تواجه المملكة واحدة من أشد أزماتها الاقتصادية على الإطلاق مع الانخفاض القياسي لأسعار النفط فيما لوح نظام آل سعود إلى أنه يخطط لخفض إنتاج النفط في أسرع وقت بسبب انهيار الأسعار.
ونقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية عن مصادرها أن السعودية وأعضاء أوبك الآخرين يفكرون في خفض إنتاجهم النفطي في أقرب وقت ممكن، بدلاً من الانتظار حتى الشهر المقبل موعد بدء اتفاقية خفض الإنتاج الأخيرة لأوبك مع الولايات المتحدة وروسيا.
وقال مسؤول في نظام آل سعود للصحيفة: “يجب القيام بشيء ما بشأن حمام الدم هذا”، مضيفاً: “ولكن قد يكون الوقت متأخرًا قليلاً”.
وبموجب اتفاق أبرم قبل أسبوع، وافقت المملكة على تقييد إنتاجها كجزء من جهد واسع لمواجهة انخفاض الأسعار. وقالت شركة أرامكو النفطية إنها ستسوق 8.5 ملايين برميل يوميا من الخام ابتداء من مايو/أيار، انخفاضاً من 12.3 مليون برميل يومياً في أوائل إبريل/نيسان.
وتدرس المملكة البدء بالتخفيضات على الفور، لكن هذا القرار سيعتمد مع ذلك على الالتزامات القانونية للمملكة وعمليات التسليم التي تم الاتفاق عليها بالفعل مع المشترين. وقالت المصادر إن اقتراح تقديم التخفيضات يمكن تطبيقه في جميع أنحاء منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك).
وعلى الرغم من الجهود غير المسبوقة لتحقيق الاستقرار في الأسعار، إلا أن سوق العقود الآجلة في الولايات المتحدة، الذي يعتبر معياراً لتداول النفط الخام، خسر كل قيمته، مما أدى إلى انخفاض غير مسبوق للأسعار إلى المنطقة السلبية يوم الإثنين.
ووصل سعر برميل خام غرب تكساس الوسيط المقرر تسليمه في مايو، والذي أغلق عند 18.27 دولارا للبرميل يوم الجمعة، إلى ناقص 37.63 دولارا للبرميل يوم الإثنين. وهذا يعني فعليًا أن البائعين يجب أن يدفعوا للمشترين لإخراج البراميل من أيديهم.
ويعكس السعر المنخفض عدم اليقين بشأن ما سيفعله المشترون مع برميل النفط الخام على المدى القريب. في عالم في حالة جمود بسبب وباء كورونا، فهناك الكثير من النفط وقليل من الأماكن لوضعه.
بحيث تمتلئ المصافي ومرافق التخزين وخطوط الأنابيب وحتى ناقلات المحيطات بسرعة، منذ أن بدأ الملايين من الناس حول العالم بالاحتماء في أماكنهم لإبطاء انتشار الفيروس القاتل.
وقد وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الانهيار التاريخي الذي شهدته أسعار النفط، بأنه قصير الأجل وناجم عن “ضغوط مالية”، مضيفا أن إدارته ستدرس وقف شحنات النفط القادمة من المملكة.
وقال ترامب في مؤتمر صحافي، إن إدارته تعتزم أيضاً زيادة مستوى مخزون النفط الخام لحالات الطوارئ في البلاد مع هبوط الأسعار.
وتعكف وزارة الطاقة على تأجير مساحات متاحة تكفي حوالي 77 مليون برميل في احتياطي النفط الاستراتيجي لشركات النفط الأميركية لمساعدة هذه الشركات في أزمة التخزين التجاري مع انهيار الطلب المحلي على الطاقة بسبب تفشي فيروس كورونا.
وتحولت أسعار العقود الآجلة للنفط الخام الأميركي، أمس، إلى سلبية للمرة الأولى في التاريخ لتنهي الجلسة عند ناقص 37.63 دولار للبرميل مع إقبال المتعاملين على البيع بكثافة.
وهبطت الأسهم الأميركية، وهو ما يبرز الفوضى التي أطلقتها جائحة كورونا إلى الاقتصاد العالمي.
وأنهى المؤشر داو جونز الصناعي جلسة التداول في بورصة وول ستريت منخفضا 592.05 نقطة، بما يعادل 2.44 في المائة، إلي 23650.44 نقطة، وخسر المؤشر “ستاندرد اند بورز 500” الأوسع نطاقا 51.4 نقطة، بتراجع بلغت نسبته 1.79 في المائة، ليغلق عند 2823.16 نقطة.
وفقد المؤشر ناسداك المجمع 89.41 نقطة، بانخفاض بلغت نسبته 1.03 في المائة، ليغلق عند مستوى 8560.73 نقطة.
وترى أطراف فاعلة في سوق النفط أن روسيا والمملكة ما زالا يتبادلان الضربات في السوق الحاضرة.
وأظهرت بيانات شحن، وفق وكالة رويترز، أن الأمر يرتبط بالسوق الفورية أكثر منه بأسعار العقود الآجلة، إذ تتواصل معركة طويلة الأمد على الحصص السوقية، وبخاصة في آسيا.
واتفق الجانبان بالإضافة إلى أعضاء أوبك والمنتجين الأخرين على خفض الإنتاج بنحو 10 ملايين برميل يومياً خلال الشهرين المقبلين على أن يستمر الخفض ولكن بحجم أقل حتى 2021.
