يعارض نظام آل سعود تحولاته الجذرية التي أحدثها ولى العهد محمد بن سلمان بعدما خفف قيوده الصارمة بحق المرأة كقيادة المركبة العامة وسمح لها المشاركة في الأنشطة الرياضية ودخول الملاعب والمطاعم مع الرجال، لكنه يشدد قيوده عليها في مجالات أخرى.
وجدد مجلس الشورى السعودي، رفضه لمشروع قانون بجواز عمل النساء قاضيات في محاكم الأحوال الشخصية، للمرة الثانية خلال عامين.
وحظى المشروع، الذي قدمه عضو المجلس “عيسى الغيث”، بموافقة 58 عضوا، لكن 57 آخرين رفضوه. حسب صحيف “سبق” السعودية.
ودعم “الغيث” مقترحه، هذه المرة، بعدة مسوغات قال فيها: “سَبَق من بعض الزملاء في 2018 المطالبة بذلك، ولم يحقق التصويت الأغلبية المطلوبة حينها؛ ولذا جعلته (دراسة)؛ تمهيدًا لما تنتهي إليه الدراسة وتسهيلًا لمرور التوصية”.
وقال: “كذلك جعلت المطالبة لمحاكم الأسرة في قضاء الأحوال الشخصية؛ لكونها المتعلقة بالمرأة كزوجة والطفل كحضانة وزيارة ونفقة، ولكون الخلاف في هذا الجزء أقل من غيره”.
وأضاف أنه: “وسبب عدم تعيينهن سابقًا لمانع شرعي في حينه؛ حيث ارتأت الدولة حينها ترجيح القول بعدم الجواز، ولكن مع تطور تأهيل المرأة وممارستها للمحاماة والتحكيم والتوثيق والتحاقها بالسلك القضائي في النيابة العامة كمحققة، جعل العمل اليوم على ترجيح جواز توليتها القضاء في الشق الموضوعي”.
وذكر أن عمل المرأة كقاضية سيكون في محاكم الدرجة الأولى (الابتدائية) وليس في محاكم الدرجتين الثانية والثالثة (الاستئناف والعليا).
كما أن القانون لم ينص على شرط الذكورة، مثله مثل نظام المرور الذي لم يشترط الذكورة لرخص القيادة، ونظام المحاماة أيضاً.
فضلا عن أن المعمول به -مؤخراً- هو تولية المرأة ولايات قضائية، كقضاء «التوثيق»، وتم تعيين المرأة في السلك القضائي بالنيابة العامة، وهو يعدّ من قضاء «التحقيق». https://t.co/FSnsHWksys
— عيسى الغيث (@IssaAlghaith) June 15, 2020
وسبق للمجلس رفض توصية بنفس المضمون، عام 2018، تقدم بها كل من “لطیفة الشعلان”، و”فیصل آل فاضل”، و”عطا السبیتي”.
وفي 30 مايو/أيار الماضي، رفض “الشورى” السعودي توصية تطالب بمنح المرأة البالغة حق تزويج نفسها.
ويستند مقدمو مشروع القانون على عدة مسوغات لعمل السيدات المؤهلات في وظائف القضاة، ومنها أن الاستمرار في عدم تمكين المرأة من الالتحاق بالسلك القضائي لا ينسجم مع رؤية المملكة لعام 2030م التي من أهم أهدافها تمكين المرأة واستثمار طاقاتها، وقد حان الوقت لإتاحة الفرصة لها لتولي القضاء ودخولها في هذا السلك الحيوي.
واستند الأعضاء في فحوى مُبرراتهم لهذه التوصية على أنه قد أفتى شيخ الأزهر الدكتور محمد طنطاوي عام 2003 بأنه: “لا يوجد نص صريح قاطع في القرآن الكريم أو في السنة النبوية يمنع المرأة من تولي وظيفة القضاء”، وهي الفتوى التي ترتب عليها مباشرة تعيين د. تهاني الجبالي” بمرسوم رئاسي قاضيةً في المحكمة الدستورية العليا بجمهورية مصر العربية.
وأيضًا بلغت المرأة منصب القضاء في معظم الدول العربية والإسلامية، وأثبتت تفوقاً ومهارة كبيرة في هذا المجال؛ ففي المغرب وتونس والجزائر والسودان عملت المرأة قاضية منذ ستينيات القرن الماضي، وفي الأردن تم تعيين أول قاضية في عام 1996، وفي مصر تولت المرأة القضاء منذ عام 2003، وفي البحرين منذ عام 2006.
ووصلت نسبة العنصر النسائي في السلك القضائي إلى أكثر من 70% في بعض الدول كفرنسا.
وقال الشيخ الدكتور ناصر بن داود – أحد الباحثين السعوديين المهتمين بالدراسات والأنظمة القضائية، إنه ومن خلال استعراض الشروط المذكورة في كتب الفقهاء لم يجد شرطاً واحداً سالماً من الخلاف أو من الاستثناء؛ حتى إن اشتراط الإسلام كما ذكر في تنصيب القاضي، وإن كان لازماً في مجتمعنا اليوم، إلا أنه غير لازم في سائر المجتمعات بحسب أحوالها، كما أنَّ تحقيق العدالة لا يتوقف على وجوده، والخلاف في تولي المرأة للقضاء، وتفصيل ذلك مشهور في كتب الفقهاء.
وبحسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان فإن المرأة في المملكة ما تزال تواجه قيودًا تقوّض الحقوق الأساسية المكفولة لها دوليًا على الرغم من التصريحات عن تبني سياسة الانفتاح وتمكينها من ممارسة جميع حقوقها.
