أظهرت التطورات الأخيرة في المملكة واعتقال أمراء كبارا بوضوح نهج ولي العهد محمد بن سلمان القائم على تعزيز سلطته المستبدة في حكم المملكة وسحق أي معارضة له حتى لو كانت من داخل نطاق عائلته.
يظهر ذلك الخطر الكبير على حاضر ومستقبل المملكة في حال الاستسلام لحكم أمير طائش لا يقبل حتى من يشاركونه الحكم من أمراء عائلته فما بالنا عند الحديث عن مجتمع حر ونشطاء حقوق إنسان ومنظمات مدنية.
ويقول المراقبون إن استمرار “عمليات التطهير” داخل المؤسسات والأجهزة الأمنية في المملكة دليل على وجود حالة “عدم يقين” وخوف وبحث مستمر عن البدائل لدى الحاكم، ويتساءلون: إلى متى سيبقى ولي العهد السعودي حبيس هذه “الفوبيا” والشعور بأن الجميع يستهدفونه؟
ويعتبر المراقبون أن بن سلمان يعيش مرحلة تشكك بالجميع، ويسعى للبقاء وحده في المشهد السياسي للمملكة، لتغيير نمط الحكم من حكم العائلة إلى الفرد في ظل ردة فعل ضعيفة جدا من أفراد الأسرة الحاكمة.
وشن بن سلمان في الأيام الأخيرة حملات اعتقالات واسعة بشكل تعسفي طالت أمراء كبارا في المملكة فضلا عن مسئولين وضباط من دون أن يصدر أي تعقيب رسمي بشأن ذلك.
وتحدثت تقارير فرنسية يوم أمس عن سعي بن سلمان لتعزيز قبضته على قطاعي الدفاع والأمن في المملكة بغرض تثبيت دعائم حكمه في المملكة وتمكين مرتزقته من كافة مفاصل دوائر الحكم.
ويعتبر المراقبون أن الاعتقالات العديدة في صفوف الأمن والجيش والحرس من المحسوبين على الأميرين أحمد بن عبد العزيز ومحمد بن نايف، تأتي من باب الاحتياط من ردة فعلهم، وأن الأسرة الحاكمة تشهد تململا وأغلب أفرادها في حالة انتظار بسبب الجهود الأميركية لإطلاق سراح الأمراء.
وقد ضرب بن سلمان “الاحترام الشكلي” للعلماء وشيوخ القبائل، حيث تجرأ على إهانة عدد من أعضاء هيئة العلماء ووبخهم “كالأطفال”، في ظل انتهاجه سياسة تنهي التوازنات المعهودة داخل الأسرة الحاكمة من خلال توزيع المسؤوليات الأمنية من داخلية وحرس وجيش بين أفرادها.
وصرح مدير معهد الخليج في واشنطن علي الأحمد بأن سبب الاعتقال بأن حلفاء محمد بن نايف في واشنطن تواصلوا مع ولي العهد السابق من أجل عودته عن طريق وسطاء كانوا مساعدين لبن نايف، وخيوط المؤامرة تكشفت مند مقتل الحارس الشخصي للملك سلمان الذي كان أحد المشاركين في المخطط.
وحول بن سلمان المنافسة على الحكم إلى أشكال عنيفة في أوساط العائلة الحاكمة فاعتقالات الريتز من رجال أعمال كبار وأمراء بارزين جاء بسبب موقفهم من تولية منصب ولاية للعهد، وقصقصة لأجنحة كل المعارضين لتوليته وإنذارا حاد اللهجة لكل معارض مستقبلي.
تم ذلك حتى جاءت اللحظة التي يريدها بن سلمان لتولي العرش ووالده حي عن طريق التنازل له من أجل ضمان أصوات أكثر في العائلة والجيش الذي يسيطر عليه ولي العهد.
طريقة الاعتقال وتفاصيلها في حد ذاتها لا تهم بل المهم أكثر هو الرعونة والتخويف المنتهج في سلوك بن سلمان الطائش في تحييد خصومه، فهو قد أقصى بالتغييب القسري دعاة وعلماء عارضوا مشروعه التغريبي للمملكة.
وكان نقل موقع ميدل إيست آي الإخباري عن مصادر قولها إن محمد بن سلمان يقوم بهذه الحملة لأنه يعتزم تنصيب نفسه ملكا قبل قمة مجموعة العشرين المقرر عقدها في الرياض في نوفمبر المقبل.
