وسط الحضور العالمي والعربي في تطورات حرب إسرائيل على قطاع غزة المستمرة للأسبوع الرابع على التولي، ظهرت السعودية ذات الأهمية السياسية والدينية والاقتصادية الغائب الأكبر بشكل غير مسبوق لأي شكل من أشكال الدعم.
وأبرز مراقبون أن السلطات السعودية لم تتخذ أي مواقف حقيقية يمكنها التأثير لها لوقف الحرب رغم أنها تملك أدوات كثيرة للضغط والتأثير، ولا المجتمع خرج للشوارع تضامنا وتعبيرا عن الغضب كما فعلت غالبية دول الخليج
بموازاة ذلك منع الديوان الملكي الخطباء من الحديث علانية عن جرائم الحرب الحاصلة بحق الفلسطينيين ولم يتم السماح بفتح حملات الإغاثة الحكومية التي أصبحت المنصة الوحيدة التي يمكن للناس التبرع من خلالها للعمل الإنساني
وفي العالم العربي، حيث يسود الاستبداد والقمع للأسف، وتُقهر الإرادة الشعبية، كانت المواقف العربية الرسمية عار لا يماثله عار وصفحة مخجلة في التاريخ العربي.
ومن الصعب حقيقة تخيل كيف يمكن للأجيال القادمة أن تصدق، أن من يسمون أنفسهم زعماء وقادة عرب اتخذوا مواقف مثل هذه في هذه الأيام، وأنهم خذلوا أشقاءهم، في أقل الأحوال ألم يكونوا شركاء في دماءهم.
فهذه الأنظمة التي تحرك جيوشها لقمع شعوبها حين تطالب بحقوقها، لم تكتف هذه المرة بالصمت على ما يجري على بعد مسافات بسيطة من قواعدها، لا بل تحركت عند الحدود، لتحميها من احتجاجات شعبية عندها.
وفي السعودية الكل يتساءل ويستغرب غياباً ملحوظاً وغير مسبوق لأي شكل من أشكال الدعم، غياب أو تغييب، يطول الشرح والتفصيل.
فلا السلطة اتخذت مواقف حقيقية يمكنها التأثير وهي تملك أدوات كثيرة للضغط والتأثير، ولا المجتمع خرج للشوارع تضامنا وتعبيرا عن الغضب كما فعل البحرينيون والقطريين والكويتيين والعمانيين.
ولا الخطباء تحدثوا، ولا حتى فُتحت حملات الإغاثة الحكومية التي أصبحت المنصة الوحيدة التي يمكن للناس التبرع من خلالها للعمل الإنساني، بالرغم من أن حملات مساعدات واسعة بدأت في الجوار الخليجي.
وهنا مفارقة أخرى، فالإمارات رغم تطبيعها علنا مع إسرائيل، خرجت منها بيانات تضامن شعبية وحملات تبرع ومساعدات علنية، ووقف للأنشطة الترفيهية.
أما في السعودية، فالمشهد على النقيض من ذلك، رغم عدم اكتمال مشهد التطبيع العلني حتى الآن، علما أن المسئولين السعوديين أعلنوا لصحف غربية أن التطبيع مؤجل لا أكثر.
لكن على الأقل أعادت الحرب على غزة الحياة لتعاطف سعت السلطات السعودية طيلة التسع سنوات الماضية بكل أدواتها لتجريفه، بداية بالاعتقالات السياسية مروراً بتصدير شخصيات منبوذة ومشبوهة تروج للتطبيع.
وفي السعودية نفسها، التي يتفاخر ذبابها وفاشييها بعظمتها المزعومة، تم استدعاء أصحاب حسابات رياضية تحدثوا عما يجري في غزة وجميعهم غردوا بعبارة موحدة، “اعتذر على ما بدر مني من نشر تغريدات لها علاقة بالأمور السياسية في رياضتنا الحبيبة”.
وذلك في مشهد عبثي يدل لأي درجة وصل القمع، ومن يعبر عن تعاطفه، يكتب بحذر وخجل شديد، وأي خروج عن النص يقابل بالقمع والإذلال.
وبذلك، كان البلد الذي يحتضن أهم المقدسات الإسلامية، هو البلد العربي الأقل تضامنا ودعماً وحضوراً في هذه الأحداث، رغم مواقفه السابقة على الأقل العلنية والمجال المحدود الذي كان متاحاً لشعبه للتعبير والتضامن، والذي أغلق تماماً مع وصول النظام الحالي للسلطات وحتى حملات التبرع والإغاثة، والتي لم تتاح حتى هذه اللحظة.
فالمجال العام في السعودية مغلق، والسلطات لم تستخدم حتى الحد الأدنى من الإمكانيات والأدوات الكثيرة التي يمكنها لو أرادت وكانت جادة أن تستخدمها للضغط والتأثير لوقف مخطط الإبادة الجماعية والتهجير في غزة.
لكن الثابت أن ولي محمد بن سلمان اختار تقزيم السعودية إلى صورة غير مسبوقة، فمن بداية الأحداث هناك غياب شبه تام للسعودية وحتى في محادثات التهدئة كان حضور مصر وقطر هو الأبرز.
وهذا التقزيم حقيقة تنفي بكل وضوح شعارات العظمة الواهمة التي روجها هذا النظام ولا زال، فأي عظمة وأنت غائب عن أي دور فاعل، وأي عظمة وأنت تغيب شعبك وتمنعه من أي أشكال التضامن والدعم، وتجعله في مواقف محرجة ومخجلة ليس فقط أمام أشقاءه الخليجيين والعرب، بل وحتى الشعوب الحية حول العالم.