المملكة تواجه الواقع أكثر تدهورا بشأن حقوق الإنسان
أكدت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن المملكة تواجه الواقع الأكثر سوءاً في العقود الأخيرة بشأن حقوق الإنسان نتيجة طبيعية لغياب تأثير المجتمع المدني والمثقفين المستقلين في حالة حقوق الإنسان.
وأبرزت المنظمة وسيطرة طرف واحد على كافة تفاصيل المشهد في المملكة، وفق غرائزه الاستبدادية، وهو يتجه في طريق منحدر لا تبدو معالم لنهايته في إشارة إلى فترة حكم ولي العهد محمد بن سلمان.
وأشارت المنظمة إلى أن المملكة تشهد منذ 2015، على وجه الخصوص، تدميراً وسحقاً واستئصالاً لكل القوى المتنوعة.
فقد دُمر المجتمع المدني بشكل كبير جداً، فلا توجد -تقريبا- أي تشكلات مدنية مستقلة أو حتى أفراد. كما عدلت بعض الأنظمة واستحدثت بعض التغييرات، لتصبح أجهزة نظام العدالة والأجهزة التنفيذية موصولة بالملك مباشرة، وتغلق أي احتماليات لاستقلاليتها ولو بنسبة دنيا.
كذلك تنوعت حملات الاضطهاد بين القتل التعسفي أو الاعتقالات الترهيبية، وطالت الكثير من الفئات التي لم يكن يُتصور استهدافها يوماً.
وعلى الجانب الخارجي، فلم تكترث المملكة للمؤسسات الدولية، واستمرت في محاولات التضليل، والتفلت من التزاماتها، وبدى واضحاً الغطاء الذي يوفره حلفائها السياسيين -في الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية- المستفيدين من العوائد الاقتصادية.
ويبدو أن بن سلمان معتمد على غطاء هذه التحالفات وتستمد شراستها مما يوفروه من دعم، وبهؤلاء الحلفاء اللذين ليس بين أولوياتهم حثها جدياً على احترام الحقوق، تندفع في انتهاكات وجرائم ضد الإنسانية، بل إن بعضهم مشاركين ودافعين، كدعم الولايات المتحدة الأمريكية للحرب على اليمن.
كل ما ذكر، جعل من المملكة كالجسد الفاقد للمناعة، وخلت البلاد لفيروس الاستبداد، يتوغل في أعضائه وخلاياه، لتصبح المملكة اليوم جسداً عليلاً يئن تحت وطأة الحقوق المنتهكة.
لذا فكل عام يمر على البلاد، من دون أن تكن لأطراف مستقلة دور في المساهمة في المشهد الحقوقي، ومع دور أحادي للملك سلمان وابنه، فسيكون أسوأ من سابقه، كنتيجة طبيعية للسير في منحدر.
انتهاكات حقوقية
– المدافعات والمدافعون عن حقوق الإنسان والنشطاء
خلال العام 2019، زادت حكومة آل سعود من إحكام الطوق على المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان، من خلال الملاحقات والاعتقالات والمحاكمات، إلا أن اللافت كان توسيع دائرة الانتهاكات إلى خارج السعودية، من خلال استهداف النشطاء المقيمين في الخارج، عبر أساليب مختلفة.
في يوليو 2019 فتحت سلطات آل سعود قضية جديدة بتهم جديدة، للمدافع عن حقوق الإنسان محمد العتيبي، بينها التهرب من المحكمة والسفر إلى قطر والتواصل مع جهات خارجية والتدخل في الشأن العام، وذلك بعد أن حكمته بالسجن 14 عاماً في المحاكمة الأولى التي أدانت فيها أيضاً زميله المدافع عن حقوق الإنسان عبدالله العطاوي، بتهم بينها المشاركة في تأسيس منظمة الإتحاد لحقوق الإنسان. استهداف العتيبي جاء بعد 3 أشهر على إصدار الفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي رأيه في قضيته ومطالبته بالافراج عنه وتأكيد أن اعتقاله يؤكد وجود منهجية واسعة النطاق في الإعتقال التعسفي.
لم يكن العتبيي هو الوحيد الذي تقام له محاكمة ثانية بعد صدور حكم سابق، فقد فتحت السعودية قضية جديدة ضد المدافع عن حقوق الإنسان الشيخ محمد الحبيب، وفي أغسطس 2019 أصدرت حكما ثانياً ضده بتهم بينها إلقاء الخطب والسفر إلى خارج البلاد مع علمه بكونه ممنوع من السفر وأن لديه موعد لدى المحكمة، وتأييد الشيخ نمر النمر. الحكم الذي صدر يزيد مدة اعتقال الشيخ الحبيب إلى 12 عاماً وذلك على الرغم من كافة الانتهاكات التي انطوت عليها قضيته، والتي كان قد أكدها تحليل قانوني أصدره الخبير في القانون الدولي والشريعة البروفيسور محمد فاضل.
إحكام الطوق لم يستثن المدافعات عن حقوق الإنسان، حيث تستمر سلطات آل سعود باعتقال بعضهن منذ قرابة عام ونصف ولم تصدر أحكام بحقهن بعد. ومن بينهن لجين الهذلول، ونوف عبدالعزيز، ونسيمة السادة وسمر بدوي.
إلى جانب الطوق الذي تفرضه سلطات آل سعود على المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان في الداخل، زادت الانتهاكات بحق النشطاء المقيمين في الخارج. ففي 5 مايو 2019، تم استهداف طالب الدكتوراة في القانون الدستوري حمزة الكناني، وذلك بعد ثلاثة أيام على إعلانه مناصرة ضحايا القمع في البلاد، قام أفراد من المباحث بمداهمة منزل أسرته بمحافظة مكة المكرمة، واستولت على أغراضه الشخصية، وتم استدعاء إخوانه وأبناء عمومته للتحقيق عدة مرات، وتم منع عدد من أفراد أسرته من السفر.
