يجمع نظام آل سعود المليارات من الدولارات في خزينته كل عام من موسم الحج المعظم لدى المسلمين لاستخدام الجزء الأكبر منها في محاربة المسلمين وقتلهم سواء في اليمن أو غيرها من الدول.
وداخليا يكرس نظام آل سعود بهذه العوائد السنوية حكمه القائم على القمع والبطش للمملكة بما في ذلك مطاردة أي مصدرٍ من مصادر الصحوة والتنوير لإطفائها.
وما ينفقه الحجاج والمعتمرون كل عام يوازي، وفق بعض التقديرات، ما يدخل خزينة بلاد الحرمين من البترول إن لم يزد عنها.
فهذه العبادة هي بمثابة منجم ذهب لحكام تلك البلاد، ولا يعتدّ هنا بالرأي القائل إن تلك الإيرادات تصب في صالح القطاع الخاص، وليس في خزينة الدولة، ولا تمثل من الناتج المحلي أكثر من 4%، القطاع الخاص هو مصدر دخل مباشر لخزينة الدولة، بما يجبى منها من مكوس وضرائب وغيرها، مباشرةً وغير مباشرة.
ويكفي هنا أن نتذكّر ما تم جمعه من مليارات من معتقلي فندق الريتز كارلتون، وهم من كبار رجال القطاع الخاص، علما أن التصريحات الرسمية المنسوبة لمسؤولين في بلاد الحرمين تقول إنه تم جمع ما يزيد عن 50 مليار ريال سعودي (13.33 مليار دولار) من هؤلاء، والله وحده يعلم كم تم فعلا جمعه.
هذه المليارات يجمعها فقراء المسلمين ومتوسطو الدخل عموما من كدهم وعرقهم، ويدّخرونها فلسا فلسا لأداء فريضة الحج، أو سنة العُمرة، ثم تذهب على ملذات فائضة عن الحاجة، أو تخصّص لإرضاء حلفاء نهمين لا يشبعون بحجة حماية كراسي الحكم، أو تهدر في مشروعات مجنونة بلا مستقبل، أو تتحول إلى قنابل وطائرات ومعدات موت تقتل الأطفال وتدمر المدارس والمستشفيات بأوامر من نظام آل سعود.
وتتصاعد الدعوات منذ سنوات في الدول الإسلامية إلى مقاطعة الحج والعمرة في ظل تسييس نظام آل سعود إدارة الحرمين وفي ظل سياسات هذه النظام القائمة على البطش داخليا وخارجيا وأحد مصادر تعزيز قوته لذلك موسم الحج والعمرة.
والدعوات لمقاطعة الحج تحت إدارة آل سعود لا تبتعد كثيرا عن مشروعية “بلغ سيل العدوان على محارم الله وخلقه زُبى لم يبلغه من قبل، خصوصاً ممن “يخدمون الحرمين” “التقديس” في ظل الاحتلال، بالتعبير الدارج على ألسنة العامة.
والمقصود بها زيارة القدس الشريف والصلاة في المسجد الأقصى، بعد أداء فريضة الحج، كما درجت العادة قبل أن يقع الأقصى أسيرا في أيدي المحتلين، حيث اعتاد الحجاج أن يختموا رحلتهم الروحية بعد شد الرحال إلى المسجدين الحرام والنبوي، بشد الرحال إلى القدس والمسجد الأقصى، ولكن هذه الرحلة توقفت بعد عام النكسة 1967.
ولا مقارنة هنا بين حكام بلاد الحرمين ومحتلي فلسطين بالقطع، فمقارنةٌ كهذه أكثر من عرجاء ومتعسّفة، حتى ولو كان هؤلاء الحكام عونا للمحتلين هذه الأيام، ومن دعاة التطبيع علنا، عبر ذبابهم الإلكتروني، وعبر اتفاقيات سرّية باتت تظهر آثارها على سياساتهم العامة في ملاحقة الناشطين المسلمين، سواء من مواطنيهم أو من المقيمين في بلادهم، وذلك كله بأوامر من قادة الاحتلال، وتحقيقا لرغباتهم، وإلا كيف نفهم موقف أولئك الحكام في وسم تنظيمات المقاومة الفلسطينية، كحركة حماس وغيرها بما يسمونه الإرهاب، وقد كانت من قبل محط رعاية هؤلاء الحكّام، ومصدر تمويل علني ورسمي وشعبي لها، وفجأة انقلبوا على أنفسهم، فغدا المجاهدون إرهابيين، وغدت منظماتهم ملاحقة و”خارجة على القانون”.
بل تعدّى الأمر إلى ملاحقة واعتقال كل صاحب رأي يناصر المقاومة، باعتباره مهدّدا لـ “أمن المملكة” وما هو كذلك، إلا إذا كان المقصود هنا مملكة “إسرائيل”.
عليه فإن الحديث اليوم عن مشروعية الحج والعمرة في ظل هذا كله أمرا طبيعيا ومشروعا، ومن ذلك مطالبة الأمين العام لنقابة الأئمة في تونس، فاضل عاشور، مفتي الجمهورية عثمان بطيخ بتعطيل الحج لهذا العام، نظرا إلى ارتفاع التكلفة قياسا بالظروف الاقتصادية التي تعيشها البلاد، مشيرا إلى أنه “من الأفضل صرف هذه الأموال لتحسين أوضاع التونسيين”.
وقال عاشور إن السعودية “تستخدم أموال الحج في العدوان على دول عربية وإسلامية مثل سورية واليمن، وهذا مخالف للشريعة الإسلامية”.
الثانية، ما أورده الإمام الجويني الفقيه الشافعي المعروف، وأحد رواد الفقه السياسي الإسلامي، في كتابه “الغياثي أو غياث الأمم في التياث الظلم” صفحة 453: تحت عنوان: “حكم خروج نظام الملك للحج”، ونظام الملك هو الحاكم في زمانه، وقد كانت هناك خطورة ربما تعرّض لها الحاكم عند سفره للحج، فأفتاه الجويني بعدم ذهابه، نظرا لما يحفّ الرحلة من مخاطر، ومما قاله: “وقد أجمع المسلمون قاطبة على أن من غلب على الظن إفضاء خروجه إلى الحج إلى تعرّضه أو تعرّض طوائف من المسلمين للغرر والخطر، لم يجز له أن يغرّر بنفسه وبذويه، ومن يتصل به ويليه، بل يتعين عليه تأخير ما ينتحيه، إلى أن يتحقق تمام الاستمكان”.
ولعل من الضرر المستجد هنا، مما لم يكن على زمن الجويني، ذهاب أموال الحج والعمرة لتمويل قتال المسلمين ومشروعاتهم النهضوية ومناصرة الاحتلال، ونشر الفحش والمنكرات بدعوى “الترفيه” و”التحضر”.