تتوالى التداعيات السلبية لأزمة فيروس كورونا على اقتصاد المملكة، بالتزامن مع إنفاق ولى العهد محمد بن سلمان مليارات الدولارات، في استثمارات وصفقات خارجية فاشلة.
ويسارع بن سلمان بين الحين والآخر، الاستحواذ على صفقات عالمية، غير آبه بحجم الخسائر الضخمة في بعض الشركات بعدة بلدان. وعلى سبيل المثال، بلغت خسائر ولى العهد في شركة “سوفت بنك” اليابانية خلال إبريل/ نيسان الماضي 16.5 مليار دولار من أصل المبلغ الأساسي المستثمر 45 مليار دولار.
ونتيجة لذلك، أظهرت معطيات رسمية، خسارة المملكة نحو 50 مليار دولار من احتياطياتها الأجنبية خلال شهري مارس/آذار، وأبريل/نيسان الماضيين (فترة تفشى الفيروس التاجي).
وهوت الأصول الاحتياطية الأجنبية لمؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي)، بنسبة 5.2% أو 24.8 مليار دولار على أساس شهري، حتى نهاية أبريل/ نيسان الماضي، إلى 1682.4 مليار ريال (448.6 مليار دولار).
وكانت الأصول الاحتياطية الأجنبية للمملكة، قد بلغت 1775.2 مليار ريال (473.4 مليار دولار) حتى نهاية مارس/ آذار السابق له، حسب تقرير صدر عن النقد العربي السعودي، مساء الأحد.
وبناء على ذلك، تكون المملكة قد فقدت نحو 50 مليار دولار (24 مليارا في مارس، و27 مليارا في أبريل) من احتياطاتها الأجنبية خلال شهري مارس وأبريل.
وبحسب وزير المالية في المملكة محمد الجدعان، فقد تم تحويل 40 مليار دولار منها لصندوق صندوق الاستثمارات العامة – يخضع تحت سيطرة ولى العهد – ليستغل الفرص في الأسواق العالمية مع تداعيات كورونا.
وتضررت إيرادات السعودية، التي تعتمد على النفط كمصدر رئيس للدخل، جراء انخفاض الأسعار والطلب على الخام بفعل تفشي كورونا.
ولا تفصح الرياض عن توزيع أصولها الاحتياطية الأجنبية جغرافيا أو حتى طبيعة الأصول.
لكن وزارة الخزانة الأمريكية تعلن شهريا استثمارات الدول في أذون وسندات الخزانة لديها، بينها المملكة التي بلغت استثماراتها 159.1 مليار دولار، حتى مارس/آذار الماضي.
وانزلقت المملكة، وهي أكبر مصدر للنفط في العالم، إلى عجز في الموازنة بقيمة 9 مليارات دولار في الربع الأول من العام مع انهيار إيرادات النفط، وحرب أسعار النفط العام.
وأعلنت المملكة، سابقا، موازنة 2020 بإنفاق 272 مليار دولار، مقابل إيرادات بـ 222 مليار دولار، متوقعة عجز قيمته 50 مليار دولار، فيما تخطط لتغطية معظم العجز المتوقع في ميزانيتها عن طريق الاقتراض الذي تقدر أنه سيبلغ في مجمله حوالي 58 مليار دولار هذا العام.
وقال الجدعان في أبريل/ نيسان الماضي إن المملكة قد تقترض حوالي 26 مليار دولار إضافية هذا العام وستسحب 32 مليار دولار من احتياطاتها لتمويل العجز في الميزانية الناتج عن هبوط أسعار النفط وأزمة كورونا.
في المقابل، ارتفعت تحويلات الأجانب المقيمين في المملكة إلى الخارج، بنسبة 2.3% على أساس سنوي، خلال أول 4 أشهر من العام الجاري، إلى 43.65 مليار ريال (11.64 مليار دولار).
وبلغ إجمالي التحويلات 42.66 مليار ريال (11.38 مليار دولار) في الفترة المناظرة من 2019.
وسبق أن سجلت تحويلات الأجانب المقيمين في المملكة إلى الخارج، رابع تراجع سنوي على التوالي في 2019، بنسبة 8%، إلى 125.5 مليارات ريال (33.5 مليارات دولار).