والمقال الذي كتبه دبفبد هيرست ذهب إلى أن الملك سلمان الذي يعاني شيخوخة حادة موافق مبدئيا على التنازل لابنه المسيطر فعليا على الحكم، واجتمع الملك مع أخيه الأصغر أحمد بن عبد العزيز من أجل ضمان تأييده لمحمد في المستقبل أثناء توليه مقاليد الحكم.
وقال ميدل إيست آي إن فرصة أخيرة أعطيت للأمير أحمد -وهو آخر شقيق للملك على قيد الحياة- قبل اعـتقاله يوم الجمعة للالتحاق بمشروع محمد بن سلمان لكنه رفض، وفقا للمصادر، وبيّن أحد المصادر أن أحمد تعرض للضغط لكي يعطي دعمه الكامل لمحمد بن سلمان، وقد التقى الملك، الذي استخدم هو وآخرون في الديوان كلمات مهذبة لتشجيعه على دعم ابنه.
وتابع المصدر أن أحمد أوضح أنه لن يدعم هذا المشروع، وأضاف أنه أبلغ الملك أنه لا يطـمح لأن يصير ملكا لكنه يتطلع إلى آخرين للتقدم إلى هذا المقام.
وفي مقام آخر كشفت وكالة رويترز أن الملك سلمان وافق على احتجاز ثلاثة أمراء، وقالت نقلاً عن مصدر خاص أن الملك على أمر الاعتقالات، وأضاف أن الملك يتمتع بحالة عقلية ونفسية جيدة.
كما أشارت الوكالة إلى أن المعتقلين يواجهون اتهامات بالخيانة. وقال مصدران إن احتجاز الأمير محمد بن نايف وأخيه غير الشقيق نواف تم أثناء وجودهما في مخيم خاص بالصحراء، الجمعة 6 مارس 2020.
وأضافا أن بن سلمان اتهمهما بإجراء اتصالات مع قوى أجنبية، منها الأمريكيون وغيرهم، لتنفيذ انقلاب وذلك في مخطط مكشوف من أجل تعزيز قبضته على السلطة بالكامل.
والصمت المطبق الذي تنتهجه المملكة عموما أثناء الرجات الكبرى التي تضرب العرض يقول ختما بصحة الأخبار التي تناولتها الصحافة العالمية والتي تعتبر وثيقة الصلة ومقربة من العائلة المالكة، بالرغم من عدم رد المكتب الإعلامي للحكومة السعودية على طلب رويترز للتعليق على الأخبار المتداولة باحتجاز الأمراء وكشف محاولتهم الانقلابية، التي نشرت تفاصيلها وول ستريت جورنال الأمريكية.
يقول سعوديون مطلعون ودبلوماسيون غربيون إن من غير المرجح أن تعارض الأسرة ولي العهد في حياة الملك البالغ من العمر 84 عاماً، إدراكاً منها أن من المستبعد أن ينقلب على ابنه المقرب الذي أوكل إليه معظم مهام الحكم.
أما الأمير أحمد، فقد تجنب إلى حد كبير الظهور في مناسبات عامة منذ عودته إلى الرياض، في أكتوبر/تشرين الأول عام 2018، بعد أن أمضى شهرين ونصف الشهر في الخارج.
وقال متابعون للشأن السعودي إنه لم يبدر عنه ما يدل على استعداده لتولي الملك. وخلال رحلة الأمير أحمد للخارج بدا أنه ينتقد القيادة السعودية أثناء رده على محتجين تجمعوا أمام مقر إقامة في لندن وكانوا يهتفون بسقوط أسرة آل سعود، ويبدو أن الأمر الذي وصل لابن سلمان في حينه لم يكن ليمر هكدا دون رد فعل قوي وحازم، لكنه قد أجل الضربة الحاسمة لحين اجتماع المبررات الكافية والتي جاءت مناسبة بعد اتصالات قام بها محمد بن نايف ليأخد عمه الأمير أحمد بدنب ابن عمه، ليخلي الطريق تماما لتوليه العرش.
طريقة الاعتقال وتفاصيلها في حد ذاتها لا تهم بل المهم أكثر هو الرعونة والتخويف المنتهج في سلوك الأمير الطائش في تحييد خصومه، فهو قد أقصى بالتغييب القسري دعاة وعلماء عارضوا مشروعه التغريبي للمملكة، وكتم الهامش الضيق من المتنفس للسعوديين في عهد الملك عبد الله، وزاد الطين بلة بتلطيخ سمعة المملكة التي مازالت لم تمح بقتله لجمال خاشقجي، وبالرغم من نجاحه في القضاء على المنافسين الحقيقيين في الملك، إلا أنه سيحكم إن حكم وحيدا إلا من الخوف الذي سيعيش معه وبه.