نددت أوساط المعارضة الوطنية في السعودية بتزايد استخدام السلطات السعودية للإعدامات كسلاح لتكريس الاستبداد والقمع الشامل في البلاد بما في ذلك عبر تلفيق الاتهامات وتغييب العدالة في المسار القضائي.
وشجب أعضاء حزب التجمع الوطني، إعلان وزارة الداخلية السعودية تنفيذ حُكم القتل بمواطن زعمت إقدامه على ارتكاب أفعال مجرمّة تنطوي على خيانة وطنه، والقيام بأعمال إرهابية بهدف الإخلال بأمن المجتمع واستقراره.
واتهم هؤلاء ولي العهد محمد بن سلمان، باستخدام الإعدامات لمآرب “سياسية” تستهدف ترهيب الشعب وإسكاته وإحكام قبضته على السلطة.
وأعلنت وزارة الداخلية السعودية قبل أيام عن تنفيذ حكم القتل بحق المواطن السعودي ظافر بن محمد بن عبدالله الشهري بدعوى ارتكابه أعمال إرهابية، مشيرة إلى أن النيابة العامة وجهت له تلك التهم والمحكمة الجزائية المتخصصة أصدرت حكما يقضي بثبوت إدانته، وحكمت عليه بالقتل، وأيدت محكمة الاستئناف الجزائية الحكم.
والجزائية المتخصصة أنشئت في عهد الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، في أكتوبر/تشرين الأول 2008، بدعوى محاكمة المتهمين بارتكاب جرائم متعلقة بالإرهاب والأمن الوطني، وبمزاعم أنها “هيئة قضائية شرعية”، واستُخدمت منذ 2011 بصورة ممنهجة لمقاضاة الأشخاص بناءً على تهم مبهمة.
وتتكون المحاكم الجزائية من ثلاثة دوائر، وهم دوائر القصاص والحدود، دوائر الأحداث، الدوائر التعزيرية، على أن تتكون كل دائرة من ثلاثة قضاة، والأحكام الصادرة من المحكمة الجزائية نافذة، لا تقبل بتقديم الطعن أو الاستئناف ضدها، وتساوي غالباً بين الأنشطة السياسية السلمية والجرائم المرتبطة بالإرهاب.
وبحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية بعنوان “تكميم الأفواه المعارضة: المحاكمات المسيّسة أمام المحكمة الجزائية المتخصصة في السعودية”، فإن السلطات السعودية تستخدم المحكمة الجزائية كسلاح للإسكات الممنهج لأصوات المعارضة، ولإضفاء هالة خاطئة من المشروعية على إساءة استخدامها لنظام جرائم الإرهاب لإسكات صوت معارضيها.
وأكدت أن كل مرحلة من مراحل العملية القضائية في هذه المحكمة مشوبة بانتهاكات حقوق الإنسان، بدءاً بالحرمان من حق الاستعانة بمحام، مروراً بالاعتقال بمعزل عن العالم الخارجي، وانتهاء بالإدانات المبنية حصراً على ما يسمى “باعترافات” تُنتزع تحت وطأة التعذيب.
وبحسب منظمة القسط لحقوق الإنسان، فإن السلطات السعودية نفذت حتى منتصف أغسطس/آب 2024، 19 عملية إعدام، مما رفع إجمالي عدد الإعدامات لهذا العام إلى 145، ويشمل ذلك إعدام عبدالله القنيان في 10 أغسطس، الذي صدر الحكم عليه من قبل المحكمة الجزائية المتخصصة بتهمة “التعاطف مع المحتجزين في قضايا إرهابية”.
واستنكرت تعريف نظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله (نظام مكافحة الإرهاب)، الإرهاب تعريفًا فضفاضًا لا يشترط استخدام العنف لتصنيف الأعمال كأعمال إرهابية، بل ويشمل توصيفات صريحة في استهدافها الأعمال غير العنيفة مثل “الإخلال بالنظام العام.