وفي أغسطس 2019 مر عام على منع خمسة أطفال وأمهم من السفر، وحرمانهم منذ قرابة عام من لقاء أبيهم الناشط علي هاشم الحاجي المقيم في الخارج. وكانت عائلة الحاجي فوجئت بإيقافها في مطار الملك فهد الدولي بالدمام أثناء قدومهم من لبنان للسعودية في زيارة قصيرة لذويهم، وصُودرت جوازات سفرهم، وأجبروا على التبصيم على أوراق لم تعرف الزوجة محتواها، وأُخضعت للتحقيق في المطار لمدة 3 ساعات، تلا ذلك إستدعاءات متتالية من قبل المباحث العامة في الدمام والأحساء.
في سبتمبر 2019، دخل قرار السعودية منع عائلة الناشط الشيخ د. سعيد الغامدي من السفر وفرض الإقامة الجبرية عليهم في الداخل، عامه الثاني. عائلة الغامدي المكونة من 11 طفلا، تتراوح أعمارهم من 3 إلى 11 عاما، إلى جانب أمهاتهم، منعوا من السفر منذ حملة الاعتقالات التي شنتها السعودية في سبتمبر 2017 ضد أكاديميين ورجال دين ونشطاء، حيث منعوا من السفر عندما كانوا في طريقهم لزيارة أبيهم.
-التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية واللا إنسانية
لم ينتج عن انضمام المملكة لاتفاقية مناهضة التعذيب منذ العام 1997، إي إلتزام بإيقاف التعذيب أو مكافحته، بل أن السعودية مستمرة في إستغلال انضمامها للاتفاقية، بالإشادة بنفسها على المستويين الإعلامي والدولي، بالإضافة إلى نفيها المستمر أمام مجلس حقوق الإنسان وفي ردودها على رسائل المقررين الخاصين للأمم المتحدة، ممارستها لأي تعذيب نفسي أو جسدي، بالرغم من شكاوى التعذيب الكثير التي قدمها الضحايا أمام المحاكم المحلية.
أثبتت جرائم تعذيب المدافعات عن حقوق الإنسان التي انتشرت بشكل واسع على المستوى المحلي والعالمي، خصوصاً في الربع الأخير من 2018، وما أعقبها حتى نهاية 2019 من عدم محاسبة أحد رغم مطالب الضحايا وذويهم، إنه لا يوجد في السعودية نظام قضائي عادل ومستقل بامكانه محاسبة المسؤولين المتورطين بجرائم التعذيب.
ويعد إشراف جهاز رئاسة أمن الدولة -الذي يرجع للملك سلمان مباشرة- على التعذيب، يدلل على إتصال الملك وابنه مباشرة بجرائم التعذيب المتوسعة في البلاد، ما يجعل من المستحيل محاسبة المُعذّبين في الداخل، مع عدم وجود جهاز نيابة عامة مستقل يمكنه تحريك دعاوى إرتكاب جرائم التعذيب وسيطرة الملك وابنه المطلقة على السلطة.
وفي سياق الإعدامات السياسية التي تزايدت، وخصوصاً منذ 2016، وجدت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، ومن خلال العديد من الحالات، أن التعذيب بات إحدى المراحل السابقة لصدور الأحكام الجائرة، ومنها أحكام الإعدامات السياسية، ومنها مجزرة أبريل 2019 التي قتلت فيها 37 سجيناً، كان من بينهم أفراداً تعرّضوا لأنواع مختلفة من التعذيب بهدف انتزاع اعترافات، استخدمت فيما بعد في محاكمتهم، ولم يكترث أي من القُضاة لشكاواهم العديدة من التعذيب.
المواطن عباس الحسن كان ضمن ضحايا مجزرة أبريل، عُذب في التحقيق الذي امتد لشهور، وتجاهلت السعودية طلب المقررين الخاصين في مجلس حقوق الإنسان بالتحقيق في مزاعم التعذيب التي تعرض لها. لم يقتصر التعذيب والمعاملة المهينة والحاطة بالكرامة التي تعرض لها الحسن على فترة التحقيق فقط، بل امتد حتى ما بعد صدور حكمه النهائي بالإعدام وتحويل قضيته لرئاسة أمن الدولة لتنفيذ الإعدام، في مشهد ينم عن التشفي والعبثية، حيث تعرض خلال شهر يناير 2019، أي قبل 3 شهور من قتله، لمضايقات عدة بينها تعذيب جسدي ونفسي.
وفي أغسطس 2019 عبّر الفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي في مجلس حقوق الإنسان عن مدى الرعب والصدمة مما تعرض له الحسن وهدر حقه في الحياة بإعدامه تعسفاً وتجاهل شكاوى تعذيبه.
الانتقادات المتتالية للتعذيب وعدم عدالة المحاكمات لم تغيّر من نهج سلطات آل سعود في قضايا الإعدام، حيث لا زالت تطالب بقتل أفراد عُذِبوا بوحشية وانتزعت منهم الإعترافات تحت الإكراه، ومن بينهم المدافع عن حقوق الإنسان حسين الفرج الذي طالبت النيابة العامة بصلبه، على خلفية نشاطه في قيادة المظاهرات وتصويرها والمشاركة في مسيرات تشييع جنائز متظاهرين قتلتهم القوات الحكومية.
