صعدت جماعة أنصار الله “الحوثيين”، خلال الأشهر الأخيرة من وتيرة هجماتها على أهداف حيوية داخل عمق المملكة، جلها بطائرات ملغومة مسيرة، في تطور وصف بأنه “نوعي” ما يكرس العجز لدى نظام آل سعود.
وكان آخر تلك الهجمات التي أعلنت جماعة الحوثي مسؤوليتها عنها استهداف بطائرات مسيرة دون طيار، في 14 سبتمبر الجاري، مصنعين تابعين لشركة “أرامكو” النفطية بمحافظة بقيق وهجرة خريص شرق المملكة.
وتتّهم الرياض بشكل مستمر خصمها اللدود في المنطقة -إيران- بمدّ الحوثيين بالسلاح والمال، وتطوير قدرات الحوثيين من الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية.
ورغم أن جماعة الحوثي تعلن مراراً أن استهداف المنشآت النفطية والمطارات سيكون بداية لعمليات قادمة، وهو ما يشير إلى أن التصعيد الحوثي سيستمر، فإن مساحة التساؤلات تتسع حول ردة الفعل السعودية حيال ذلك، والتي غالباً ما تشير إلى أن المملكة تأقلمت مع تلك الهجمات. ركز الحوثيون هجماتهم الصاروخية على المراكز الاقتصادية وما يتصل بها؛ كالمطارات، والهيئات الحكومية، ففي مدينة جازان، التي تضم منطقة صناعية جديدة، وميناء، ومصفاة نفطية، تتعرض هذه المرافق لهجمات متواصلة بالصواريخ قصيرة المدى.
وفي الرياض يتعرض مطارها، وما يُعرف بـ”الميناء الجاف”، لسلسلة هجمات صاروخية متواصلة، منذ نوفمبر 2017، ما من شأنه إحداث آثارٍ سلبية في النشاط الاقتصادي على نحو تأثر به النشاط التجاري في مناطق نجران، وعسير، وجازان، التي أُغلقت قطاعات تجارية واسعة فيها، وتحولت أجزاء منها إلى مناطق عزل عسكرية.
في 14 سبتمبر الجاري، عن ثلاثة مصادر مطلعة قولها إن الإنتاج النفطي السعودي وصادرات المملكة تعطلا بعد هجمات بطائرات مسيَّرة على منشأتين لشركة أرامكو، ما تسبب في توقف إنتاج خمسة ملايين برميل من النفط يومياً، أي قرابة نصف الإنتاج الحالي للمملكة.
وتسبب القصف الذي استهدف شركة أرامكو، في مايو من العام الماضي، بانخفاض المؤشر الرئيس للأسهم السعودية بنسبة 2%، وبلغت خسائرها خلال أقل من 72 ساعة قرابة 31 مليار دولار.
وعن أبرز أسباب فشل التصدي من قبل قوات آل سعود لهجمات الحوثي يقول الكاتب السياسي عصام الزيات، إنه يعود إلى أن أنظمة الدفاع الجوي الأمريكية التي تستخدمها المملكة -وعلى رأسها “الباتريوت”- يمكنها ببراعة تدمير صاروخ عابر للقارات، لكنها تعجز أمام صاروخٍ مُطلق من مكان قريب.
ويشير إلى أن الحوثيين يستخدمون النوع الصغير من الطائرات “الدرون”، وهو ما يجعل من الصعب رؤيتها بالعين المُجردة حتى من مسافة قريبة، إضافة إلى عدم كشفها من أجهزة الرادار والأجهزة السعودية؛ لأن هذه الأجهزة مصممة للكشف عن الطائرات الضخمة والسريعة.
ويصف محللون ما وصل إليه حال المملكة في حربها مع الحوثيين بأنه “فشل” في التخلص من هذه المليشيات، “رغم مرور أربع سنوات على بداية الحرب، ورغم ضخامة ترسانتها العسكرية التي لا تقارن بإمكانات الحوثيين.
