حملة اعتقالات سعودية ضد مسؤولين وضباط بذريعة الفساد

حالة من الغليان والتوتر تشهدها المملكة، وسط أنباء عن وفاة الملك سلمان، ومحاولات ولى العهد محمد بن سلمان السيطرة على كرسي الملك وهو ما ترجمه على الأرض بحملة اعتقالات جديدة بذريعة الفساد.

وبينما يحاول ضابط الاستخبارات السعودي السابق سعد الجبري، جلب ولى العهد محمد بن سلمان للمحاكمة أمام القضاء الأمريكي، يسارع الأخير بملاحقة جميع المعارضين لسياساته داخل المملكة وخارجها.

كما يلاحق جميع المسؤولين المتهمون بالولاء لولى العهد السابق الأمير المعتقل محمد بن نايف.

ويعتقل بن سلمان حاليا بن نايف – بعد الانقلاب عليه في 2017 – ويلاحق الجبري في الخارج الذى اتهمه بتدبير محاولات اغتياله على غرار الصحفي الراحل جمال خاشقجي.

وفي ضوء هذه الأحداث، أعلنت سلطات آل سعود اعتقال عددا من المسؤولين والضباط بقضايا فساد، منهم عضو مجلس شورى حالي، وقاض سابق، وكاتب عدل، وعدد من الضباط المتقاعدين بذريعة الفساد.

وأفادت وكالة الأنباء الرسمية بأن من بين المعتقلين مدير شرطة منطقة سابق، ومدير جمارك سابق في أحد المطارات، متورطين بقضايا رشوة دفعها أحد رجال الأعمال لهم عندنا كانوا على رأس عملهم.

ومن بين هذه القضايا، توقيف رجل أعمال بالمنطقة الشرقية و10 مواطنين، منهم عضو مجلس شورى حالي وقاضٍ سابق وكاتب عدل حالي وموظف بنك سابق، وكذلك مدير شرطة منطقة سابق ومدير جمرك سابق لأحد المطارات وعدد من الضباط المتقاعدين (لم يتم إيقافهم لظروفهم الصحية).

ووُجهت اتهامات الفساد إلى رجل الأعمال بدفع رشاوي مالية وعينية إلى هؤلاء الأشخاص أثناء فترة عملهم، تفوق قيمتها 20 مليون ريال سعودي، إضافة إلى تورطه في قضايا غسيل أموال وتزوير، من خلال رفع قيمة عقاراته داخل المملكة، لما يفوق مليار ريال بهدف تضخيم ثروته عبر عمليات بيع صورية.

كما أوقفت السلطات السعودية مدير أحد الموانئ وعدد من موظفيه بتهمة استغلال نفوذهم الوظيفي لتحقيق كسب مالي غير مشروع.

بجانب القبض على قائد أحد القطاعات الأمنية بوزارة الداخلية السعودية، برتبة لواء، ومعه 4 ضباط من مرؤوسيه والممثل المالي لوزارة المالية، لقيام اللواء بتزوير أحد محاضر توريد مركبات لمهمة الحج. إضافة إلى قيام أحد الضباط بصرف مليون و700 ألف لتر بنزين لأحد الشركات بطريقة غير نظامية.

ومن بين الموقوفين أيضًا محافظ سابق حصل على مركبة فارهة من رجل أعمال مقابل تسهيل إجراءاته الحكومية، فيما اُعتقل 3 من منسوبي وزارة الحرس الوطني بتهمة اختلاس أدوية من مستودعات للوزارة، تقدر قيمتها (بعضها مخدرة)، بأكثر من 800 ألف ريال.

وعلى ذات الوتيرة، جرى توقيف ضابطين ينتمون إلى القوات الجوية السعودية، ومديرية الجوازات، فضلا عن موظفين بعدة مؤسسات حكومية استغلوا نفوذهم وحصلوا على رشى لتسهيل أعمال شركات بملايين الريالات.

ويجمع مراقبون أن ولي العهد محمد بن سلمان يتخذ من محاربة الفساد شعارا من أجل التوسع في حملات القمع التي يمارسها بلا هوادة طعما في تعزيز حظوظه في تولي العرش والاستفراد بالسلطة.

