رصد تقرير حقوقي صادر عن منظمة Migrant-Rights.org المختصة بالدفاع عن حقوق العمال المهاجرين، انتهاكات جسيمة في السعودية بحق المهاجرات حاملات تأشيرات الإعالة.
وقال التقرير إن المهاجرات حاملات تأشيرات الإعالة يعملن في السعودية بشكل غير نظامي في ظروف مهيأة للاستغلال ويكافحن من أجل الحصول على فرصهن وسط سعودة الوظائف.
وجاء في التقرير: زينب أحمد (اسم مستعار)، امرأة باكستانية (26 عاما) تعيش في جدة منذ أن كانت في الثالثة من عمرها.
غادرت إلى باكستان لمتابعة دراستها الجامعية في تخصص إدارة الفنادق، لكتها عادت، بعد تخرجها، إلى السعودية لتكون قريبة من عائلتها ومجتمعها.
تقول زينب: “لا توجد هنا خيارات للدراسة الجامعية هنا (السعودية)، كما أن الأسعار غالية على أية حال. وبذلك لم يكن لدي أي خيار سوى الذهاب إلى باكستان للحصول على البكالوريوس”.
وتضيف: “أراد والديّ لي أن أعود بعد حصولي على الشهادة لأن كل عائلتنا وحياتنا هنا. إنهم يريدون أن أتزوج شخصاً له نفس خلفيتنا، لأواصل العيش بالقرب منهم ومن الثقافة والمجتمع اللذين عشنا فيهما طوال حياتنا. ”
وبالفعل تعيش زينب في المجتمع الذي كبرت فيها – وتعمل حاليا كمساعدة تدريس في مدرستها الثانوية سابقا.
تقول:” لقد درست إدارة الفنادق لأنه تخصص ممتع، وكذلك لأنني اعتقدت أنه ربما تكون هناك فرصاً للعمل في السعودية خصوصا أن السياحة من القطاعات التي تشهد تطوراً هنا”.
وتستدرك: “لكن من الصعب الحصول على وظيفة “ملائمة” هنا إن لم تكن مواطناً. في الواقع يكاد الأمر أن يكون مستحيلاً”.
وتعيش زينب ووالدتها وأختها الصغرى في السعودية بتأشيرة المعالين لتأشيرة العمل التي يحملها والدها.
وعادة ما تُمنح تأشيرة المعالين للأزواج والأبناء، أو الأم الأرملة للأجنبي الذي يكسب على الأقل 3500 ريال سعودي (930 دولار أمريكي) شهرياً، برسوم مقدارها 400 ريل سعودي (105 دولار أمريكي) شهرياً لكل فرد.
ويظل الأبناء الذكور تحت تأشيرة المعالين حتى سن 18 عاما، بينما لا يوجد حد أقصى لعمر البنات بشرط أن يكنّ عازبات.
وبإمكان المعالين العيش في السعودية طالما لديهم تأشيرة إقامة سارية الصلاحية، لكن ليس لديهم حق الحصول على تأشيرة عمل كأجانب.
فعلى سبيل المثال، لا يمكن للمعالين فتح حساب مصرفي في أغلب البنوك المحلية، فيما تسمح بعض البنوك للمعالين بفتح حسابات بشرط أن يتم ربطها بكفيلهم. كما لا يمكن للمرأة البالغة المعالة الحصول على رخصة سياقة السيارة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن أصحاب تأشيرة المعالين ليس بإمكانهم العمل بشكل قانوني في البلد. وحتى تتمكن زينب من العمل محلياً، فعليها أن تحصل على وظيفة على استعداد لمنحها تأشيرة عمل حتى تتمكن من نقل كفالتها من والدها إلى صاحب عملها.
ولكن خطة توطين الوظائف، أو كما يعرف بالسعودة، تجعل من الصعب جداً لغير السعوديين الحصول على وظائف في المملكة.
وتُلزم سياسة التوطين الشركات في قطاعات عديدة، بتوظيف المواطنين السعوديين بنظام الحصص “الكوتا” التي تتراوح من حفظ البيانات إلى التسويق والرعاية الصحية.