والفرج كان قد أخضع لأنواع وصنوف متعددة من التعذيب تشفياً وبهدف انتزاع اعترافات، بينها قلع أظافره وتعريته والصعق الكهربائي، وفيما أكد الفرج تعرضه للتعذيب أمام القاضي، فإن محاكمته قائمة ولايزال مطلب القتل من النيابة قائماً، ولم يعرف أن النيابة أو القضاء بدأوا أي خطوات في محاسبة من عذبوه.
وضمن الممارسات التي توضع ضمن جريمة التعذيب، لوحظ من خلال بعض الحالات، أن سلطات آل سعود بدأت بإطالة الفترات التي تضع فيها النشطاء في السجن الانفرادي.
فمنذ يناير 2019، عزلت المدافعة عن حقوق الإنسان نسيمة السادة في زنزانة انفرادية من دون مبررات أو معرفة سقف للمدة، ولم تُخرج من الانفرادي بنهاية العام.
ولا تستثني سلطات آل سعود المسنين والمسنات من التعذيب، وقد أفاد تقرير صادر عن منظمة القسط لحقوق الإنسان، تعرض السيدة المسنة عايدة الغامدي لتعذيب مؤلم ومهين، والتي أُعتقلت على خلفية تلقيها هدية نقدية من إبنها الناشط عبدالله الغامدي المقيم في لندن.
تكاثر حالات التعذيب، ووصوله لمراحل متقدمة من البشاعة والوحشية، وانعدام المحاسبة، كلها عناصر أكدت أن ما يحدث في السعودية ليس ممارسة فردية، بل عمل مؤسساتي بأوامر عليا من الملك وولي العهد، وهما من يوفرا الحماية.
وقد تزامن صعود مستوى التعذيب وكثرته بتأسيس جهاز رئاسة أمن الدولة في يوليو 2017 الذي يرتبط مباشرة بالملك، ما يجعل جرائم التعذيب التي يرتكبها في السجون السياسية أو غيرها، تقع في مسؤولية الملك مباشرة. ارتباط الأجهزة القمعية بالملك، وفي ظل عدم وجود فصل للسلطات، يجعل من إمكانية المحاسبة في حكم الاستحالة، ويجعل الإفلات من العقاب هو النتيجة الإعتيادية لجرائم التعذيب الرسمية الواسعة الإنتشار.
– شروط المحاكمات العادلة
استمرت سلطات آل سعود في إصدار أحكام قاسية بناء على محاكمات افتقدت لأدنى شروط العدالة، وصلت في بعض الحالات إلى الإعدام، وقد رصدت المنظمة صدور عشرات الأحكام في 2019 عن المحكمة الجزائية المتخصصة التي تعرف أيضاً باسم محكمة الإرهاب، من بينها عدة أحكام بالإعدام.
والأحكام الصادرة خلال 2019 في القضايا السياسية أكثر مما تمت معرفته من قبل المتابعين من منظمات وإعلام، ويتعذر إحصائها جميعاً بسبب عدم علنية المحاكمات، وبسبب تكتم الضحايا وذويهم جراء الترهيب الذي تمارسه السلطات المعنية.
أما فيما يتعلق بمحاكمات القضايا الجنائية فهي ايضاً تبتعد كثيراً عن شروط المحاكمات العادلة، وقد رصدت المنظمة حكم قتل الطفل عبدالله الحويطي، الذي أحتوى على الكثير من الخروقات الشنيعة، والذي أُتهم بالقتل. وقد تفوق الأحكام الجنائية التي تصدر سنوياً ألف حكم. فعلى سبيل المثال، ووفق بيانات وزارة العدل، أصدرت المحاكم في عام 1435 هـ (5 نوفمبر 2013 حتى 25 أكتوبر 2014) 1104 حكماً في قضايا جنائية متنوعة، جميعها لاتحظى بمراقبة علنية من المجتمع المدني.
في 18 فبراير 2019 أصدر ولي العهد محمد بن سلمان خلال زيارته إلى باكستان، أمراً بالإفراج عن 2107 سجناء باكستانيين في بلاده بشكل فوري. هذا القرار أظهر هامشية نظام العدالة أمام الصلاحيات المطلقة لولي العهد وعدم تمتعه بالاستقلالية.
حين مقارنة شروط المحاكمات العادلة، مع ما يحدث في السعودية، وخصوصاً في القضايا السياسية، يتضح أن هناك شبه انعدام لشروط العدالة. فقبل بدء المحاكمات، تحدث الكثير من الانتهاكات والجرائم، ومن بينها الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري.
ففي 4 أبريل 2019 شنت سلطات آل سعود حملة اعتقالات شملت كتابا ومدونين ونشطاء، تجاوز عددهم الخمسة عشر، من بينهم الطبيبة شيخة العرف وزوجها المحامي والناشط عبد الله الشهري الذين اعتقلا سوية بعد مداهمة منزلهما في الرياض، والكاتبة خديجة الحربي وزوجها الكاتب والناشط في مواقع التواصل الإجتماعي ثمر المرزوقي، كذلك صلاح الحيدر إبن المدافعة عن حقوق الإنسان عزيزة اليوسف، والصحفي والروائي عبدالله الدحيلان، والكاتبين محمد الصادق وبدر الإبراهيم الذي يعمل بمهنة الطبيب. وقد تعرض عدد منهم للاختفاء القسري لمدد متفاوتة.
كما تعمد سلطات آل سعود في حالات أخرى إلى إطالة مدة عزل المعتقلين، مثل حالة الشيخ سمير الهلال المعتقل منذ ديسمبر 2015، والذي يقبع -ولايزال حتى نهاية 2019- في عزلة عن العالم الخارجي بلغت 46 شهراً. هذا العزل البالغ الطول، يشكل تربة خصبة لمختلف أنواع الانتهاكات، والمعاملة المهينة والحاطة بالكرامة، كما يفصح عن حرمان واسع من الحقوق البديهية والأساسية، كحق المثول أمام محكمة على وجه السرعة، ومعرفة التهم، وإمكانية الدفاع عن النفس وغيرها.