وقالت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية إن صندوق الاستثمارات العامة التابع للمملكة – ويخضع تحت سيادة بن سلمان – أنفق مليارات الدولارات خارج البلاد التي تشهد أزمة اقتصادية طاحنة جراء أزمتي انخفاض أسعار النفط وجائحة كورونا.
وذكرت الصحيفة، في تقرير، سابق، أنه وبالرغم من المعاناة الاقتصادية، وفرض المملكة إجراءات تقشفية على شعبها، أنفق صندوق الاستثمارات العامة منذ بداية عام 2020 فقط 325 مليار دولار على صفقات خارجية.
واستدلت بتصريحات ياسر الرميان، محافظ صندوق الاستثمارات العامة، في شهر أبريل/نيسان المنصرم خلال ضم عدد من المصرفيين والمستثمرين عن استغلال أزمة كورونا في تنفيذ استثمارات.
وقال الرميان وقتها: “لن نضيع استغلال أي أزمة.. إن فرصاً استثمارية عديدة ستنشأ عند انقضاء أزمة فيروس كورونا.. هناك اقتصادات ستعمل، وسنرى كثيرا من الفرص”.
وأشارت الصحيفة إلى أنه بعد ثلاثة أيام من حديث “الرميان”، أعلنت السجلات المنظمة في أميركا عن أكبر مراهنة سعودية على شركات تأثرت بالأزمة العالمية، حيث استحوذت بسرعة على 5.7% أو 500 مليون دولار من شركة الترفيه الأمريكية “لايف نيشن”.
وقبل ذلك بأسبوع اشترت 7.3 من شركة السياحة البحرية “كارنيفال” بشكل جعلها المساهم الثاني الأكبر شركة النقل البحري الكبرى. واستثمر الصندوق في حوالي 20 شركة معروفة في الولايات المتحدة وأوروبا مثل “بي بي” البريطانية و”رويال داتش” الهولندية و”توتال” و”بيونج” و”سيتي جروب” و”ديزني” و”فيسبوك” حيث استحوذت على حصة صغيرة بلغت قيمتها في الأشهر الثلاث الأولى من العام 7.7 مليار دولار.
وهذه هي فقط الاستثمارات التي تم الإعلان عنها، ففي إطار منفصل قاد الصندوق مجموعة استثمارية لشراء نادي “نيوكاسل يونايتد” بـ 300 مليون جنيه استرليني.
وأصبح الصندوق في مقدمة جهود “بن سلمان” لتخفيف اعتماد المملكة على النفط، لكن ذلك جعله محلا للخلاف، فعلاقته بولي العهد يعني أن المملكة ستظل ملطخة بجريمة قتل الصحفي “جمال خاشقجي” عام 2018.
وقال منتقدون إن الصندوق أصبح أداة شخصية بيد “بن سلمان”، دولة داخل دولة، والتي تهدد بمزاحمة القطاع الخاص في المملكة -في محاولتها البحث عن مشاريع بمليارات الدولارات والمهددة بالفشل- حتى لو راهنت على استثمارات في الخارج.
وتساءل البعض عن جدوى إسراف المال في استثمارات خارجية والبلد يواجه أسوأ أزمة اقتصادية لم تمر عليه منذ عقود، فهل هذه استثمارات انتهازية أم استراتيجية؟ ولماذا الاستثمار في شركات النفط مع أنها مفوضة لتنويع الاقتصاد؟ وهل عليها تقديم الأولوية في الاستثمار بالسوق المحلي الذي يكافح من أجل البقاء؟.
وقال “جون سفاكانكس”، الخبير في شؤون الخليج بجامعة كامبريدج: هناك انفصام بين الوضع المالي المحلي المتردي والاستثمارات الخارجية المستمرة.
وأضاف أن هذا “يعقد التعافي الاقتصادي بسبب المصادر المالية المحدودة”.
وتواجه المملكة بسبب أزمة فيروس كورونا وانهيار أزمة النفط، أزمة مزدوجة، ولهذا لجأت مؤخرا إلى خفضت رواتب الموظفين، وضاعفت من ضريبة القيمة المضافة إلى ثلاثة أضعاف، الأمر الذى أحدث صدمة حقيقة في الشارع السعودي.