مع تكرار الإعلانات السعودية عن مكافحة الفساد من خلال تنفيذ حملات اعتقال؛ تارة بحق أمراء ومسؤولين، أو بحق موظفين وقادة كبار في أكثر من جهة وهيئة بذريعة تبديد الأموال تارة أخرى؛ يتساءل مراقبون عن جدية هذه الادعاءات بعد صدور تقارير غربية عن تبذير وبذخ غير مسبوق يقوم به ولي العهد محمد بن سلمان.
وأعلنت سلطات آل سعود مؤخرا إعفاء قائد حرس الحدود و5 مسؤولين بارزين من مناصبهم وإحالتهم للتحقيق بسبب “شبهات فساد” متعلقة بأحد أكبر المشاريع السياحية لمحمد بن سلمان.
وحسب وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس)، صدر أمر ملكي بإحالة مسؤول إلى التقاعد وإعفاء عدد من المسؤولين إثر تعديات غير نظامية على أراضي “مشروع البحر الأحمر”، والتحقيق مع جميع المسؤولين.
كما شمل الأمر الملكي إنهاء خدمة مدير عام حرس الحدود الفريق عواد بن عيد البلوي وإحالته إلى التقاعد، وإعفاء محافظي أملج والوجه بمنطقة تبوك (شمالي المملكة)، ورئيس مركز السودة (جنوب غرب)، وإعفاء قائدي قطاع حرس الحدود في أملج والوجه.
ليس هذا فحسب، فقد تم أيضا إعفاء أمين منطقة تبوك ورؤساء بلديات أملج والوجه والسودة، والمسؤول عن التعديات في أمانتي المدينة المنورة وتبوك.
وأوضح الأمر الملكي أن الإعفاءات تمت بناء على ما ورد من الهيئة الملكية لمحافظة العلا وشركة البحر الأحمر وشركة تطوير السودة بشأن التعديات غير النظامية على أراضي مشروع البحر الأحمر، التي تجاوزت 5 آلاف حالة تعدٍ.
هذه الاعتقالات لم تكن الأولى، ولن تكون الأخيرة على ما يبدو؛ ففي عام 2017 شنت السلطات حملة اعتقالات طالت أمراء ورجال أعمال بارزين ووزراء سابقين، وقالت الرياض حينذاك إن هذه التوقيفات تأتي في إطار حملة لمحاربة الفساد.
وبعد أسابيع، قالت وكالة بلومبيرغ الأميركية -نقلا عن مصادر مطلعة- إن الموقوفين في فندق ريتز كارلتون بالرياض بدؤوا دفع مبالغ التسوية التي طُلب منهم سدادها مقابل إطلاق سراحهم.
وأشار مسؤول سعودي بارز إلى أنه في حال وافق المعتقلون على دفع مبالغ تسوية فإنهم يجرون مباحثات مع لجنة خاصة للتطرق إلى تفاصيل التسوية المالية، مضيفا أن قيمة التسوية تحدد بناء على المبالغ التي ترى الرياض أن المعتقلين حصلوا عليها بطريقة غير قانونية، وليس بناء على حجم ثرواتهم، كما رجح مصدر مسؤول أن تتراوح قيمة المبالغ المستردة بين 50 و100 مليار دولار.
وتعيش المملكة أوضاعا اقتصادية ومالية صعبة جراء انخفاض أسعار النفط إلى مستويات متدنية، بالتزامن مع تداعيات أزمة جائحة كورونا، التي أدت إلى تباطؤ حاد في نمو الأعمال، ناهيك عن اضطرار الرياض لإلغاء زيارات العمرة وموسم الحج، وهو ما أفقد الميزانية إيرادات ضخمة؛ أجبرت البلاد على اللجوء إلى إصدار سندات من أجل تغطية النفقات وسد العجز الهائل.
غير أن كل أحاديث السلطات السعودية عن مكافحة الفساد والشفافية لا تجد طريقها إلى التصديق، في ظل ما كشفته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية قبل أيام من أن ولي العهد أنفق 50 مليون دولار على حفل خاص بمناسبة توليه ولاية العهد.
وتحدثت الصحيفة عن الواقعة التي شهدها منتجع “فيلا برايفت أيلاند” الفاخر في المالديف، مشيرة إلى رسو قوارب تقل 150 امرأة من البرازيل وروسيا ودول أخرى، حيث نُقلت كل واحدة منهن إلى عيادة لفحص الأمراض المنقولة جنسيا، قبل أن تستقر كل واحدة منهن في فيلا خاصة بها.
وذكرت الصحيفة في تقرير نشرته الخميس الماضي أنه كان من المقرر أن تقضي النساء الجزء الأكبر من الشهر مع مضيفيهن، وهم العشرات من أصدقاء الأمير الشاب، ومُنع الموظفون من إحضار أجهزة نقالة مزودة بكاميرات، وقدم مغني الراب الأميركي بيتبول والنجم الكوري الجنوبي ساي عرضا هناك.
وفي وقت سابق، كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية عن أن محمد بن سلمان اشترى عام 2015 -أي حينما تولي والده سلمان العرش- أغلى منزل في العالم، وهو عبارة عن قصر الملك لويس الرابع عشر، الواقع في لوفسيان قرب باريس، بقيمة 300 مليون دولار.
وذكرت الصحيفة أن مساحة القصر تبلغ أكثر من 23 ألف هكتار، وتحيط به طبيعة خلابة، وتتوسطه نافورة مطلية بالذهب.
ولم يقتصر بذخ ولي العهد على الحفلات الماجنة والمنازل الفارهة، حيث كشفت صحيفة نيويورك تايمز عن أن محمد بن سلمان اشترى لوحة “المخلّص” للفنان الإيطالي الشهير ليوناردو دافنشي مقابل 450 مليون دولار أواخر 2017.
وكشفت الصحافة الغربية أيضا عن أن بن سلمان اشترى يختا بقيمة 550 مليون دولار عام 2016 خلال إجازة قصيرة في جنوب فرنسا، حيث يصل طول اليخت إلى 440 قدما، ويضم أحواض سباحة و12 غرفة فاخرة ومنصتين لهبوط طائرات مروحية.
وبذلك يكون بن سلمانقد اشترى منزلا ويختا ولوحة بقيمة 1.3 مليار دولار، بينما تنتهج بلاده سياسة تقشفية قادتها إلى مضاعفة ضريبة القيمة من 5 إلى 15% دفعة واحدة، في ظل أزمات اقتصادية بفعل حروب النفط الخاسرة التي يخوضها ولي العهد السعودي.
كما قامت سلطات آل سعود في وقت سابق بوقف بدل غلاء المعيشة الذي تصرفه الحكومة شهريا لمواطنيها المستفيدين من معاشات التقاعد والضمان الاجتماعي.
ويرى مراقبون أن دأب الأجهزة السعودية في التركيز على الإعلان عن حملات مكافحة الفساد لا يعدو كونه مجرد محاولات لصرف النظر عن سوء الأوضاع الاقتصادية التي تشهدها المملكة بسبب بذخ محمد بن سلمان وسياساته المالية “غير الحصيفة”.