وقال مصدر في شركة تجارة :”خلف البيانات التعاونية، لا تزال المعركة دائرة”، موضحا أن أسعار البيع الرسمية السعودية تشير إلى أن المملكة تستهدف السوق الآسيوية، حيث لا يزال الطلب متينا بعض الشيء في ظل إجراءات العزل العام العالمية.
وتعتمد روسيا على الأسواق الآسيوية كوجهة لإنتاجها النفطي منذ تدشين خط أنابيب شرق سيبيريا المحيط الهادي البالغة طاقته 1.6 مليون برميل يومياً.
ويربط هذا حقولا روسية بأسواق آسيوية عبر ميناء كوزمينو، منفذ صادرات البلاد الشرقي الرئيسي، وأيضا عبر فرع من خط أنابيب شرق سيبيريا المحيط الهادي يربطه مع الصين، أكبر مستهلك آسيوي.
وخفضت أرامكو أسعار البيع الرسمية لخامها إلى آسيا في مايو/أيار بما يتراوح بين ثلاثة دولارات وخمسة دولارات لمختلف درجاتها في ثاني شهر من التخفيضات الكبيرة.
وفي الوقت نفسه، كانت التخفيضات السعرية على شحنات أرامكو لأوروبا أقل، مع زيادات طفيفة على درجاتها الأثقل.
وبالمثل، خفض العراق والإمارات والكويت أسعار مايو على النفط الخام المتجه إلى آسيا.
ودفع ارتفاع إمدادات النفط الخام السعودي تحميل مايو إلى الأسواق الآسيوية، إلى جانب انخفاض أسعار البيع الرسمية، الفروق السعرية لدرجات خام روسية مثل سوكول ومزيج شرق سيبيريا المحيط الهادي في آسيا إلى انخفاض حاد.
وبلغت الخصومات على كلتا الدرجتين، اللتين عادة ما يجري تداولهما بعلاوات مرتفعة فوق خام دبي القياسي، مستويات قياسية.
كما تكسب المملكة أيضا أرضا في أوروبا، حيث الغلبة تقليديا لصادرات النفط والغاز الروسية.
فقد أظهرت بيانات الشحن المتاحة على منصة شركة رفينيتيف للأبحاث أن مبيعات السعودية لأوروبا في طريقها لأن تتجاوز 29 مليون برميل في إبريل/نيسان، بما يقل بفارق طفيف عن مستواها القياسي المسجل في أغسطس/آب 2016.
وستزيد إمدادات أرامكو من الخام العربي، بما في ذلك الخام العربي الخفيف، وهي الدرجة الأقرب إلى الخام الرئيسي الروسي من حيث الجودة، لإيطاليا وتركيا واليونان وفرنسا وبولندا في إبريل.
وجميع هذه الدول من المشترين المنتظمين للنفط الروسي. وتفيد البيانات بأن شركات التكرير البولندية ستستورد كمية قياسية تبلغ 560 ألف طن من الخام العربي الخفيف عبر ميناء جدانسك الشهر الجاري.
وقال متعاملون إن بولندا لن تستورد أي كميات منقولة بحرا من خام الأورال الروسي هذا الشهر للمرة الأولى منذ فترة طويلة، بينما ستظل إمدادات النفط العربي الخفيف لبولندا ثابتة في مايو.
وقال مصدر بمصفاة تكرير أوروبية لرويترز “مع تراجع الطلب تصبح المنافسة أكثر صعوبة. لا يمانع السعوديون في اتخاذ خطوات إضافية من أجل المشتري. ربما يكون على روسيا أيضا التفكير في عروض خاصة”.
وقال متعاملون إن الميزة الرئيسية لدى روسيا في معركة السوق الحاضرة مع السعودية هي شبكتها المترامية الأطراف من خطوط الأنابيب التي تساعدها على توريد النفط بأسعار أرخص مقارنة مع منافستها التي يتعين عليها إيجاد ناقلات ودفع تكاليف النقل.
وقال متعامل في سوق النفط الأوروبية لرويترز “حقول النفط الروسية مرتبطة بمصافي تكرير في أوروبا وآسيا وشركات النفط لديها عقود طويلة الأجل معها، هي على عكس السعودية لا تخضع لأسعار الشحن وتوافر الناقلات”.
وتحولت أسعار العقود الآجلة للنفط الخام الأميركي يوم الإثنين إلى سلبية للمرة الأولى في التاريخ، لتنهي الجلسة عند ناقص 37.63 دولارا للبرميل مع إقبال المتعاملين على البيع بكثافة بسبب امتلاء سريع لمنشآت التخزين في المركز الرئيسي للتسليم في كاشينج بولاية أوكلاهوما.
وتراجعت أيضاً عقود خام القياس العالمي مزيج برنت، لكنها لم تصل بأي حال إلى تلك المستويات الضعيفة بفضل وجود المزيد من قدرات التخزين متاحة حول العالم.
وأنهت عقود خام القياس الأميركي غرب تكساس الوسيط تسليم مايو/أيار جلسة التداول منخفضة 55.9 دولاراً، أو 306 في المائة، لتبلغ عند التسوية ناقصاً 37.63 دولاراً للبرميل بعد أن لامست أدنى مستوى لها على الإطلاق عند ناقص 40.32 دولاراً للبرميل.