عن منافذ المهرة في الظروف الحالية باهظ الكلفة، لارتفاع فاتورة نقل السلع مثلا عبر منفذ الوديعة مع السعودية لبعد المسافة ووعورة الطريق التي تؤدي إلى توقف متواصل لشاحنات نقل البضائع قبل وصولها إلى وجهتها، خصوصاً عندما تكون هذه الوجهة المحافظات الشمالية من اليمن.
وتفرض دولتا التحالف (السعودية والإمارات)، منذ خمس سنوات، رقابة شديدة على الموانئ والحركة التجارية في هذه المنافذ،
وتحظى المهرة باهتمام سعودي كبير، وهو ما جعلها من أهم الأهداف التي دفعت بالمملكة إلى تشكيل تحالف للحرب في اليمن، وفق محللين.
وحاولت السعودية منذ عقود الحصول على منفذ على البحر العربي، لبناء أنبوب لنقل نفطها بحكم الخلافات المزمنة مع طهران الداعمة للحوثيين، وأيضا في ظل التهديدات الإيرانية المتواصلة بقطع الطريق على إمدادات النفط عبر مضيق هرمز، وهو ما جعل السعودية ترمي بكل ثقلها في هذه المناطق الواسعة في جنوب شرق اليمن، للهروب من هذه التهديدات.
وتأتي التحركات السعودية بالرغم من أن لديها أنبوبا طوله 1200 كيلومتر ويمتد من حقل “بقيق” في المنطقة الشرقية من المملكة إلى مدينة ينبع على شاطئ البحر الأحمر، إلا أن هذا الأنبوب لا يستطيع نقل أكثر من خمسة إلى ستة ملايين برميل يومياً، بالتالي هناك حاجة إلى أنبوب عملاق لنقل كميات أخرى من النفط الخليجي عبر البحر العربي.