ماذا تقول المنظمات الحقوقية عن حقوق الإنسان والقضاء في المملكة؟
تصف منظمة العفو الدولية على موقعها الالكتروني المملكة بأنها تضيق السلطات الخناق على الحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع.
وتشير المنظمة إلى أن نظام آل سعود يعتقل اعتقالاً تعسفياً العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان والمنتقدين الحكومة، ومن بينهم نشطاء حقوق المرأة.
وتنبه إلى استخدام السلطات لعقوبة الإعدام على نطاق واسع، فنفذت عشرات الإعدامات بالنسبة لمجموعة من الجرائم، بما في ذلك جرائم المخدرات، فيما يظل التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة للمحتجزين شائعاً.
وتنبه إلى أنه “على الرغم من الإصلاحات المحدودة، التي شملت السماح للنساء بقيادة السيارات، واجهت النساء تمييزًا ممنهجاً في القانون والممارسة، وكانت الاصلاحات غير كافية للحماية من العنف الجنسي وأشكال العنف الأخرى”.
وبناء على تقرير أصدرته منظمة العفو الدولية، جُمعت بياناته خلال مقابلات مع سجناء سابقين داخل السجون السعودية ثم خرجوا بعد ذلك خارج المملكة، فإن النظام القضائي السعودي لا يتمتع باستقلالية تفرضها عليه سيطرة السلطة التنفيذية، وعلى رأسها الملك، الذي يتحكم بالهيئات القضائية بشكل كامل، بل إن القضاء السعودي يفتقد كليا للاستقلال بسبب نظام الدولة الذي يعطي صلاحيات مفرطة لسلطات القبض والاحتجاز والاعتقال والتحقيق.
يغطي تقرير منظمة العفو تحت عنوان “نظام عدالة بدون عدالة”، بجانب تقرير “حالة المعاناة السرية” الصادر عام 2005، العيوب الرئيسية في نظام العدالة الجنائية في المملكة العربية السعودية، الذي يتميز حسب التقريرين بانتهاك حقوق الإنسان والاضطهاد السياسي للمعارضين ولجميع أنواع الأقليات، وبالتعذيب والعقوبات القاسية واللا إنسانية مثل عقوبة الإعدام، كما أن إجراءات الاعتقال والاحتجاز تجري دون ضمانات معترف بها دوليا، والقوانين الجنائية “غامضة ومنفتحة على التفسير الواسع للقضاة الذين يتمتعون بسلطات غير مقيدة بقواعد حماية حقوق الإنسان وضمان العدالة، أما جلسات المحاكمة فموجزة وسرية، والمتهم يُحرم دائما من الوصول إلى المستشار القانوني والحق في الدفاع عن نفسه”.
تقوم السلطات باحتجاز المشتبه بهم والتحقيق معهم دون أدنى إشراف من منظومة القضاء، ودون أي قواعد أو قوانين حاكمة. يذكر التقرير على سبيل المثال حالة السيد منير السيد عدنان الخباز، وهو رجل دين شيعي من القطيف، يقال إنه لم يتم إخبار أسرته، التي كانت قد عادت إلى المملكة العربية السعودية قبله، باعتقاله ولم تعلم أبدا عن مكان وجوده، فكان هذا واحدا من عمليات الاعتقال التعسفي التي تم الإبلاغ عنها على مدار سنوات.
يذكر التقرير أن إجراءات التوقيف والاعتقال لا تخضع لأي قانون واضح، ورغم وجود ثلاثة قوانين على الأقل تتعامل مع تلك المساحة من نظام العدالة الجنائية، وهي: القانون الأساسي للحكومة أو دستور مارس/آذار 1992، والنظام الأساسي للاحتجاز والسجن الصادر في مايو/أيار 1978، والنظام الأساسي لمبادئ الاعتقال والحبس المؤقت والاحتجاز الوقائي (SPAD) الذي صدر في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 1983، فإنه لا توجد أحكام بشأن كيفية تنفيذ الاعتقالات، ولا أي التزام بالحقوق الأساسية للمعتقل، بل لا يشترط الحصول على إذن قضائي سابق بالاعتقالات.