استمرت سلطات آل سعود بتوظيف قوانينها المعيبة، كنظام جرائم المعلوماتية ونظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله، في محاكماتها التي تستهدف بها النشطاء والناشطات، على الرغم من الانتقادات التي وجهت لأحكامها القضائية، وخاصة من قبل المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، السابق، بن إميرسون، في تقريره الذي نشر أثناء الدورة 40 لمجلس حقوق الإنسان في فبراير 2019، على إثر زيارته للمملكة.
وفي مارس 2019 أعلنت النيابة العامة أنها انتهت من تحقيقاتها ومن إعداد لوائح الدعوة العامة ضد أشخاص قُبض عليهم من قبل رئاسة أمن الدولة، وأنها بصدد إحالتهم للمحكمة الجزائية المتخصصة. الأفراد الذين أحيلوا إلى المحكمة الجزائية المتخصصة هم معتقلين ومعتقلات من رائدي ورائدات المطالبة بحقوق المرأة وخاصة الحق في القيادة. بعد ذلك، ومن دون أي تفسير قانوني غُيرت المحاكمة من محكمة الإرهاب إلى المحكمة الجزائية التي تختص بالحكم في القضايا الجنائية، ما يوضح غياب المعايير.
وبسبب الخلل في النظام القضائي وانعدام إمكانية القيام بدفاع قانوني حقيقي، اسهمت المنظمة الأوروبية السعودية في تنظيم مؤتمر صحفي، للدفاع عن ضحايا التعسف والظلم، كالسجين الأردني حسين ابو الخير، والشيخ سلمان العودة الذي قام إبنه الدكتور عبدالله بتفويض المحامي الدولي فرانسويز زيمراي. كما تشاركت مع نقابة المحامين الأمريكية ABA لإصدار تحليل قانوني للتهم الموجهة للمدافعين عن حقوق الإنسان إسراء الغمغام وزوجها وزملائهم والذي تطالب النيابة العامة بإعدامهم بموجبها. كما قامت المنظمة بتحليل صكوك أحكام تخص 27 متهماً، وتحليل لوائح تهم تخص 7 معتقلين، ووجدت أن النيابة العامة والقضاة يستخدمون منهجاً متطرفاً لتبرير إعدام وقمع المعارضين، كما في حالات المدافعين عن حقوق الإنسان عصام كوشك، وعبدالعزيز الشبيلي.
– حقوق المرأة
بعد سنوات من النضال النسوي الذي قادته ناشطات ومدافعات عن حقوق الإنسان، للمطالبة بحقوق الإنسان عامة وبحقوق المرأة خاصة، وردة الفعل القمعية العنيفة من قبل الحكومة، وما تضمنته من اعتقالات وتعذيب ومحاكمات تفتقر لشروط المحاكمات العادلة، لم تخجل سلطات آل سعود من الترويج لما وصفته بإصلاحات جذرية في ملف حقوق المرأة.
فبعد التوقف عن حرمانها من قيادة السيارة، وبعد ضغوط التيار النسائي الذي ضغط للوصول لبعض التصحيحات القانونية، صدر في يوليو 2019 مرسوم ملكي حول بعض المواد القانونية المتعلقة بالمرأة.
بموجب هذه التصحيحات تم تعديل جزئي في أربعة أنظمة حكومية، والتي أفضى العمل بها على مدى عقود إلى إبقاء المرأة رهينة الرجل في كثير من قراراتها وتحركاتها. التعديلات التي نشرتها الصحيفة الرسمية أم القرى، شملت (نظام وثائق السفر) و (نظام الأحوال المدنية) و (نظام العمل) و (نظام التأمينات الإجتماعية).
التصحيحات قُدمت في وقت لاتزال انتهاكات وجرائم مريعة تقع على المرأة، بين السجن والمحاكم، وعدم اكتراث بشكاوى التعذيب الشديد والتحرش الجنسي الذي تعرضت له المدافعات عن حقوق الإنسان، إلى جانب استمرار منع العديد من النساء من السفر بشكل تعسفي، وأنباء من وقت لآخر عن استدعاءات لنساء والتحقيق معهن، ووضعهن تحت ضغوط الخوف والقلق من الاعتقال، وغيرها من انتهاكات تمتنع ضحاياها عن البوح، خوفاً من الإنتقام.
تشير الإحصاءات المتوفرة إلى اعتقال 7 نساء في 2019، بينهن مريم آل قيصوم وميساء المانع ومها الرفيدي، من مجموع 69 سيدة اعتقلن في السنوات الأخيرة، وقد تندرج جميع اعتقالاتهن ضمن الاعتقالات السياسية، ومن بينهم العديد من الناشطات والمدافعات عن حقوق الإنسان.
أدت الاعتقالات في صفوف المدافعات عن حقوق المرأة، إلى تقلص الجرأة لدى النساء في داخل البلاد، ولكن لاتزال هناك مطالبات حذرة في عدد من الملفات، مثل الأوضاع المأساوية في دور رعاية الفتيات، والتعنيف الأسري، أو قضايا انعدام الجنسية لأبناء السعوديات المتزوجات من أجانب.
المطالبات تظهر في موقع تويتر غالباً، دون وجود إمكانية للناشطات من ترتيب نشاطهن في جمعيات منظمة ومختصة، بسبب القيود على المجتمع المدني، كما إن أي حديث علني في الانتهاكات الغير مسبوقة التي تتعرض لها النساء في عهد الملك سلمان، أو الحديث في الحقوق المدنية والسياسية، يجعل من المتحدثات أو المتحدثين، عرضة للقمع.
