متفرقات سعودية

السعودية توسع الوصول للكحول وسط مخاوف انتشار الفساد الاجتماعي

أكدت مصادر محلية وأجنبية أن سلطات المملكة خفّفت القيود المفروضة على بيع الكحول، بعد أيام قليلة من تمكين المقيمين غير الدبلوماسيين من شراء المشروبات لأول مرة، ما يثير تساؤلات حول تصاعد انتشار مظاهر الفساد الاجتماعي في بلاد الحرمين.

وفقًا لشهادات ستة مقيمين تحدثوا لوكالة الأنباء الفرنسية، أصبح بإمكان المقيمين الأجانب غير المسلمين الذين يكسبون ما لا يقل عن 50 ألف ريال سعودي شهريًا (حوالي 13,300 دولار) شراء المشروبات الكحولية من متجر الكحول الوحيد في العاصمة الرياض.

ويأتي هذا التعديل بعد أن تمكّن حاملو التأشيرات المميزة في أواخر الشهر الماضي من شراء المشروبات الكحولية لأول مرة، في خطوة وصفها مراقبون بأنها بداية لتقويض الحظر التاريخي المفروض منذ عقود.

وتشير الملاحظات إلى أن السلطات السعودية قامت لاحقًا بتخفيف القواعد بشكل أوسع، ما أتاح لفئة أكبر من المغتربين الوصول إلى الكحول، دون توضيح رسمي للضوابط الجديدة أو الشروط الدقيقة التي ستحدد من يحق له الشراء.

وتأتي هذه الخطوة ضمن ما يبدو أنه مسعى حكومي لتوسيع نطاق الانفتاح الاقتصادي والثقافي في المملكة، لكنه يثير مخاوف جدية بشأن تعزيز الانحراف الأخلاقي ونشر الممارسات التي تتعارض مع القيم الإسلامية المحافظة.

تحويل السعودية إلى مجتمع أكثر تقبّلًا للكحول

علق ماثيو مارتن، رئيس مكتب سيمافور في السعودية، على التغيرات قائلاً: “تتحرك السعودية بخطى واثقة نحو توسيع نطاق الوصول إلى الكحول، وموازنة بين طموح واضح للتخلص من صورتها المحافظة الصارمة تاريخيًا مع الحفاظ على التقاليد المتجذّرة في حظر الإسلام للكحول — ودور المملكة كوصي على أقدس موقعين في الدين”.

وقال إنه “من خلال توسيع حقوق الشراء لتشمل مجموعة ضيقة من المغتربين غير المسلمين، تستطيع الحكومة أن تصور نفسها في صورة أكثر ترحيبًا بالمواهب الأجنبية التي تحتاج إليها بشكل متزايد من أجل التحول الاقتصادي، مع إبقاء القيود على المبيعات في الوقت نفسه”.

إلا أن مراقبين يرون أن هذه الخطوة تحمل أبعادًا أخلاقية واجتماعية خطيرة، إذ تمثل تراجعًا عن القيم الدينية التي ظلت المملكة محافظة عليها لعقود.

وتثير هذه التغييرات تساؤلات عن مدى تأثيرها على المجتمع السعودي، خاصة في ظل الضغط المتزايد على الفئات الشابة والمجتمع المدني، التي قد ترى في توافر الكحول مؤشرًا على تراجع معايير الالتزام الديني والأخلاقي.

فتح متاجر جديدة… ومخاطر ثقافية واجتماعية

تخطط السعودية لافتتاح متجرين جديدين للمشروبات الكحولية: الأول في محافظة الظهران الشرقية، لخدمة الموظفين غير المسلمين في شركة أرامكو، والثاني في مدينة جدة لتلبية احتياجات الدبلوماسيين الأجانب.

ورغم أن السلطات السعودية تصف هذه الخطوة بأنها جزء من جهود الانفتاح الاقتصادي والاجتماعي التي يقودها ولي العهد محمد بن سلمان، يرى البعض أنها بمثابة “بوابة لتمكين الممارسات غير المشروعة والفساد الاجتماعي” في مجتمع ظل محافظًا على مدار عقود.

ويؤكد خبراء اجتماعيون أن السماح بتجارة الكحول حتى بشكل محدود سيخلق بيئة محفوفة بالمخاطر، حيث يمكن أن تؤدي إلى انتشار ظواهر مثل الإفراط في الشرب، والتأثير السلبي على الأسرة، وتنامي السلوكيات المحظورة دينيًا واجتماعيًا.

وهم يحذرون من أن هذه الخطوة قد تشجع فئات معينة من المجتمع على تبني نمط حياة يتناقض مع قيم المملكة الإسلامية.

موازنة بين الانفتاح والصورة الدولية

تسعى الحكومة السعودية، وفق محللين، إلى تقديم نفسها على أنها دولة أكثر انفتاحًا أمام العالم، في محاولة لجذب الخبرات الأجنبية واستثمارات الشركات العالمية، خصوصًا في ضوء برامج التحول الاقتصادي الطموحة مثل “رؤية السعودية 2030”.

ومع ذلك، يشير الخبراء إلى أن هذه الاستراتيجية قد تأتي على حساب استقرار المجتمع المحلي والقيم الاجتماعية التقليدية.

وبحسب وكالة رويترز، يرى بعض المسؤولين أن السماح لفئة محدودة من المغتربين بشراء الكحول يمثل “إطارًا تجريبيًا” يمكن توسيعه لاحقًا، ما يعني أن ما بدأ كاستثناء محدود قد يتحول تدريجيًا إلى ممارسة أكثر انتشارًا، مع ما يصاحبها من تأثيرات على الأمن الاجتماعي والثقافي.

ويؤكد المراقبون أن تخفيف الحظر عن الكحول ليس مجرد مسألة اقتصادية أو ثقافية، بل يحمل انعكاسات اجتماعية خطيرة.

فحتى لو كانت المجموعة المستهدفة محدودة من المقيمين الأجانب، فإن انتشار هذه الممارسة داخل العاصمة والمدن الكبرى قد يؤدي إلى تغييرات في العادات اليومية للسكان، ويضعف الالتزام بالقيم الدينية، ويزيد من تعرض الشباب لتجارب محفوفة بالمخاطر.

كما أن هذا التوجه يتناقض مع صورة المملكة كدولة محافظة ومركز للديانة الإسلامية، ويطرح تساؤلات حول قدرة السلطات على التحكم في الانعكاسات السلبية، خصوصًا فيما يتعلق بالقيم الأسرية والمجتمعية.

وتخفيف القيود على الكحول في السعودية يشكل علامة على تحوّل جذري في السياسات الاجتماعية للمملكة، لكنه يثير مخاوف كبيرة بشأن تعزيز مظاهر الفساد ونشر الممارسات المخالفة للدين والعرف.

وبينما تسعى الحكومة لتقديم نفسها كدولة أكثر انفتاحًا، يبقى السؤال عن مدى قدرة المملكة على حماية قيمها الدينية والمجتمعية في مواجهة هذه التحولات، وما إذا كانت الأولوية ستظل لصالح الاقتصاد والانفتاح على حساب الأخلاق والموروث الديني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى