عادت الشخصية المثيرة للجدل خالد الفالح إلى الواجهة مجددا في المملكة بعد تعيينه وزيرا للاستثمار عقب أشهر من تجريده من كافة مناصبه الرسمية وفي ظل تاريخ طويل له من الفساد والفشل الاقتصادي.
ويشير تعيين الفالح في دور استثماري جديد إلى أن مشروع التحول الاقتصادي لرؤية المملكة 2030 يحتاج إلى انتعاشة جديدة، وفق ما يذكر تقريره نشره معهد واشنطن للدراسات.
ويقول الكاتب سايمون هندرسون في هذا التقرير إنه في سبتمبر/أيلول الماضي، بدا أن الفالح (وزير الطاقة المقال) يخالف طموحات ولي العهد محمد بن سلمان بعد إظهاره للحذر فيما يتعلّق بعمليات البيع الجزئي لأسهم شركة أرامكو عملاق النفط السعودي.
ففي غضون تسعة أيام، وجد الفالح أن وزارته جُردت من مسؤولياتها في مجال الصناعة والمعادن، كما أنه فقد منصبه كرئيس لشركة أرامكو، وفُصل من منصب وزير الطاقة.
وأفاد الكاتب أن الفالح تم تعيينه على رأس وزارة الاستثمار المنشأة حديثا التي حلت محل الهيئة العامة للاستثمار في خطوة تظهر أنه من الصعب التخلي عنه من طرف بن سلمان وأن بعض المسؤولون يشيرون إلى أن رؤية 2030 يمكن أن تتحوّل إلى رؤية 2035، لاسيما وأن أداء أسهم أرامكو منذ تعويمها في ديسمبر/كانون الأول كان ضعيفا”.
وذكر الكاتب في تقريره أن مراقبي الطاقة فوجؤوا بتعيين الفالح الذي سيحضر الآن الاجتماعات إلى جانب عبد العزيز بن سلمان (وزير الطاقة الحالي) و(رئيس مجلس إدارة شركة أرامكو) ياسر الرميان.
وقال الكاتب “من المعروف أن عبد العزيز كان محبطا عندما كان يعمل تحت قيادة الفالح، كما أنه لن يكون خبير النفط الوحيد في الغرفة”.
في المقابل -يضيف الكاتب- يعاني الرميان من مشاكله الخاصة. ففي 11 فبراير/شباط الحالي، سلّط تقرير نُشر في صحيفة “وول ستريت جورنال” الضوء على علاقته بكارلا ديبيلو منتجة برامج تلفزيون الواقع“.
تقرير الصحيفة الأميركية أشار -بحسب الكاتب- إلى أن بعض المسؤولين في صندوق الاستثمارات العامة السعودي أصبحوا محبطين من اهتمام الرميان بديبيلو في وقت تواجه فيه استثمارات الصندوق الرئيسية صعوبات جمة.
ويقول الكاتب “رغم أنه تمت الإشارة إلى أن الملك سلمان بن عبد العزيز كان وراء إعادة تعيين الفالح فضلا عن التغييرات الأخيرة الأخرى، فإن الأمر يعزى على الأرجح إلى ولي العهد الحاكم الفعلي للمملكة”.
ويضيف أن مهمة الفالح لن تقتصر على المساعدة في الحفاظ على المسار الصحيح لرؤية 2030 فحسب، وإنما سيكون عليه أيضا أن يمهد السبيل للفرص القادمة التي ستُتاح بفضل استضافة السعودية قمة مجموعة العشرين في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، يضيف الكاتب.
ويختم التقرير بأنه يتعين على الفالح أيضا أن يتعامل مع الحذر المستمر للمستثمرين الأجانب الناجم عن مقتل الصحافي جمال خاشقجي عام 2018 واحتجاز رجال الأعمال السعوديين والأمراء المنافسين في فندق ريتز كارلتون بالرياض عام 2017 خلال ما عُرف بحملة القمع ضد الفساد.
وكان بدأ خالد الفالح عمله في ارامكو تحت كنف النعيمي الذي يعتبر عرابه في الشركة حيث بدأ عمله مع والده عبد العزيز الفالح الذي كان يشغل نصب نائب الرئيس وكان النعيمي آن ذاك هو الرئيس.
بتوصية من والده للنعيمي وبذكاء من الفالح نفسه استطاع أن يحصل على خطوة ومعاملة خاصة في الشركة واستطاع من خلالها الوصول لمنصبه الحالي.
لكن تلك الخطوة لم تكن كافية فقام بإزالة كل المنافسين من طريقه بالرغم من كفاءتهم وأحق منه بالمنصب.
ومن أبرز أساليبه في حربهم تلفيق قضايا فساد زائفة عليهم, وهذا ما حدث بالفعل مع احد الموظفين حيث تم تلفيق قضية عليه واجبر على تقديم استقالته أو يكون بالسجن مصيره.
بدأت قضايا الفساد المتعلقة بالفالح قبل توليه للمنصب حيث قام بابتعاث ابنه لدراسة البكالوريوس في الهندسة في جامعة ماساتشوستس المعروفة اختصارا ب (MIT) وهي الأفضل في مجال الهندسة في العالم في حين يبعث الطلبة العاديون إلى جامعات أقل مستوى منها بكثير.
بعد أن أنهى دراسة البكالوريوس عاد للعمل في مصفاة رأس تنورة لمدة وجيزة لم تتجاوز السنتين, ثم أعيد ابتعاثه من جديد لدراسة الماجستير في جامعة (ستافورد) تخصص إدارة أعمال الملفت أن تكلفة دراسته للماجستير حوالي مليون ريال نظراً لغلاء الدراسة في الجامعة.
بعد أن أنهى دراسة الماجستير عاد مرة أخرى للشركة لكنه لم يداوم يوم واحد بعد عودته حيث قام والده بنقله إلى شركة (ماكينزي) للرؤية الوطنية, وتولى فيها منصبا رفيعاً.
على طريقة النعيمي, قام الفالح بتوظيف جميع أقاربه “تقريبا” في الشركة بما فيهم زوجته التي تعمل كأستاذة جامعية في جامعة الدمام وتسيطر بشكل كبير على الشركة حتى بات معروفا بأنها هي رئيسة أرامكو الفعلية.
قامت زوجته بتعين ابناء وبنات اخوانها واخواتها في الشركة دون حسيب أو رقيب كما أنها تتحكم بشكل كبير في ملفات التعيين والتوظيف.
كما أنها تستخدم طائرات الشركة الخاصة بشكل شخصي في السفر والسياحة حول العالم لها ولصديقاتها وأقاربها, اضافة للطائرة الخاصة التي يستخدمها الفالح.
تصرف الشركة مبالغ طائلة كتكلفة تشغيلية لهذه الطائرات إضافة لرواتب الطيارين “مبالغ تقدر بمئات الآلاف أسبوعياً” كما أن رواتب الطيارين “الغير سعوديين” أعلى بكثير من رواتب الطيارين السعوديين.
اشتهر الفالح دون غيره من رؤوسا ارامكو بفساده المالي تحديداً, حيث كان ولا يزال يتلاعب بعقود الشركة ويجير امكانياتها لحسابه الشخصي, حيث أمر ببناء قصر له ولأسرته على حساب الشركة تقدر قيمته بحوالي 20مليون ريال إضافة لبيته الأول في حي الرابية.
لم يكتفي الفالح بتوظيف أقاربه وأقارب زوجته في الشركة بل قام بتوظيفهم كذلك في وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية, حيث قام بتوظيف مجموعة كبيرة من أقاربه هناك والكثير منهم يشغل وظيفتين في الشركة والوزارة.
الفالح الذي يشغل حاليا رئيس مجلس الإدارة في الشركة, قام بتعيين “أمين الناصر” كرئيس للشركة بعد استلامه حقيبة وزارة الطاقة.
الناصر هو عبارة عن دمية يقوم الفالح بالتحكم به كما يشاء وكان هذا شرط تعيينه الأساسي, وهي نفس الوصاية التي كانت تمارس على الفالح من قبل النعيمي سابقاً.
بعد حملة الريتز ومحاربة الفساد التي اطلقتها المملكة, توتر الفالح كثيراً وبدأ يشعر بقلق حقيقي من احتمالية استدعاءه وخصوصا بعد أن تم استدعاء النعيمي فقام بتصفية بعض الأمور المالية وإيقاف جميع العقود الكبرى ووجه أقاربه وزوجته للتوقف عن أي نشاط مشبوه.
بقيت الأمور على هذا الحال فترة, حتى أن الفالح لم يكن يوقع على أي قرار حينها مما أضر بسير العمل, وبعد أن شهر باطمئنان أكبر وأن حملة الفساد لن تطاله عاد لأفعاله التي كان عليها, وعاد ليمارس فساده بصورة أكبر من السابق دون حسيب أو رقيب.