وفيما يحظر الدستور الاعتقال والاحتجاز التعسفي، فإنه لا ينص على آليات لمنع مثل هذه الممارسات. علاوة على ذلك فإن القانون الموضوع لتنظيم إجراءات الاعتقال والاحتجاز تجاوز أي نص آخر، فهو قانون يتعارض بشكل صارخ مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان حسب تقرير منظمة العفو.
فعلى سبيل المثال، يجيز القانون الاعتقال لأسباب غامضة تحت عبارات فضفاضة مثل “يحق لقوات الدوريات وموظفي النظام العام القبض على أي شخص في حالة إثارة الشكوك”.
فيما يعطي قانون الاحتجاز الحق لقوات الشرطة باعتقال أي شخص يعارض النظام السياسي أو الديني للمملكة. ولا تخضع عمليات الاعتقال تلك لأي إشراف قضائي، وبالتالي لا يوجد ما يمنع أفراد الشرطة أو غيرهم من ارتكاب العنف أثناء اعتقال المشتبه بهم، أما هؤلاء الذين يقعون رهن الاعتقال فليس لهم فرصة للطعن في قانونية احتجازهم أمام أي هيئة قضائية أو أي سلطة أخرى، فالعدالة هي حالة استثنائية لأفراد معينين فقط لديهم علاقات بالأسرة الحاكمة.
وبعد مرحلة الاعتقال ثم الاحتجاز، تأتي مرحلة انتزاع الاعترافات، يذكر تقرير منظمة العفو الدولية خطابا كتبه سجين داخل المملكة السعودية محكوم عليه بالإعدام، كتب: “أرسلوني إلى مكتب رئيس الشرطة، حيث قابلت شخصيات رفيعة المستوى وضباط، وسلمني أحد الضباط دفتر ملاحظات فارغا، وطلب مني أن أكتب كل ما يمليه، ظننت أن هذا الأمر في صالحي كي لا أتعرض لقسوة الاستجواب، فبدأت في الكتابة، وأملى علي الضابط أحداث اليوم، حتى وصل لتفاصيل ارتكابي جريمة قتل، فتوقفت فورا عن الكتابة، وسألته لماذا يطلب مني أن أكتب اعترافا بجريمة قتل لم أرتكبها، فصرخ الضابط في وجهي، وهددني إن لم أكتب الاعتراف فسيصعقني بالكهرباء… ثم نقلوني إلى المحكمة ليتمكّنوا من إثبات أنني كنت مذنبا بتلك الجريمة”.
يذكر التقرير سجينا آخر في زنازين المملكة السعودية أعدمته السلطات السعودية، بينما قال سجين سابق كان محتجزا معه في السجن نفسه: “عذبوه لمدة سبعة أشهر بما في ذلك إزالة أظافره وتعليقه في الهواء على أعمدة الصلب من مفاصل ركبته ومرفقيه، وفي النهاية.. كتب الاعتراف وبصم عليه بإبهامه”، فحكمت عليه المحكمة بالإعدام.
تبدأ قوات الأمن بإجراء الاستجواب داخل غرف وأماكن الاحتجاز بالمملكة السعودية، بعد أن تعزل المعتقل عن العالم الخارجي تماما، وخلال تلك الفترة يُمنح المعتقل القليل أو لا يُعطى أي معلومات حول أسباب اعتقاله أو التهم الموجهة إليه، وفي غياب أي ضوابط أو إشراف قضائي، يجوز للمحققين استخدام مختلف أنواع التعذيب والإكراه والخداع حتى يعترف المعتقل بالجُرم الذي يريد الضابط تلفيقه له، ولا يحق للمحتجز مقابلة محامٍ أو أي سلطة قضائية أو أي سلطة أخرى تحميه من المحققين.
وعندما يحصل المحققون على اعتراف المتهم، يحضرونه إلى القاضي لتوقيعه، فإذا رفض الشخص التوقيع على أساس أنه لم يرتكب تلك الجرائم المكتوبة، قد يرفض القاضي في المقابل المصادقة على الاعتراف وينتهي دوره، لكن القاضي لا يطلب وقف إجراءات الاستجواب، ولا يأمر بإجراء فحص طبي أو تحقيق لمعرفة إذا كان قد وقع تعذيب على المتهم.
وهذا ما أخبر به السجناء السبعة والثلاثون منظمة العفو الدولية، الذين أعدمتهم السلطات السعودية، فحين” يرفض السجناء التوقيع، يعودون مرة أخرى لغرف التعذيب حتى يوقعوا على الجرائم التي لم يرتكبوها، بل إن كثيرا من السجناء قد صرحوا أن في كثير من القضايا يكون الاعتراف المكتوب بخط اليد تحت التعذيب والإكراه هو الدليل الوحيد المقدم للمحكمة”، وبالرغم من ذلك، تصدر المحكمة على أساسه أحكاما بالإعدام والسجن المشدد.
كما قالت منظمة هيومن رايتس ووتش من خلال متابعتها لسبعة أحكام منفصلة أصدرتها المحكمة الجنائية المتخصصة في عامي 2013 و2014 ضد رجال وأطفال متهمين بارتكاب جرائم ذات صلة بالاحتجاج عقب مظاهرات شعبية قام بها أفراد الأقلية الشيعية في عامي 2011 و2012 في مدن المنطقة الشرقية، إن في جميع المحاكمات السبع زعم المحتجزون أن الاعترافات انتُزعت تحت وطأة التعذيب، لكن القضاة سرعان ما رفضوا هذه الادعاءات دون تحقيق، وأخذوا بالاعترافات كدليل، ثم أدانوا المعتقلين على أساس هذه الاعترافات، وفي بعض الأحيان أصدروا أحكاما بالإعدام.
وتوضح المنظمة أنه في جميع أحكام المحاكمة تقريبا التي تابعتها هيومن رايتس ووتش نبذ المتهمون اعترافاتهم، قائلين إنهم تعرضوا للإكراه في ظروف ترقى في بعض الحالات إلى التعذيب، بما في ذلك الضرب والحبس الانفرادي المطول.
ورفضت المحكمة الادعاءات، فطلب بعض المتهمين من القضاة إصدار أمر بإحضار لقطات فيديو من السجن قالوا إنها ستُظهر تعرضهم للتعذيب، وطلب آخرون أن تستدعي المحكمة المحققين كشهود للاستفسار عن تفاصيل كيفية الحصول على الاعترافات. وفي جميع الحالات، تجاهل القضاة هذه الطلبات. الأمر الذي جعل منظمة هيومن رايتس ووتش تُصدر بيانات تحت عنوان “أوقفوا المحكمة الجنائية المتخصصة.. أوقفوا محكمة الإرهاب”.
رغم كل تلك التطورات التي أجراها الملوك السابقون واللاحقون على النظام القضائي السعودي، فإن نظام العقوبات داخل المملكة ظل وفيا لنظام العقوبات عند “البدو” في نظام القبيلة، فبجانب الفوضى القضائية وسيطرة الحاكم أو الملك على نظام التشريع والعقوبات، اتسمت الأحكام القضائية بالصبغة البدوية الواضحة، حيث تقوم القبيلة بمعاقبة أفرادها، أو الأفراد الذين يقعون تحت سطوتها، إما بالطرد، سواء الطرد الاختياري الذي يجعل الجاني يهرب خوفا من الثأر، أو الطرد الإجباري من القبيلة والذي يكون بمنزلة الحكم بالموت، فالطرد يعني الموت البطيء وإهدار الدم.
وإما تكون العقوبة داخل القبيلة بالثأر، أي طلب القصاص من الجاني أو أحد أقربائه، والمسؤول عن الثأر هو ولي المجني عليه، أو تكون العقوبة برد البراء، أي قطع العلاقات وعزل الآخر وربما إعلان الحرب عليه فردا أو جماعة.