– حقوق الطفل
استمرت في 2019 الانتهاكات بحق الأطفال في المملكة، في مخالفة صارخة لاتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها السعودية منذ 1996، وتجاهلاً لملاحظات وتوصيات قدمتها لجنة اتفاقية حقوق الطفل في الأمم المتحدة للسعودية في 2016، تعليقاً منها على الانتهاكات والجرائم التي رفعتها للجنة عدة منظمات.
لا تكتفي سلطات آل سعود بإعدام المعارضين والمتظاهرين البالغين، بل أنها تشمل الأطفال في إعداماتها، حيث أقدمت على قتل 6 قاصرين ضمن مجزرة أبريل. وهم: عبدالله سلمان آل سريح، مجتبى نادر السويكت، محمد سعيد السكافي، سلمان أمين آل قريش، عبد العزيز حسين سهوي، عبدالكريم محمد الحواج. قال الستة أمام المحكمة أنهم أخضعوا لتعذيب وحشي في فترة التحقيق من أجل التوقيع على اعترافات كتبها المحققين بأنفسهم، لكن القضاة لم يكترثوا لدعاويهم واصدروا أحكام الإعدام بحقهم.
الإعدامات التي طالت الأطفال، أتت ضمن نهج يفتقد فيه الأطفال للأمان، جراء سلوك الحكومة السعودية تجاههم والذي إزداد خطورة في عهد الملك سلمان، حيث أعدم في عهده 10 قاصرين على الأقل، لم يُعرف إن أي منهم قد حظي بمحاكمة عادلة. إضافة إلى ذلك وبحسب رصد المنظمة الأوروبية يواجه حتى نهاية 2019، ثلاثة عشرة قاصرا خطر الإعدام، بينهم علي النمر وداوود المرهون وعبد الله الزاهر الذين يواجهون أحكاماً نهائية، وجلال آل لباد وأحمد الفرج وعلي آل بطي ومحمد حسين آل نمر ومحمد عصام الفرج وعلي حسن الفرج الذين طالبت النيابة العامة لهم بالإعدام ولا زالت محاكمتهم مستمرة.
ولا يقتصر خطر الإعدام على الأطفال في الاعتقالات السياسية، حيث وثقت المنظمة قضية الطفل عبدالله الحويطي، المتهم بالقتل، في ظل معلومات تشير إلى براءته، الأمر الذي يفتح احتمالية واسعة لوجود قاصرين في السجون الجنائية أيضاً يواجهون الإعدام أو أحكاماً أخرى قاسية.
إلى جانب المحاكمات غير العادلة وعمليات الإعدام، يحتمل تعرض الأطفال لأنواع أخرى من الانتهاكات. فلقد تلقت المنظمة شكوى حول قيام موظفين في إحدى دور الملاحظة، وهي السجون المخصصة للأطفال، بالاعتداء الجنسي المتكرر على أطفال معتقلين. وبحسب الشكوى، فإن أغلبهم يخشون الإفصاح عما يتعرضون له، خشية التعذيب والمزيد من التنكيل، ومع انعدام من الثقة في أن تقوم الأجهزة الحكومية بحمايتهم من الإنتقام، ولم يعرف حتى نهاية 2019 قيام النيابة العامة بإجراء أي تحقيقات في الشكوى التي نشرت المنظمة معلومات حولها.
– الإعدام
بلغت المملكة في 2019، رقماً قياسيا جديداً في أحكام القتل المنفذة، بالمقارنة بما هو متاح من إحصاءات للسنوات السابقة. حيث بلغ 185 إعداما، في حين كان الرقم الأكبر المسجل 157 في 2015، السنة الأولى التي تولى فيها الملك سلمان حكم البلاد. يأتي هذا الصعود الدموي في تنفيذ أحكام الإعدام، على النقيض من الوعد الذي أطلقه ولي العهد في أبريل 2018 بتقليص أحكام الإعدام إلى الحد الأدنى الممكن.
استهلت سلطات آل سعود الشهر الأول من 2019 بإعدام 4 مقيمين يمنيين بتهمة القتل. وقد شهد 3 منهم في اللحظات الأخيرة قبل قطع رؤوسهم، أن المتهم الرابع ياسين محمد علي، بريئاً من تهمته، لكن السلطات المعنية لم تكترث لشهادتهم، وقطعت رؤوس الأربعة جميعاً. أنذرت هذه البداية الدموية والقاسية، بعام إعدامات غير مسبوق.
بلغت الدموية ذروتها في بداية الربع الثاني من العام، مع مجزرة إبريل التي راح ضحيتها 37 سجيناً، وهي المجزرة الثانية في عهد الملك سلمان، بعد مجزرة يناير 2016 التي قطعت فيها رؤوس 47 سجيناً، كان من بينهم المطالب بالعدالة الاجتماعية الشيخ نمر النمر وأطفال ومتظاهرين.
شملت مجزرة أبريل 2019، قتل 6 أطفال، كما شملت متظاهرين ونشطاء، وكانت المحاكمات التي تسنى للمنظمة رصدها، بعيدة كل البعد عن شروط المحاكمة العادلة، وتعرض معظمهم لتعذيب شديد. الأحكام المنفذة تجاهلت مطالب من الأمم المتحدة بوقف إعدام عدد منهم وإعادة محاكمتهم بعدالة. من بينهم، الشاب منير آل آدم الذي كانت اللجنة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة قد طالبت بوقف إعدامه. إضافة إلى ذلك، كان من بين الضحايا حيدر آل ليف، الذي سبق أن أكدت السعودية في ردها على شكوى وردتها من آليات الأمم المتحدة، تغيير حكمه من الإعدام إلى السجن 8 سنوات، مشددة إن حكمه صدر بصيغة نهائية، غير أن السعودية قتلته بشكل مفاجيء وصادم، ولم يُحاسب أي مسؤول عن قتله.
