رحلة الصحراء أو كما يسميها السعوديون “الكشتة”، التي نجت من قيود جائحة كورونا، نظراً إلى ممارستها في الفضاء الواسع، لم تنجُ من التغيير الذي طالها كجزء من الحول الذي يقوده الجيل الحالي الأكثر عصرية في البلاد.
يبدأ موسم “الكشتات” في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني)، ويستمر حتى مارس (آذار) من كل عام، وهي الأشهر التي تشهد فيها الدولة الخليجية انخفاضاً في درجة الحرارة، فيبدأ الاحتفال بنهاية فصل الصيف بالخروج إلى الصحراء، لكن الهواية التي حافظت على موسمها، لم تعد تحافظ على طقوسها العامة.
أسهم فيروس كورونا والإجراءات التي منعت السفر في استقطاب رحلات الصحراء لشريحة جديدة لم تكن هذه الهواية ضمن خيارات الترفيه لديها.
فالخروج إلى مناطق منعدمة الخدمات وسبل الرفاهية هو نمط تفضله شريحة لأسباب تأملية، كما يقول وليد نصار، الذي التقيناه في المنطقة التي تسمى “حافة العالم” في قرية العمارية شمال غربي العاصمة الرياض.
إلا أن الأمر لم يعد بهذا الشكل بحكم التغيير الذي فرضه الوباء. فمع انعدام خيارات السفر والترفيه، نقلت الشريحة الجديدة عصريتها إلى الرحلات البرية.
ولم يعد صعباً ملاحظة نوع الخدمات ذات النجوم الـ5 في جلسات الصحراء، وازدياد أعداد النساء في هذه الأماكن بعد أن كانت الحياة البدائية للصحراء حكراً على الرجال.
هذا الإقبال تسبب في دخول مزودي خدمات جدد إلى هذا القطاع، نتج عنه أسلوب جديد أكثر رفاهيةً وعولمةً، تحولت فيه الصحراء إلى مساحة لاستعراض الإمكانيات بين متعهدي الرحلات ومقدمي خدمات التنزه.
الطلب المتزايد على “الكشتات” من قبل الشريحة الجديدة، خلق قطاعاً جديداً يعنى بتولي مهمة جمع الأدوات والأغراض التي تحتاج إليها للجلوس في الخلاء، تاركاً لك مهمة جمع أصدقائك.
فمن خلال البحث على مواقع التواصل الاجتماعي، يسهل العثور على خدمات شاملة تهتم بتجهيز مواقع “الكشتة” في أي مكان يختاره العميل، ويرتفع السعر كلما ابتعد الموقع عن النطاق العمراني.
و”الكشتات” المقدمة تختلف في أسعارها وفقاً لشكل الجلسة ومساحتها والأدوات الأساسية والكماليات المضافة للمكان، التي تتضمن خيمة وجلسات مريحة وناراً مضاءة سلفاً، وأشجاراً بلاستيكية، وشموعاً وأنواراً، وبعض الوجبات والمشروبات الساخنة، وغالباً ما تكون مدة تأجيرها 7 ساعات، ويصل سعر تجهيزها إلى 800 ريال (200 دولار).
ويلاحظ خلال البحث أن معظم مجهزي هذا النوع من “الكشتات” من النساء.
وتقول نجد، صاحبة مشروع “نسيم نجد”: “معظم الذين يطلبون هذا النوع من (الكشتات) من البنات. لا أعرف السبب الدقيق لذلك، لكن أعتقد أن منظر (الكشتة) بالطريقة التي نجهزها أكثر جمالاً وملائمة للتصوير، بالإضافة إلى أن البنات يردن رحلة مريحة بعيدة عن عناء التجهيز”.
ولم يتسنَ لنجد اختبار السوق، فهي قد اقتحمت المجال مع بدء ارتفاع الطلب فيه، في الشهرين الماضيين، لكنها تتوقع استمرار الإقبال بعد كورونا.
وقالت “ربما سينخفض الطلب بعد رفع حظر السفر. هذا وارد، لكن الأكيد أن الأمر لن يكون سريعاً، لأن موسم (الكشتات) بدأ للتو، وأعتقد أن الذين يفضلون الرحلات المريحة تعرفوا على هذا النوع، وربما يستمرون في طلبه”.
أمر مشابه تقوله هنا الشهري، صاحبة مشروع “ذا وارم بلاس”، وتضيف “الفتيات يفضلن (الكشتة) في أماكن قريبة من النطاق العمراني، لأنها أكثر أماناً وقرباً من الخدمات”.
وتوضح “من يرتادون (كشتاتنا) هم من الذين يريدون الجديد واللافت والمبهر للعين، لذلك نقدم لهم خدمات خاصة غير معتادة في (الكشتات)”.
المشاريع السالف ذكرها تقدم لمن يريد التنزه في الخلاء كل الخدمات، لكن أيضاً ستجد من يوفر عليك حتى عناء جمع أصدقائك. فمع رفع الإغلاق، الذي فرض في البلاد، وجدت مجموعة من محبي الرحلات البرية وتسلق الجبال، اسمها “طويق”، نفسها أمام طلب هائل من قبل أشخاص لم يسبق لهم أن خرجوا إلى صحراء، أو تسلقوا جبلاً، لكنهم الآن يبحثون عن فرصة للتنزه.
هكذا، بدأت “طويق” رحلة جديدة لتوسيع خدماتها تلبية لمستفيدين جدد لا يعرفون بعضهم عادة، فتنظم لهم رحلة مشتركة مكتملة العناصر.
ويقول حاتم، قائد الفريق “بعد كورونا، بدأنا بتنظيم رحلات لأشخاص يريدون نزهة جاهزة ومرتبة، بعد سنوات من خوض رحلات خاصة في الصحراء”. ويضيف “بدأنا بتقديم خدمات خاصة تخلق تجربة عصرية في الأماكن التي اكتشفناها في رحلاتنا قبل سنوات”.
وتتضمن رحلات الصحراء الجديدة، بحسب حاتم “فعاليات موسيقية وحركية وركوب خيل وتطعيس، وتزلج على الرمل، بالإضافة إلى تقديم وجبات جاهزة”.
ويضيف “لدينا أكثر من مكان نخيم فيه، لكن أغلب (كشتاتنا) موجودة في مطل على جبل طويق، الذي استوحينا منه اسم فريقنا”.
ولا يبدو أن هذا النمط من “الكشتات” سينتهي قريباً، إذ بدأت المؤسسات الرسمية بالتعامل معه بشكل جدي.
ووفق قائد فريق “طويق”، فقد تطلب إكمال النشاط الذي بدأ فردياً وعفوياً إصدار تراخيص تتضمن اشتراطات سلامة وتنظيم. ويضيف “وزارة السياحة منحتنا تصريحاً يسمح لنا بجمع أموال الاشتراكات، وأخذ الناس في جماعات في (كشتة).
ومن خلال تجربتهم، خلق إلى أن “هذا الجيل يحب هذا النمط أكثر من النوع السابق، إذ يشارك في الرحلة الواحدة نحو 150 شخصاً”.