وفي ذات اليوم الذي أعلنت القسط إحصائتها، أفادت السلطات السعودية بإعدام المواطن عبد المجيد النمر (59 عاما)، وهو أب لأربعة أطفال متحدر من القطيف شرق المملكة ذات الغالبية الشيعية، بدعوى انضمامه إلى “خلية إرهابية تابعة لتنظيم القاعدة” السنية، وهو الحدث الذي أثار غضب واسع أعرب عنه أعضاء بحزب التجمع الوطني وناشطون حقوقيون.
وبدوره، أكد العضو المؤسس في حزب التجمع يحيى عسيري، أن تزايد الإعدامات داخل المملكة تدل على توسع السلطات السعودية في التعزير، الذي هو تقدير من القاضي من غير حد ولا قصاص، واستسهال للعقوبة في ظل محاكمة غير عادلة، وتوسع في الإعدام السياسي، وانتزاع أقوال تحت التعذيب.
ورأى أن إمعان السلطات في استخدام عقوبة الإعدام يؤكد أن العقوبة “غير شرعية وغير قانونية وغير إنسانية” وأنها سلاح بيد سلطات مستبدة وقضاء تنفيذي غير نزيه ولا مستقل، ولا يمكن الوثوق بأحكامه، مشيرا إلى أن التهم الموجهة للمعدومين لا يمكن تكييفها قانونياً وفضفاضة وغير محددة قانونيًا وغير متسقة مع الوقائع المنسوبة لأصحابها، والسبب عدم استقلال القضاء.
وقال المتحدث باسم الحزب أحمد حكمي، إن ما تقوم به السلطات السعودية من إعدامات بحق مواطنين عزّل بمبررات واهية ليس لها معنى، كالقيام بأعمال مجرّمة أو خيانة الوطن أو التعاطف مع خلايا متّهمة، مؤكدا أن الإعدامات ما هي إلا سياسة موجّهة لإرهاب الشعب وبثّ الخوف في صدورهم.
وأضاف أن بن سلمان، يتبع نهج القمع والتنكيل حتى يَثبت حكمه، مؤكدا أن ذلك لا يدلّ إلا على شخصية مضطربة مزعزعة ترى العنف والإرهاب طريقاً للاستقرار.
وتابع حكمي: “قد يكون هذا الإرهاب المتزايد ضد المواطنين العزّل مؤشراً لموت الملك! فيسعى بن سلمان من خلاله إلى نشر الخوف استباقاً لإعلان وفاة أبيه مما يؤكد ما نذهب إليه من نفسيته المضطربة الممتلئة بالريبة، لكن لا يمكنني الجزم بهذا التسبيب فالإعدامات لم تتوقف منذ تولي الملك سلمان الحكم”.
وأدان كل هذه الإعدامات المسيّسة التي تخلو من أي عدالة أو نزاهة، وحذر من خطورة تسليم فرد واحد كل السلطات، داعيا إلى استقلال القضاء ووقف تطبيق عقوبة الإعدام.
واستنكر عضو الحزب ناصر العربي، التزايد الكبير في تطبيق الإعدامات مؤخرا أكثر من أي وقت مضى، وعده مؤشر مخيف حول الأسباب الحقيقية لارتفاع هذه الإعدامات.
وأكد أن غالبية الإعدامات المطبقة مؤخرا “إعدامات سياسية بالمقام الأول”، بذريعة “الخيانة العظمى”، معربا عن أسفه على أن معظم الإعدامات يكون ضحاياها من الموظفين العسكريين دون وجود تفاصيل كافية حول إثبات الخيانة.
وأوضح العربي، أن أهم مؤشرات تزايد الإعدامات أن الدولة تضيق ذرعا بأي نقد، خاصة أنها تطبق على أسماء لم نسمع عنها سابقا ويتبين لاحقا أنهم مسالمين.