وحتى نهاية 2019، يواجه 47 سجيناً خطر الإعدام في مختلف درجات التقاضي، بينهم 13 شخصاً وجهت لهم تهماً تعود لفترات كانوا فيها قاصرين، ثلاثة منهم أحكامهم نهائية، وهم: علي آل نمر، عبدالله الزاهر، داوود آل مرهون، كما يوجد حكم ابتدائي واحد ضد عبدالله الحويطي. أما الثمانية المتبقون فتطالب النيابة العامة بصلبهم، من بينهم، جلال حسن لباد، محمد عصام الفرج، محمد حسين آل نمر، سجاد ممدوح آل ياسين.
لا يزال أغلب المهددين بعقوبة الإعدام يحاكمون في المحكمة الجزائية المتخصصة بالرياض، بينهم معتقلين من ضمن حملة شرسة شنتها السعودية في سبتمبر 2017، حيث يحاكم الشيخ سلمان العودة والشيخ عوض القرني، بالإضافة إلى الدكتور علي العمري.
تطالب النيابة العامة بقتلهم بدون أي تهم جسيمة، بل على خلفية تهم فضفاضة كالانضمام لجماعة الإخوان المسلمين، الإشادة بالاعتصامات والمظاهرات، الإعتراض على بيان الدول المقاطعة لدولة قطر، والانضمام لتجمعات واتحادات علمية مخالفة لمنهج كبار العلماء الرسميين.
كما يتهدد الإعدام الباحث حسن فرحان المالكي، على خلفية تهم معظمها تتعلق بآرائه الدينية وبحوثه التاريخية ومؤلفاته وإمتلاكه لبعض الكتب. حيث اشتهر بآرائه المختلفة عن الإيديولوجية الرسمية ونقد الفكر الديني الرسمي ما تسبب له بمضايقات حادة واستدعاءات وسجن في فترات سابقة. تكشف المطالبة بإعدامه زيف تصريحات ولي العهد محمد بن سلمان وادعاءاته بتعزيز الاعتدال، وتؤكد أنه يستخدم الفكر المتطرف بشكل واسع في مؤسسة القضاء غير المستقلة من أجل تبرير قتل أصحاب الرأي والمعارضين.
وفيما أُقفل 2019 على استمرار محاكمة المدافعة عن حقوق الإنسان إسراء الغمغام، أصدر المحامي الدولي لحقوق الإنسان أوليفر ويندريدج ملاحظات قانونية في مذكرة قصيرة، أشار فيها إلى أن لائحة التهم ضدها وخمسة من المدافعين عن حقوق الإنسان المدرجين معها في القضية، تمثل إنتهاكاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان.
بعد ذلك، في فبراير 2019، غيّرت النيابة العامة طلب الإعدام في قضيتها إلى السجن، ما ظهر على أنه مراوغة لم تحقق العدالة، نتجت عن ضغوط واستهجان لطلب إعدامها، بينما استمرت النيابة بطلب إعدام زوجها السيد موسى الهاشم والثلاثة الآخرين: أحمد المطرود، علي العويشير، خالد الغانم، رغم تشابه تهمهم معها إلى حد كبير يصل إلى حد التطابق في أغلب التهم، ما يؤكد عدم وجود معايير موضوعية للعدالة، وخضوع القضاء بشكل تام للحكومة السعودية.
فيما باتت قضية المواطن الأردني المهدد بالإعدام حسين أبو الخير في أخطر مراحلها، بعد نفاذ كافة الخطوات القانونية، وصدور حكم نهائي بإعدامه، وذلك على الرغم من تأكيد الأمم المتحدة انطواء قضيته على انتهاكات شنيعة، وقد يُقطع رأسه في أي لحظة بعد أن يوقع الملك السعودي -أو من ينيب عنه- على حكم إعدامه.
لم تغير سلطات آل سعود من سياستها في قتل القاصرين، وبحسب آخر إحصاء المنظمة، فإن عدد من تم إعدامه أو مهدد بالإعدام ارتفع إلى 23 قاصراً، الغالبية العظمى منها تقع ضمن عهد الملك سلمان. وقد أوضحت قضية الطفل مرتجى قريريص شهية السعودية المفتوحة لقتل القاصرين، دون اكتراث إن بعض التهم الموجهة له كانت تشير لسنه حينما كان 11 عاما. النيابة العامة لم تكتف بطلب قتل الطفل مرتجى بل طالبت أيضا بصلبه بعد القتل، وذلك قبل أن يحكم القاضي بسجنه 12 عاما، نتيجة لاستهجان واسع واستنكار للرغبة الشنيعة بقتله، ولازالت قضيته مع نهاية 2019 لم تنته، ولايزال حكم سجنه 12 عاماً منظوراً في الاستئناف في ظل طلب النيابة العامة بقتله.
وفيما يتعلق بقضايا الإعدام، تستمر سلطات آل سعود بممارسة سياسة احتجاز جثامين الأفراد الذين تم قتلهم بطرق مختلفة، حيث أن الجثامين المحتجزة في 2019 فقط، بلغت 52، ليبلغ العدد منذ 2016 وحتى 2019، ووفق آخر تحديث للمنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان 85 جثماناً، في انتهاك للقوانين الدولية، وإصرار على تعذيب ذوي الضحايا نفسياً عبر حرمانهم من توديع ابنائهم ودفنهم وفق طريقتهم وحرمانهم من زيارتهم.
