تواصل سلطات آل سعود فرض إجراءات إغلاق مشددة على منطقة القطيف ذات الغالبية الشيعية في شرق المملكة بذريع محاصرة فايروس كورونا المستجد وسط مخاوف من أن جوهر القرار انتقامي ولاعتبارات سياسية وطائفية.
وسارعت سلطات آل سعود منذ أكثر من أسبوع لإغلاق محافظة القطيف بشكل كامل وتطويقها بالسواتر الإسمنتية وذلك بعد أن شهدت المحافظة تسجيل 11 حالة مصابة بفيروس كورونا.
وأوقفت السلطات العمل في الدوائر الحكومية والمؤسسات الخاصة باستثناء المرافق الأساسية التي تقدم الخدمات الأمنية والتموينية والضرورية إثر اكتشاف 11 حالة في المحافظة دفعة واحدة.
كما أقامت تلك السلطات نقاط تفتيش لمنع دخول المنطقة والخروج منها، علما أن القطيف تاريخياً بؤرة ساخنة بين النظام والأقلية الشيعية التي تشكو من تمييز وتهميش.
وكان أغلب حالات فيروس كورونا في المملكة مسجلة في بداية انتشار المرض بالمملكة، وغالبيتها قادمة من إيران عبر دول خليجية أخرى، ولكن تم الإعلان عن حالات في مناطق أخرى.
ورغم صرامة الإجراءات التي اتخذتها المملكة في مواجهة كورونا مثل إغلاق الحرم، وتعليق تأشيرة العمرة، فإن القرار بإغلاق محافظة القطيف تحديداً قوبل بانتقادات واعتبره البعض مسيساً وعقاباً للمحافظة على تمردها على السلطة.
واللافت أنه عند إعلان الحكومة إغلاق القطيف كان عدد الحالات في المحافظة نحو 11 حالة يمثلون أغلبية ساحقة للحالات بالمملكة، ولكن مع استمرار ارتفاع عدد الحالات في البلاد إلى أكثر من 100 حالة، ليس واضحاً هل مازالت أغلبية الحالات في القطيف، وهل هناك مبرر لعزل هذه المحافظة تحديداً دون باقي المناطق، وهل تخشى المملكة أن يكون هناك حالات غير ظاهرة في ظل أن الكثيرين من الشيعة من أبناء المحافظة يزورون إيران بدون تأشيرة وبالتالي من الصعب رصدهم.
وبدت الأسواق في القطيف والعاملون في حالة من الارتباك، بالإضافة إلى الأسواق التي غلب عليها الزحام الشديد حتى سوق الخضار في القطيف لم يسلم من هذه الحالة.
ويشتكى سكان في المحافظة من أن قرار الإغلاق غير صائب ولم يترافق مع تطبيق المعايير الدولية المتبعة في فرض الحجر الصحي على القطيف، فلم يتم توزيع الكمامات والمعقمات على سكان المحافظة، ولم يتم حتى تعقيم الطرق والأماكن العامة، وتأمين الاحتجاجات الطبية للمصابين بالأمراض المزمنة.
ويعتبر السكان أن نظام آل سعود يدعي فرض الحجر الصحي في القطيف إلا أن إجراءاته لا تستوفي أياً من معايير الحجر الصحي المطبقة دولياً في بقية البلدان التي انتشر فيها فيروس كورونا.
فهل يعقل أن من يتولى تطبيق الحجر الصحي على مدن القطيف هي فرق أمنية وعسكرية وفوق هذا تفرض قوانين المناطق العسكرية المغلقة.. لا فرق طبية ولا إسعافات ولا تعقيم شوارع ولا حتى كمامات.. ما يجعل ما يجري لا علاقة له بالحجر الصحي.
وكان أكد مجلس الوزراء أن الإجراءات المتخذة في محافظة القطيف مؤقتاً، تأتي في إطار التدابير الاحترازية لمنع انتقال العدوى، وتمكين الجهات الصحية المختصة من تقديم الرعاية الطبية الأفضل للمواطنين والمقيمين فيها.
لكن هناك من يعتبر أن تسييس فيروس كورونا بات واضحاً للعيان فيما تشكك أوساط شيعية بأنّه ما يحدث ليس حجراً صحياً وقائياً من فيروس كورونا، بل هو فرض لحصار عسكري تحت ذرائع السيطرة على كورونا دون توفير أية فرق طبية أو سيارات إسعاف أو فرق توزيع المستلزمات الصحية، أو استعدادات لحالات طوارئ يعيشها الكثير من المواطنين في المحافظة، حيث اقتصر التواجد على المدرعات والقوات العسكرية.
كما أنّ الإجراء الأخيرة تتسبب في أزمة كثيرة لكثير من العوائل التي تعاني من مشكلات صحية، مشيرةً إلى أنّ الكثير حرموا من حق العلاج في مستشفيات الخبر والدمام التي تقدّم علاجات للكثير من الأمراض كالسرطان والسكري وأمراض القلب.
فيما أنّ الأوضاع الصحية تزداد خطورةً لوجود عشرات المصابين بأمراض مزمنة في القطيف وذلك نتيجة عدم وجود مستشفياتٍ تخصصية لعلاج الكثير من الأمراض ومنها الفشل الكلوي، والسرطان والسكري، وغيرها التي يتوفر علاجها خارج القطيف.
إذ أنّ الحصار الأخير المفروض على المحافظة والمسمى بـ “الحجر الصحي” يحول دون وصول هؤلاء المرضى لتلك المستشفيات التي تقدّم لهم العلاج خارج محافظة القطيف.
وحسب شهود عيان، تسبب قرار إغلاق محافظة القطيف في إحداث زحام شديد على الأسواق والمحال والبقالات التجارية بسبب الخوف من نفاذ المواد التموينية، حيث ازدحمت الأسواق بالمشترين خوفاً من استمرار هذا الحجر لمدة طويلة لأنّ السلطات لم تحدد المدة من إغلاق المحافظة وهل ستطول مدتها أم لا.
وفي هذا السياق المتصل يؤكدّ الناشط والمحامي الحقوقي السعودي طه الحاجي أنّ قرار إغلاق القطيف وفرض حجر وحصار عسكري عليها من كافة المنافذ الداخلة والخارجة من وإلى القطيف إجراء غير مبرر، متسائلاً في الوقت نفسه: “لماذا تمّ تطبيق هذا الإجراء على القطيف وما حولها من المدن والقرى والأحياء على وجه الخصوص ولم يتم التطبيق على مدن أخرى أكثر ازدحاماً”.
ويرى الحاجي بأنّ الحكومة لم توفر الإجراءات الكافية لمواجهة فيروس كورونا ومنع انتشاره بل اتخذت قرار الإغلاق بدون تنفيذ إجراءات أخرى مصاحبة، مشيراً إلى أنّ هناك حالات مرضية تستدعي العناية والعلاج في مستشفيات خارج محافظة القطيف، وأنّ هناك حالات مزمنة تتطلب الذهاب لمستشفيات الخبر والدمام والظهران، مشيراً إلى أنّ مستشفى القطيف المركزي غير مؤهل كاملاً ولا يمتلك الكفاءات الطبية لاستقبال بعض الحالات المرضية التي تطلب وتستدعي مستشفيات تخصصية والتي تفتقد إليها محافظة القطيف في الأساس.