أعلنت وكالة الأنباء السعودية الرسمية اليوم الجمعة أن أمرا ملكيا صدر بإعفاء عدد من المسؤولين في مشروعات سياحية، منها مشروعات العلا والبحر الأحمر العملاقة، للاشتباه في ضلوعهم في الفساد المستشري في المملكة.
وذكرت الوكالة أن التحقيقات تركز على ما إذا كان المسؤولون قد سهلوا التعديات على أراض خاصة بتلك المشروعات.
ومن بين من تم إعفاؤهم محافظا مدينتي أملج والوجه الساحليتين في شمال المملكة ومدير عام حرس الحدود ومسؤولون بوزارة الداخلية وهيئات حكومية أخرى.
وتقوم هيئة الرقابة ومكافحة الفساد بالتحقيق مع المسؤولين بشأن مسؤوليتهم عن التعديات على أكثر من 5000 قطعة من أراضي مشروع البحر الأحمر وعشرات القطع في مشروع مدينة العلا التاريخية وكذلك مشروع السودة في مدينة أبها بجنوب غرب المملكة.
كانت السلطات السعودية قد احتجزت عشرات من أفراد النخبة الاقتصادية والسياسية في عام 2017 في فندق ريتز كارلتون في الرياض في حملة على الفساد أثارت قلق بعض المستثمرين الأجانب.
وقال الديوان الملكي العام الماضي إنه بصدد إنهاء تلك الحملة، لكن السلطات قالت لاحقا إنها ستبدأ حملة على الفساد بين الموظفين الحكوميين العاديين.
ويعد الفساد ونهب الأموال مستشريا في المملكة العربية السعودية في ظل تورط كبار الأمراء والمسئولين في نظام آل سعود في ظل توالي الفضائح التي وصل صداها إلى الأوساط العالمية.
وتكشف بيانات حديثة أن فاتورة الفساد الذي ينخر في الخليج ضخمة إذ بلغت خلال الـ 5 سنوات الأخيرة نحو 320 مليار دولار، حسب تقرير لمؤسسة كابيتال إيكونوميكس ومقرها لندن.
وتتصدر السعودية دول الخليج من حيث عدد قضايا الفساد وحجم الأموال المنهوبة بقيمة 180 مليار دولار، بحيث استفحل الفساد في العديد من الأنشطة الاقتصادية في المملكة.
وكانت وسائل إعلام غربية قد كشفت مؤخرا أن محققين سعوديين يلاحقون المتهم بالفساد، سعد الجبري، الذي كان يعمل في وزارة الداخلية السعودية وأصبح هاربا.
وأكدت صحيفة وول ستريت جورنال أن الجبري متهم هو وأفرادٌ من عائلته وآخرون مقربون له بإنفاقِ ما يقارب 11 مليار دولار من الأموال الحكومية، وتحويل أموال من حسابات خارجية، وأيضا تحميل المملكة مزيدا من الرسوم في صفقات مع شركات غربية.
وقال مدير وحدة البحوث في مركز الخليج العربي للاستشارات الاقتصادية، عبد العزيز الشهري، إن حجم الفساد في السعودية في السنوات الـ 5 الأخيرة يتجاوز حجم الفساد في كافة الدول الخليجية مجتمعة.
وأضاف الشهري أن حجم الفساد تزايد في المملكة خلال الفترة الماضية بسبب غياب الرقابة الشعبية فضلا عن الانخراط في الصراعات الخارجية ودعم الأطراف المتناحرة في حروب المنطقة وتركز السلطات في يد شخص واحد.
بدوره أكد أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز فايز الابراهيم، أن المشاريع الحكومية تفتح أبواب الفساد على مصراعيه أمام الفاسدين وسراق المال العام خصوصا الإجراءات المتعلقة بإرساء المناقصات ومحاباة شخصيات معروفة في الأسرة الحاكمة أو رجال الأعمال المقربين من السلطة.
وأوضح الإبراهيم أن الفساد دائما يبدأ من رأس السلطة في الدول التي تغيب عنها مظاهر الرقابة الشعبية والديمقراطية، حيث تضطر العديد من الحكومات إلى تقديم رشاوي للمواطنين من خلال زيادة البدلات وغيرها من الأمور لإسكات الشعب عن السرقات والممارسات التي قد تتسبب في غضب شعبي، مؤكدا في الوقت نفسه أن الإجراءات الحكومية بشأن مواجهة الفساد ومحاسبة الفاسدين غير كافية لردع المتجاوزين.
وكان ولي العهد محمد بن سلمان قد زعم قيامه بحملة موسعة ضد الفاسدين في المملكة حيث تم إلقاء القبض على عدد من رجال الأعمال البارزين وأفراد من الأسرة الحاكمة، فيما أعلنت المملكة نجاحها في استعادة حوالي 106 مليارات دولار من الأصول والثروات “المنهوبة”، غير أن المنظمات الدولية أكدت أن العملية تمت في غياب أي نوع من الشفافية، ولم يُعلن عن أي تحقيقات أو محاكمات عادلة للمشتبه بهم.
يأتي ذلك فيما تتوالى الاعترافات السعودية الرسمية، بسوء الأوضاع الاقتصادية داخل المملكة وصعوبة الخروج من الأزمة غير المسبوقة منذ تأسيس المملكة.
وصرح وزير المالية محمد الجدعان، بأن بيانات يوليو/تموز تبشر بتعاف اقتصادي، لكن ما زال هناك الكثير من الضبابية، مضيفا أن وتيرة انكماش اقتصاد المملكة ستقل على الأرجح عن نسبة 6.8% التي توقعها صندوق النقد الدولي، وأن المملكة ستدرس بيع أصول في قطاعات لم تكن تدرس خصخصتها من قبل.
وأوضح الجدعان أن المملكة أصدرت ديونا محلية تزيد بكثير عن ما كان مخططا لهذا العام، وأن الإنفاق المعلن في الميزانية في ديسمبر/كانون الأول يحتمل أن يظل دون تغيير، لكن مع إعادة التخصيص لبعض القطاعات، وفقا لما أوردته وكالة “بلومبرج”.
وتابع أن ضريبة الدخل ستتطلب الكثير من الوقت للإعداد، ولا خطة وشيكة لتطبيقها، لكننا لا نستبعد أي شيء.
وذكر الجدعان أن عمليات الخصخصة ستجلب على الأرجح ما يتجاوز 50 مليار دولار في الأعوام الأربعة أو الخمسة المقبلة. وفق قوله.
وكشف أنه من المرجح أن تتوجه المملكة إلى مستثمري أدوات الدين العالميين مجددا هذا العام لكن قرارا لم يصدر حتى الآن بشأن عملية الطرح المزمع.
أما فيما يتعلق بالاستثمارات الخارجية، قال الجدعان إن صندوق الاستثمارات العامة ليس لديه تفضيل جغرافي والأمر يتوقف على فرصة الاستثمار، مشددا على أن الصندوق يمتلك سيولة وفيرة.
وأشار الجدعان إلى أنه يجرى تقييم احتياجات الاقتصاد السعودي، وسيتم تقديم الدعم المطلوب لضمان التعافي.