خوف وقلق سعودي من “الولاية القضائية” خشية المساس بولي العهد
بعد إقدام محكمة أمريكية على استدعاء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للتحقيق معه حول التهم الموجهة إليه من المسؤول الأمني السابق سعد الجبري، وأرملة الصحفي السعودي خديجة جنكيز.
وهاجمت سلطات آل سعود، الولاية القضائية العالمية، واعتبرتها تدخلاً في الشؤون الداخلية للدول وانتهاكاً لسيادتها. ودعت رئيسة وفد السعودية في الأمم المتحدة نداء أبو علي، إلى “عدم تقويض سيادة الدول والتدخل في شؤونها عبر استخدام مبدأ الولاية القضائية العالمية”.
ورأت أن اللجوء للولاية القضائية يجب أن يكون في حالات معينة متمثلة في الجرائم الخطيرة، وفي الحالات التي تكون فيها الدول التي ارتكبت فيها الجرائم غير راغبة في ممارسة ولايتها القضائية أو غير قادرة عليها.
ويجرّم القانون الدولي جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية ومختلف انتهاكات حقوق الإنسان، ويفرض من ثم على جميع الدول أن تحقق في تلك الجرائم وتحاكم مرتكبيها أمام القضاء الوطني.
ولكن في حالة افتقاد القضاء الوطني شروط النزاهة والعدالة، لا يتبقى أمام ضحايا تلك الانتهاكات سوى اللجوء إلى دول يطبق نظامها القضائي قاعدة (الولاية القضائية العالمية).
ويشكّل مبدأ الولاية القضائية العالمية إحدى الأدوات الأساسية لضمان منع الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنسانية وتجريم مرتكبيها وقمعها.
لكن هذه الآلية تصطدم بعدم قيام جهاز الشرطة الدولية “الإنتربول” بمهمته في توقيف المطلوبين للمثول أمام القضاء الدولي، كما أنه يصطدم بعدم انصياع الدول لقرارات تسليم مسؤوليها للمحاكمة في دول أخرى.
وتتقاطع هذه الانتقادات السعودية للولاية القضائية العالمية مع قضايا مرفوعة حالياً في الولايات المتحدة وفي تركيا، وتستهدف ولي العهد ومجموعة من كبار مساعديه.
وتتعلق القضايا بمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي قبل عامين على يد فريق سعودي داخل قنصلية المملكة في إسطنبول، وأيضاً بمحاولة اغتيال ضابط المخابرات السعودي السابق سعد الجبري، في كندا.
وأظهرت وثيقة لمحكمة واشنطن، بتاريخ الخميس 29 أكتوبر، أنها أرسلت مذكرة ورسائل استدعاء لابن سلمان عبر واتساب باللغتين العربية والإنجليزية، في 22 سبتمبر الماضي.
وفي أغسطس الماضي، تقدم الجبري، الذي كان مستشاراً لولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف، بدعوى قضائية، اتهم فيها ولي العهد الحالي بإرسال فريق لقتله في كندا على غرار جريمة مقتل خاشقجي داخل قنصلية بلاده بإسطنبول في أكتوبر 2018.
وإلى جانب بن سلمان، استدعت المحكمة الأمريكية سعود القحطاني (المستشار بالديوان الملكي والذراع اليمنى لولي العهد)، وبدر العساكر (مدير المكتب الخاص لولي العهد السعودي).
كما جرى استدعاء أحمد عسيري (نائب مدير الاستخبارات السعودية)، وجميعهم يواجهون اتهامات بالمشاركة في جريمة اغتيال خاشقجي قبل عامين.
وفي محاولة جديدة للإبقاء على قضية خاشقجي حيّة رغم محاولات القضاء السعودي تمويتها، رفعت خديجة جنكيز، خطيبة الصحفي السعودي الراحل خاشقجي، (الثلاثاء 20 أكتوبر)، دعوى أمام محكمة فيدرالية أمريكية ضد بن سلمان وأكثر من عشرين آخرين، واتهمتهم بـ”القتل المروّع”.
وقال الأكاديمي السعودي الدكتور عبد الله العودة، إن هذه الاعتراضات السعودية على الولاية القضائية العالمية تعكس مخاوفها من تطور هذه القضايا المرفوعة ضد المملكة، وخاصة المتعلقة بخاشقجي.
وأكد العودة أن الولاية القضائية العالمية “تزعج من يحاولون تحويل العالم إلى مسرح لجرائمهم، لأن هذه الولاية تدفع العالم إلى ملاحقة هؤلاء”.
ورأي أن نظام آل سعود لن يتخلّى بسهولة عن “المنشار” كوسيلة للتعامل مع الخصوم السياسيين، “لكنه فقط يحاول تقويض أي محاولة لمحاسبته على جرائمه؛ من خلال اعتبار الولاية القضائية الدولية “تدخلاً في شؤون الدول”.
وتابع العودة: “من اغتال خاشقجي في إسطنبول، ثم حاول اغتيال الجبري في كندا، هو من لا يحترم سيادة الدول”، وذلك في إشارة لولي عهد الرياض.
واتفقت رئيسة مجلس جنيف للحقوق والحريات لمياء فضلة، مع العودة، وأكدت أن سلطات آل سعود بدأت تتخوف من تبعات الأخطاء التي ارتكبها بن سلمان منذ توليه ولاية العهد.
وقالت فضلة إن هذا التخوّف ليس فقط من قضية الجبري، لكنه يمتد إلى قضايا وانتهاكات تورطت فيها المملكة وأدت إلى تشويه سجلها الحقوقي؛ بدءاً من الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في اليمن تحت غطاء التحالف العربي، ثم قضية اغتيال خاشقجي والتنكيل بجثته بشكل مروع.
وتابعت: “سجل الرياض الأسود في الإعدامات والانتهاكات الصارخة لحرية الرأي، وشن حملة اعتقالات لنشطاء في المجال الحقوقي والسياسي، وتعذيبهم ومعاملتهم بسوء في السجون”.
وأشارت فضلة إلى أن هذه الملاحقات الدولية بدأت في إطار الولاية القضائية العالمية عندما استدعي ولي العهد من قبل محكمة أمريكية في قضية الجبري، وأيضاً الدعوى التي رفعتها خطيبة خاشقجي ومؤسسة “فجر” في الولايات المتحدة.
وهنا يكمن تخوف المملكة من أن مرحلة المساءلة على المستوى الدولي والتحقيق في هذه الجرائم والانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني قد بدأت بالفعل، بحسب فضلة.
وخلصت فضلة إلى أن قيمة الولاية القضائية العالمية تكمن في أنها “البديل الوحيد حال فشل الدولة المعنية في تحمل مسؤوليتها عن التحقيق في هذه الانتهاكات ومقاضاة مقترفيها، وهو ما يحدث فعلاً في السعودية التي تستخف بحقوق الإنسان وتستمر في انتهاكاتها الجسيمة للقانون الدولي الإنساني”.