– القتل خارج نطاق القضاء
لم تكتف سلطات آل سعود خلال 2019 بالقتل وإصدار أحكام القتل عبر القضاء فحسب، بل استخدمت القوة المفرطة بين الأحياء السكنية، ما نتج عنه عدة حالات قتل خارج إطار القانون.
فخلال 2019 قتلت القوات -على الأغلب تتبع جهاز رئاسة أمن الدولة الذي يرجع للملك سلمان مباشرة- 22 مواطناً على الأقل، خلال مداهمات متعددة. أولى هذه المداهمات كانت في يناير 2019، حين قتلت 6 مواطنين في مدينة أم الحمام في محافظة القطيف. استمر الإعلام الرسمي بترديد رواياته المعتادة في مثل هذه العمليات، والتي تدين الضحايا وتتهمهم بالتحضير لعملية إرهابية.
في السياق ذاته، قتلت سلطات آل سعود في أبريل 2019 المواطنين ماجد الفرج ومحمود آل زرع، بينما كانوا يتحركون بسيارتهم، والمواطن الفرج من المطلوبين على قائمة تضم تسعة أشخاص. بحسب مصادر للمنظمة يمتنع بعض الأفراد المطلوبين عن تسليم أنفسهم للجهات الأمنية خشية من التعذيب المميت الذي يُمارس في سجون المباحث، والمحاكمات غير العادلة، والتساهل الشديد في أحكام الإعدام.
قوات الأمن التابعة لرئاسة أمن الدولة شنت كذلك مداهمة صباح سبت 11 مايو، في بلدة سنابس الواقعة ضمن جزيرة تاروت في محافظة القطيف. استمرت المداهمة أكثر من سبع ساعات، استخدمت فيها أسلحة مختلفة بينها 20 آلية من المدرعات العسكرية والمركبات المدنية المصفحة، وقتلت 8 أشخاص، وأحدثت أضرار كبيرة في الممتلكات، حوصرت أثنائها البلدة واستخدام أسلحة ثقيلة، وهدمت بعض المنازل دون أي تبرير.
تنطوي المداهمات التي تدأب سلطات آل سعود على تنفيذها، على انتهاكات وخروقات وجرائم عديدة، من قبيل القتل خارج نطاق القضاء، وترهيب المدنيين، والاعتقالات التعسفية، وإتلاف الممتلكات، وسرقة بعض الممتلكات من المنازل في بعض الحالات بما في ذلك مبالغ مالية.
لا يُلحظ أن سلطات آل سعود تحرص في مثل هذه المداهمات على تدابير لتجنب قتل الأشخاص المستهدفين. كذلك يتعذر في السعودية تقديم شكاوى قضائية على الأجهزة والأفراد الذين يشتركون في المداهمات، بسبب الحماية التي يوفرها لهم الملك وابنه.
– انعدام الجنسية (البدون)
راوحت قضية الأفراد المحرومين من الجنسية في المملكة مكانها في 2019، على الرغم من تقديم الحكومة السعودية مرارا وعوداً بحل مشكلتهم. وعلى الجانب الآخر، تستهدف المدافعين عن حقوق (البدون) بأنواع مختلفة من القمع والانتهاكات بهدف كم أصواتهم ومنع تداول المعاناة.
مع بداية الموسم الدراسي في سبتمبر 2019، ظهرت معاناة أطفال البدون في الحصول على حقهم الأساسي في التعليم، حيث انتشر عدد من مقاطع الفيديو لأطفال بعد طردهم من المدرسة في أول يوم دراسي على خلفية عدم امتلاك أوراق ثبوتية ومنها فيديو الطفلة نوار العنزي. وفيما تمّ حلّ المشكلة سطحيا، فإن السعودية لا تزال تحرم فئة البدون من كثير من حقوقهم، ومن ذلك الحق الكامل في العمل والحق الكامل في التعليم العالي وغيرها، والتي كانت المنظمة الأوروبية قد وثقت عددا منها في تقارير سابقة.
قضية الحرمان من الجنسية تداولها مقرّرون خاصّون في الأمم المتحدة، حيث وجه كل من المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان للمهاجرين، والمقرر الخاص المعني بشؤون الأقليات، والمقررة الخاصة المعنية بالأشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب، رسالة إلى الحكومة السعودية في فبراير 2019، أشارت إلى قضية كل من خاتم فرج الله ووالده ماجد فرج الله، الفلسطينيين. الرسالة أوضحت أنهما يحملان الجنسية الفلسطينية إلا أنهما بحكم الأمر الواقع باتا في عداد عديمي الجنسية. المقررون أشاروا إلى أن الحق في في الجنسية معترف به ومحمي بموجب القانون الدولي.
تعاني فئات متعددة في المملكة جراء التطبيق العملي للقوانين التي تتعلق بالجنسية، وكذلك المتعلقة بالإقامة. وبشكل تقريبي، تعتقد المنظمة أن عددهم قد يصل إلى ثلاثة ملايين، بين فئات بلا جنسية، وفئات لديها إقامات بأشكال متنوعة ولكنها تعاني من تعقيدات وصعوبات جمة.
– حرية الرأي والتعبير
خلال 2019 تزايدت القيود على حرية الرأي والتعبير، واستمرت ملاحقة الصحفيين وتزايدت أعداد معتقلي الرأي في السجون.