وذكر التقرير أن المملكة تعيش منذ ما يزيد عن خمسة سنوات تحولًا كبيرًا على صعيد الحقوق والحريات العامة، خاصةً بعد أن تولى الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم في 23 يناير/ كانون الثاني 2015، حيث شهدت البلاد على أثر ذلك مرحلة غير مسبوقة من القمع والتضييق طالت المرأة أيضًا.
ورصد التقرير انتهاك سلطات آل سعود للقوانين المحلية والدولية، من خلال عمليات القمع التي لم تطل الرجال فقط، بل طالت كذلك النساء المطالبات بحقوق المرأة والمدافعات عن حقوق الإنسان، من خلال اعتقالهن والتعدي عليهن، لأسبابٍ تتعلق بالتعبير عن الرأي أو المشاركة في تجمعاتٍ سلمية.
ونبّه إلى أنّ سلطات آل سعود لم تكتف باستهداف النساء في حملاتها، بل نوّعت أيضًا من أساليب قمعها من خلال التشديد الملحوظ في العقوبات القانونية، وزيادة الاعتقالات على خلفية حرية الرأي والتعبير، وملاحقة الناشطات العاملات في مؤسسات المجتمع المدني، بالإضافة إلى تهديد المطالِبات بحقوق المرأة بالسجن والتعذيب، فضلاً عن الاحتجاز التعسفي طويل الأجل دون تهم.
وعدّ التقرير الخطوات التي اتخذها ولي العهد محمد بن سلمان بشأن الإصلاحات متناقضة مع الواقع الفعلي لحالة حقوق الإنسان في البلاد، بفعل السيطرة الأمنية الخانقة التي تستهدف كل من ينتقد السياسة الحكومية.
وقال إنّ الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة في المملكة ما تزال تمسّ أبسط حقوقها مثل الحق في قيادة السيارة وحرية السفر والحصول على جواز سفر واختيار الزوج والحصول على الرعاية الصحية.
ومن ذلك وجد فريق الأورومتوسطي عبر متابعته لتطبيق “أبشر” الإلكتروني والذي يعد المنصة الوحيدة التي تستطيع النساء من خلالها السفر أو استصدار جواز السفر في المملكة، أنّه ما يزال يمنع النساء من السفر أو استصدار جواز سفر دون الحصول على إذن من ولي الأمر في هذ الشأن، بسبب عدم تحديثه من قبل وزارة الداخلية السعودية.
وأبرز استمرار خضوع المرأة في المملكة لنظامٍ معين يعتمد في كثيرٍ من جوانبه على تقاليد الدولة يسمى “نظام ولاية الرجل”، وهو نظام يحرم المرأة من سلطة اتخاذ القرار دون موافقة ولي أمرها، والذي قد يكون والدها أو زوجها أو حتى أقاربها الذكور، وفي بعض الأحيان قد يكون شقيق المرأة أو ابنها في حال لم يكن لها أقارب ذكور أكبر سنًا.
وتناول التقرير نماذج لنساء تعرضن للاعتقال والتعذيب داخل أماكن الاحتجاز مثل إيمان النفجان ولجين الهذلول وريم سليمان وعزيزة اليوسف، وقائمة طويلة من حالات معتقلات الرأي في السجون ومراكز الاحتجاز.
كما استعرض حالات لنساء سعوديات تم احتجازهن وتعذيبهن، عبر شهادات ومعلومات من قبل المعتقلات ونشطاء محليين وأقارب للمعتقلات وغيرهم ليتم توثيق ما مرت به الناشطات من قمع وانتهاك.
وأوصى تقرير المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان سلطات آل سعود وفي إطار تعهّداتها الدولية، بالالتزام بكافة معايير حقوق الإنسان في جميع إجراءاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، فيما يتعلق بالحقوق الأساسية للنساء السعوديات، واعتقال النساء بشكلٍ تعسفي، أو ظروف احتجازهن.
وشدد على وجوب الإفراج الفوري عن المعتقلات أو المحتجزات، وإسقاط جميع التهم الموجهة لهن، والتي طالتهن بسبب قيامهن بنشاطات مشروعة، وتعويضهن تعويضاً عادلاً.
وحثّ كذلك على اتخاذ خطوات إصلاحية حقيقة قادرة على تمكين النساء السعوديات من ممارسة حقوقهن الأساسية ورفع القيود المفروضة عليهن، وتعديل المنظومة التشريعية المتعلقة بالمرأة بما يساعدها على التمتع بكافة حقوقها، وإجراء تحقيق شامل في جميع مزاعم التعذيب وغيره من ضروب المعاملة المهينة والحاطّة بالكرامة، وتقديم المتهمين للعدالة.
ووثقت المنظمة الأوربية السعودية لحقوق الإنسان اعتقال سلطات آل سعود 87 امرأة منذ ولاية سلمان وابنه حكم المملكة (2015-2020)، غالبيتهن ناشطات في الدفاع عن حقوق المرأة.
ولا تعد هذه الحملة الأولى من نوعها ضد ناشطي حقوق الإنسان، لكنها الأكثر قسوة من بينهم والأوسع نطاقا، حيث كانت هذه المرة الأولى التي تستهدف فيها السلطات الناشطات استهدافا جماعيا عام 2018.
وذكرت المنظمة الأوربية السعودية أن هناك 50 معتقلة حاليا في سجن “ذهبان” بمدينة جدة، فيما أفرجت السلطات عن ٨ لكن محاكمتهن لا زالت قائمة، و8 نساء أفرج عنهن نهائيا.
وقالت إن مصير واحدة من المعتقلات ما زال مجهولا.
وتوفيت المعتقلة حنان الذبياني داخل سجن “ذهبان” في 10 أكتوبر 2016م، الأمر الذى قوبل بتنديد حقوقي دولي واسع ومطالبات بالإفراج عن معتقلات الرأي.