وبرغم من أن خطط السعودة موجودة منذ 1985، إلا أنها أصبحت أكثر صرامة خلال السنوات القليلة الماضية. فالكثير من الوظائف خصوصاً للمبتدئين، أصبحت الآن مقتصرة فقط على المواطنين السعوديين.
وفي الوقت الذي يتم تشجيع المرأة لدخول سوق العمل، فإن التركيز محصور على المواطنات.
ويجعل هذا النظام من الصعب على المعالين الحصول على وظيفة مناسبة تتكفل بإصدار تأشيرة العمل لهم. إلا أن هناك عدد قليل من الوظائف التي لا تخضع للرقابة والتدقيق – من بينها المدارس الخاصة الناطقة باللغة الإنجليزية التي تخدم مجتمعات المهاجرين أنفسهم.
تقول زينب: “درست في هذه المدرسة، وكذلك أختي الصغرى، وهي مدرسة خاصة دولية إلى حد ما بأغلبية من الطلاب الهنود والباكستانيين. ولأنني أعرف المجتمع جيداً، فقد سهّل ذلك عليّ الحصول على الوظيفة. وأخطط أن أواصل العمل فيها حتى أحصل على وظيفة في مجال تخصصي”.
يشار إلى أن الدراسة في المدارس الحكومية في السعودية مجانية للجميع لكن الأولوية تعطى للمواطنين، كما أن التعليم، كاملا، يتم باللغة العربية.
يسجل العمال الأجانب، عادة، أبنائهم في المدارس الخاصة الدولية أو مدارسهم المجتمعية (تتبع المناهج في الدول المختلفة) ذلك لأن الأولوية ليست الاندماج في المجتمع السعودي بقدر أن يعيشوا حياة تمكنهم وأبنائهم من التأقلم بسهولة عند العودة إلى بلدانهم بعد انتهاء تأشيرة العمل.
وتتراوح رسوم المدرسة الخاصة ما بين 100 ريال سعودي إلى 2000 ريال سعودي (30 دولار أمريكي – 550 دولار أمريكي) شهرياً.
وبرغم اختلاف معايير التعليم التي تقدمها هذه المدارس، فإن الطاقم التعليمي في العديد من هذه المدارس يتكون بشكل أساسي من النساء المغتربات اللاتي يحملن تأشيرة المعالين ولا يتم كفالتهن من قبل المدارس، أي أنهم، عملياً، يعملن بشكل غير قانوني.
ولا يقتصر الأمر على أن هؤلاء النساء هن جزءا من المجتمع الذي تخدمه هذه المدارس، وإنما توظيفهن يعتبر أقل كلفة بكثير من توظيف مدرسين من خلال القنوات القانونية: فالمدرسين السعوديين يتوقعون رواتب لا يمكن أن تتحملها هذه المداس. وبالمثل، فإن كفالة تأشيرة للأجنبي وتحمل تكاليف المعيشة يجعله مكلفا للغاية.
تقول زينب: “إنه ليس أمراً نادر الحدوث أو جديد، أعتقد أن معظم المدرسين في المدرسة التي أعمل بها يعملون بهذه الطريقة”. وتضيف: “عملت والدتي كمدرسة في نهاية التسعينات في مدرسة خاصة – لم تعد موجودة حالياً- ولم يكن لديها قط أية وثائق أو تصاريح صحيحة لذلك. ولم يكن لدي أي أحد مثل هذه الوثائق، لكن هذه هي الطريقة التي يعمل بها الجميع.”
في الواقع، الأمر شائع جداً وهو بمثابة السر المكشوف لفترة طويلة لدرجة أنه في العام 2013، أعلنت وزارة العمل أن المعالين الذين يعملون في مهنة التدريس في المدارس الخاصة، سوف يمنحون، أخيراً، تصريح عمل سنوي.
ومُنحت التصاريح فقط للمعالين المؤهلين، الذين لديهم، أيضا، تصريح مكتوب من فرد العائلة التي يكفل تأشيرتهم. وبرغم القيود، إلا أن هذا التصريح اعتبر خطوة أولى مبدئية باتجاه تقنين الوضع العمالي للمعلمات في المدارس الخاصة، وتنظيم طواقم التدريس في البلد.
تقول آمنه ت. التي عملت في التدريس بمدرستين خاصتين في الفترة من 2011 إلى 2015: “سمعت عن هذه التصاريح لكنني لا أعرف أي شخص حصل عليها”.