وفيما أكد تقرير المقررة الخاصة المعنية بحالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفاً أغنيس كالامارد الذي صدر في يونيو 2019 تحميل المسؤولين السعوديين قتل الصحفي جمال خاشقجي على خلفية تعبيره عن رأيه بما يخالف التوجهات الرسمية، لم تطبق الحكومة توصيات كالامارد في اتخاذ خطوات جدية لمحاسبة المسؤولين، إنما قدمت محاكمة هزلية جلبت سخطاً واسعا.
إلى جانب ذلك، استمرت سلطات آل سعود بانتهاكات ضد الصحفيين والمدونين، بينها اعتقال الصحفي الأردني عبدالرحمن فرحانه منذ فبراير 2019.
وعلى الرغم من الانتقادات الدولية التي وجهت إلى سلطات آل سعود وتخفيض مرتبتها عالميا إلى 172 من أصل 180 دولة في التصنيف الدولي الذي تصدره منظمة مراسلون بلا حدود، لا زالت أعداد الصحفيين المعتقلين في تزايد. إلى جانب ذلك في أبريل 2019 شنت السعودية إعتقالات طالت كتاباً ومدونين ونشطاء وصل عددهم بحسب إلى خمسة عشر.
من بين المعتقلين من كان يعبر في أوقات سابقة عن آرائه في شؤون تتعلق بالإصلاح وبحقوق الإنسان وحقوق المرأة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمقالات والكتب، ولكن بسبب تصاعد القمع في عهد الملك سلمان وإبنه، توقفوا منذ فترات طويلة، ورغم ذلك اعتقلوا، ما يعد رسالة تخويف وتذكير مستمرة، بوجود خطر الاعتقال على الكثيرين من أبناء الشعب بسبب إبداء الرأي في أي وقت.
وينطبق ذلك على حملة اعتقالات شنتها سلطات آل سعود في نوفمبر 2019 استهدفت صحفيين ونشطاء من بينهم وعد المحيا، عبدالعزيز الحيص، وبدر الراشد، وسليمان الصيخان الناصر، ومصعب فؤاد العبدالكريم، وعبدالمجيد البلوي، وعبدالرحمن الشهري، وفؤاد الفرحان.
– الإخفاء القسري
يعد الإخفاء القسري من أبغض الانتهاكات لحقوق الإنسان، لكونه يحرم الضحية من حقه الأساسي في الحرية، كما يقترن في حالات بتعذيب وحشي مميت، بالإضافة إلى ما يلحق بذويه من آثار نفسية سيئة جراء عدم معرفتهم بمصيره.
ومن بين أشهر أربع حالات إخفاء قسري في السعودية، لم تستجد معلومات إلا في حالة واحدة، فيما باتت الحالات الأخرى على حالها من الغموض. فوفق مصادر موثوقة تواصل الصحفي تركي الجاسر هاتفياً مع أسرته في نهاية ديسمبر 2019، بعد إخفاء قسري دام 656 يوماً.
اعتقلت سلطات آل سعود الصحفي تركي الجاسر في 15 مارس 2018، بعد حصولها على معلومات من مكتب شركة تويتر في دبي تفيد بأنه من يدير حساب “الكشكول” المعارض للحكومة، بحسب مصادر إعلامية.
فيما ظل مصير المعارض أحمد المغسل -أقدم معتقل مخفي قسرياً في السعودية- حتى نهاية العام 2019 مجهولاً. وقد أكمل في نهاية 2019، 1588 يوماً منذ أن تسلمته السعودية من الحكومة اللبنانية بعد القبض عليه في مطار بيروت. أشارت مصادر للمنظمة أن المباحث رفضت الإفصاح عن مصيره أثناء مراجعة ذويه وسؤالهم عنه، وأن أحد العناصر قال لهم:” أعتبروه ميتاً ولا تسألوا عنه”.
أما فيما يتعلق بالداعية سليمان الدويش (23 سبتمبر 1968) لاتزال السعودية تتجاهل الرد على رسالة الفريق العامل المعني بالاختفاء القسري التابع للأمم المتحدة منذ يوليو 2017، التي استفسر فيها عن مصيره. اُعتقل الداعية سليمان الدويش في 22 أبريل 2016 خلال زيارته لمدينة مكة المكرمة، وحتى نهاية 2019 أكمل 1347 يوماً منذ اعتقاله واخفائه قسرياً.
كما لا يزال مصير موظف الهلال الأحمر السعودي عبدالرحمن السدحان غامضاً بعد مضي 659 يوماً على اعتقاله من مقر عمله في 12 مارس 2018.
تستخدم سلطات آل سعود الإخفاء القسري بشكل ممنهج ولأهداف عديدة وكمقّدمة لجملة انتهاكات. هذا النهج أشارت إليه رسائل الفريق العامل المعني بالاختفاء القسري إلى جانب القضايا التي تابعتها المنظمة وهو ما أظهر أن الإخفاء قد يكون مقدمة للتعذيب والحرمان من الحقوق.
وخلصت المؤسسة الحقوقية إلى أن الخطورة الرئيسية لواقع حقوق الإنسان في المملكة تمثلت في تحول أجهزة العدالة، كالنيابة العامة والقضاء، إلى أدوات لاستهداف المضطهدين بدلاً من حمايتهم والوقوف إلى جانبهم، وباتت هذه الأجهزة مصدر خوف بدلاً من أن تكون محلاً للطمأنينة، وفي نفس الوقت باتت هذه الأجهزة مظلة لحماية المسؤولين الكبار أصحاب القرار أو تابعيهم، عن المسائلة والعقاب.
كما إن استمرار سلطات آل سعود في الاهتمام بتقوية أدوات التضليل، مثل المؤسسات الإعلامية، أو المؤسسات الرسمية الحقوقية، فضح انعدام النوايا في ممارسة إصلاح صادق.