إذ أن المملكة وصلت بفعل فشل آل سعود إلى مرحلة “التكيُّف” في حربها مع الحوثيين، خاصة بعد عجزها عن التصدي للضربات الأخيرة التي تلقتها من قبلهم، وهي تبدو كأنها لا تملك خياراً سوى “التكيُّف” مع تلك الضربات؛ بسبب عدم امتلاكها “استراتيجية للخروج” من أزمة حربها في اليمن.
أما لماذا لم تستفيد المملكة من الترسانة العسكرية التي تمتلكها لصد الحوثيين؛ فيرى المراقبون أن هذه الترسانة “شكلية”، وهي “قناة تسليع للعلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والرياض” خاصة عند النظر إلى اختلاف مفهوم التسليح السعودي الذي يتمثل في “تسليع” الموقف الأمريكي ليحمي الرياض، وحقيقة أن واشنطن “لن تسمح للرياض بامتلاك قوة عسكرية حقيقية”.
ورغم أن معظم دول العالم تعقد قياداتها اجتماعات طارئة وتعلن حالة الطوارئ في البلاد عقب هجمات محدودة أو عمليات إرهابية تتعرض لها، فإن موقف آل سعود كان مناقضاً لذلك؛ إذ أن النظام لم يحرك ساكناً لصد الهجمات الحوثية خلال الأعوام الماضية وحتى اليوم.
وتستخدم المملكة إعلامها في توجيه رسائلها إزاء الحرب في اليمن، وهو ما انعكس على تدهور الوضع بالبلاد؛ باعتباره يرفض تصوير ما تتعرض له المملكة بأنه تجاوز للخطوط الحمراء، ويهدد أمن وسلامة البلاد، رغم الخسائر الاقتصادية الكبرى التي تتعرض لها.
وأبقت وسائل الإعلام الرسميية خطاب التطمين وإنكار حدوث أي آثار بسبب تلك الهجمات، واكتفت بتطمين الشارع بالرد “الحازم”، عبر نقل تصريحات الجانب الرسمي، كان آخرها تصريح لولي العهد محمد بن سلمان الذي قال عقب الهجوم الذي استهدف أرامكو: إن “للمملكة الإرادة والقدرة على مواجهة هذا العدوان”.
لجأت الرياض إلى أسلوب ادعاء المظلومية بتضررها من هجوم الحوثيين على أراضيها، واستخدمت أدواتها الدبلوماسية للحصول على بيانات تضامنية معها من الدول الكبرى والدول العربية؛ بهدف تجاهل الدخول في معارك مباشرة مع إيران.
وتبعث الرياض بعد كل حادثة برسالة إلى مجلس الأمن الدولي، تطالب من خلالها بإجراءات عاجلة لردع مثل هذه الهجمات، وتتهم إيران بدعم “الإرهاب”، كما طلبت بعد الهجوم الأخير مساعدة أطراف دولية في التحقيقات.
والمرة الوحيدة التي تحركت فيها الرياض -والذي يقول البعض إنه (التحرك) بتوجيه من أبوظبي- كانت بتأليب السعودية الموقف الدولي ضد الحوثيين وإيران؛ من خلال اجتماع ثلاثي لدول الخليج والدول العربية والتعاون الإسلامي في مكة المكرمة، في مايو الماضي، لم يسفر عن نتائج ملموسة.
موقف الرياض الأخير اقتصر على إطلاق تصريحات تتهم إيران بتزويد الحوثيين بقدرات نوعية لضرب أماكن داخل أراضيها، وهو الموقف الذي وصفه مراقبون بالـ”رخو”، ولم يحدث من قبل، حيث كانت المملكة تصعد من عملياتها ضد الجماعة الحوثية جواً وبراً داخل اليمن دون إجراءات ملموسة لحفظ سمائها.
وعقب كل هجمات كان ينفذها الحوثيون ضد المملكة كان اليمنيون يشعرون بالخوف والقلق من ردة الفعل الانتقامية من الرياض، والتي كانت غالباً ما تشن غارات مكثفة في صنعاء بشكل رئيسي وبعض المدن اليمنية، وتتسبب في سقوط قتلى وجرحى مدنيين.