ويقول المراقبون إن شعار محاربة الفساد يستخدمه بن سلمان كحصان طروادة لتحقيق أهداف ومآرب سياسية لتعزيز نفوذه وسحق أي معارضه.

ويعد استخدام تهم الفساد أسلوب قديم للزج بالمنافسين السياسيين المحتملين في السجن في عدة دول، وفي مقدمتها المملكة.

ويسعى بن سلمان إلى منع ظهور أي حالة مناهضة له داخل الأسرة المالكة أو في مؤسسات صنع القرار الأخرى، ولن يتردد في القضاء عليها طالما أنّها تُهدد ما عمل على تحقيقه منذ تسلّمه منصب ولي ولي العهد ومن ثم ولاية العهد.

وبحسب مراقبين فإن ما يُمكن الجزم به هو أن بن سلمان يسعى من خلال إعلان مثل هذه الاعتقالات يهدف إلى كسب ثقة الشارع والقول للسعوديين إنه لا يسعى للسلطة فقط بل أيضاً لمحاربة الفساد.

لكن الواقع يظهر للجميع أن المملكة تقوم على نظام حكم تتركز فيه سلطات الدولة الثلاث في شخص الملك وولي عهده، لذا فإن أي اتهامات أو محاكمات، وآليات الشفافية والمساءلة والمراجعة، غير موجودة، سواء في هذه الاعتقالات أو في غيرها.

ويرجح المراقبون أن بن سلمان يفتقد أي ولاء من الأسرة المالكة ورجال الدين وقطاعات مهمة من المجتمع السعودي له، وربما لن يظل الملك سلمان وقتاً طويلاً بما يكفي ليلقي بظلال الدعم على ابنه وينتزع الولاء من الأمراء الساخطين، وهو ما يبدو من التخبط المستمر في القرارات داخل الأسرة الحاكمة.

ولا تزال تفاصيل أشهر حملة اعتقالات في المملكة ونفذها ولى العهد محمد بن سلمان، في 4 سبتمبر/ أيلول 2017م، تحت ذرائع تهم الفساد، غامضة حتى اللحظة، لكن موظفا في أحد البنوك العاملة في المملكة وهاجر من بلاده مؤخرا إلى كندا، كشف عن معلومات مثيرة جدا.

فحملة الاعتقالات الشهيرة طالت أكثر من 381 شخصية من كبار العائلة المالكة والشخصيات الاقتصادية الشهيرة في المملكة، وأوقف المتهمون في فندق ريتز كارلتون بالعاصمة السعودية الرياض، الذي تم إخلاء جميع النزلاء منه وإيقاف خدمات الحجز وقطع جميع خطوط الاتصال الهاتفي به.

ومؤخرا، كشف الموظف السابق في البنك السعودي الفرنسي، سعيد الزهراني، معلومات جديدة وتفاصيل مثيرة عن حملة “مكافحة الفساد” التي شنها ولي العهد آنذاك.

وأكد الزهراني أن المبالغ التي تمت مصادرتها من الأمراء ورجال الأعمال المحتجزين في فندق ريتز كارلتون آنذاك، والتي أعلنت الرياض عن تجاوزها حاجز الـ400 مليار ريال، تم نقلها من البنوك إلى مؤسسة النقد العربي السعودي (المصرف المركزي للسعودية)، إلا أنها لم تظهر لاحقا في ميزانيات الأعوام اللاحقة، وهو ما يثير شكوكا حول مصيرها.

وذكر الزهراني – الذي كان يعمل في وحدة تحليل الرقابة النظامية – أن عمل هذه الوحدة اختلف كليا بتأسيس جهاز أمن الدولة عام 2015 (جهاز أمني يتبع لولى العهد) والذي بات يرسل أوامر مباشرة لهم، ويتحكم في تجميد حسابات معارضين بشكل تعسفي.

ورأي أن البنك السعودي الفرنسي يأتي بالمرتبة السابعة أو الثامنة من حيث ترتيب البنوك الأكثر نشاطا في المملكة، وقال إن أرصدة الأمراء ورجال الأعمال في بنوك “الراجحي” و”الأهلي” وغيرها أضعاف الموجودة في هذا البنك.