وفي كل الأحوال يكون القانون الحاكم داخل القبيلة هو قانون القوة، الذي تحكم بموجبه أسرة آل سعود الجزيرة العربية، حيث يرى وضاح شرارة أن “المجتمع السعودي لا يتوحد إلا في الدولة وفي السلطة، فالدولة فيه لا تزال صانعة المعنى كما كان يحسب ابن بشر”، وعليه يرى خلدون النقيب أن الجزيرة العربية دخلت “مرحلة الدولة التسلطية في منتصف الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن الماضي، دون المرور بمرحلة الدولة الوطنية التي تكافح من أجل الاستقلال كما حصل في أغلب دول المشرق العربي”.
والدولة التسلطية في نظر النقيب “هي الشكل الحديث والمعاصر للدولة المستبدة.. وهي ككل الأشكال التاريخية للدولة المستبدة”، فهي تحتكر كل مصادر القوة، وتجعل قانون الحاكم أو الأسرة الحاكمة أو تفسير الأسرة الحاكمة للقانون هو الدستور والمرجع القضائي الأوحد في البلاد.
وبالتالي، بدلا من أحكام الطرد والقتل والصلب والبتر والذبح وضرب الأعناق التي كانت القبيلة تصدرها على أفرادها في الماضي، انتقل الأمر لأحد طوابق المحكمة العامة في الرياض، تحت عنوان “المحكمة الجنائية المتخصصة”.
هذه المحكمة أصدرت في 10 أبريل/نيسان 2012، على لسان القاضي عبد اللطيف العبد اللطيف، حُكما بسجن الناشط الحقوقي محمد البجادي لمدة أربع سنوات، ومنعه من السفر إلى الخارج لمدة خمس سنوات أخرى.
وفي 11 أبريل/نيسان 2011، قضت المحكمة بحبس يوسف الأحمد الأكاديمي ورجل الدين، لمدة خمسة أشهر بسبب “التحريض ضد الحاكم، وتأجيج الانقسامات، والإضرار بالوحدة الوطنية، والمس بهيبة الدولة ومؤسساتها الأمنية والقضائية، وإنتاج وتخزين ونشر معلومات على الإنترنت من شأنها المس بالنظام العام”.
وفي 22 فبراير/شباط 2012، شرعت المحكمة الجنائية المتخصصة في محاكمة خالد الجُهني، الذي تحدث إلى صحفيين دوليين فيما عُرف بيوم الغضب السعودي في 11 مارس/آذار 2011، الذي لم يشارك فيه إلا عدد قليل من الناس بسبب الحضور المكثف للشرطة.
وفي أبريل/نيسان 2012، بدأت المحكمة الجنائية المتخصصة أيضا في محاكمة فاضل المناسف، الناشط الحقوقي، وهي المحكمة نفسها التي أصدرت أحكام الإعدام الجماعي على 47 رجلا، ثم على 37 رجلا، وهي نفسها التي وجّهت للشيخ سلمان العودة ومن معه 37 تهمة قد تودي به إلى عقوبة الإعدام.
فيما علّقت هيومن رايتس ووتش أن الإجراءات المتّبعة في المحكمة الجنائية المتخصصة “تنتهك الحق في المحاكمة العادلة”، حيث أضحت “المحكمة الجنائية المتخصصة” التي أُنشئت عام 2008 للنظر في قضايا “الإرهاب” مقبرة لكل معارضي النظام السياسي أو الديني أو الاجتماعي في المملكة السعودية، وبقي آلاف المحتجزين من المشتبه بهم في سجون المباحث لسنوات عديدة، وتُضيف المنظمة أن المحكمة الجنائية المتخصصة لا يتوفر لها أي نظام أساسي أو قانون يحدد صلاحيات المحكمة، ويتم اختيار القضاة بشكل فردي ليلتحقوا بلجنة قضاة المحكمة من قِبل المجلس الأعلى للقضاء والذي يُعيّن الملك أعضاءه مباشرة.