وتضيف: “أعتقد أن هذه التصاريح باهظه الثمن أو معقدة الإجراءات للحصول عليها. لا أحد يعرف، بوضوح، كيف يقدم للحصول عليها. كما أن العديد من المدارس تفضل توظيف مدرسين أكثر بشكل غير قانوني كما كانوا يقومون بذلك لسنوات. وعندما تتم الأشياء من خلال القنوات القانونية، يصعب على المدارس أن تقوم بأعمال مشبوهة.
وتقول آمنه، وهي هندية ترافق زوجها الذي يعمل في الإدارة المتوسطة بشركة خاصة، إنها اضطرت لترك عملها بسبب الاستغلال الذي واجهته في العمل.
وتقول: “ما نواجهه هو أكثر من الإساءة العقلية والنفسية بسبب أن إدارة هذه المدراس تعتقد أنها اشترتك بالكامل بدلا من توظيفك، فأيضاً كان راتبي يتأخر كثيراً.”
وتضيف أنه بسبب عدم قدرتها على فتح حساب مصرفي، فكانت تتسلم راتبها نقداً وغالباً ما يتأخر لأسابيع.
وتتابع “بدأت المدرسة دواماً مسائياً، وبرغم من أنه كان يفترض أن العمل بدوامين اختياري، إلى أنني كنت أتعرض للضغط للعمل صباحاً ومساءً. لقد كان هناك الكثير من العمل، والكثير من الصدمات بأجور زهيدة.”
في نهاية الأمر، استقالت آمنه بعد تخرج أبنائها من المدرسة الثانوية، بعد أن استغنت عائلتها عن خصم الرسوم التي كانت تحصل عليها لأبنائها بسبب عملها في المدرسة نفسها.
تقول: “يحصل أبناء الطاقم التدريسي على خصم، لذلك واصلت العمل حتى تخرّجت ابنتي من المدرسة. كان راتبي دائما يتأخر، وكانت الإدارة تتعامل معي بوقاحة بالغة كما كان عليّ أن أتحمل مهام أكثر من قدرتي على ذلك. ”
وتتفقها معها زينب أنها تشعر أيضا بالاستغلال في المدرسة التي تعمل بها.
وتقول: “أقصد أننا نعمل بشكل غير قانوني، ويعلم صاحب العمل أنه لن يتعرض لأي مسائلة بسبب ذلك”.
وتضيف: “لم أتعرض لتجربة بسوء تلك التي تعرض لها العديد من المدرسين الذين أعرفهم، لكن تجربتي لاتزال أقل كثيرا من أن تكون تجربة رائعة. وكانت سيئة كثيرا خصوصا أثناء ذروة الجائحة في أيام العمل من المنزل. كنا نعمل طوال اليوم تقريباً وقاموا بتخفيض الرواتب فقط لعلمهم بعد وجود من أتقدم بالشكوى ضدهم لديه”.
حالياً، تحصل زينب على راتبها كاملاً من جديد – ويتم تحويل راتبها إلى حساب والدها لأنها لا تملك حساباً مصرفيا خاص بها – لكن من مايو 2020 وحتى 2021، حصلت فقط على جزء من راتبها. راتبها هو 3,200 ريال سعودي (853 دولار أمريكي) كمساعدة تدريس ولكنها كانت تتسلم 2000 ريال سعودي (533 دولار أمريكي) فقط عن تلك الفترة.
كما أشارت زينب إلى أن صديقتها التي كانت تعمل في وظيفة مشابهة ولكن بشكل قانوني، تتسلم راتباً قدره 6,500 ريال سعودي (1,732 دولار أمريكي).
تقول “أود كثيرا أن أعمل بشكل قانوني، نعم، من الناحية المثالية، أود أن أعمل في مجال تخصصي لكن التدريس جيد أيضاً.”
وتضيف: “سوف أحصل على راتب أفضل، وسوف يكون هناك نظام أفضل ولن أقلق بشأن أي تفتيش قد تتعرض له المدرسة في الوقت الذي أقوم فيه بالتدريس. لكن لا يبدو أن العمل القانوني خياراً على الاطلاق، وأنا أفضل أن أقوم بما أفعله الآن على البقاء في المنزل دون عمل.”