متفرقات سعودية

فجوة متزايدة بين تفاؤل الرياض والتحذيرات الدولية بشأن العجز المالي السعودي

تكشف تقديرات متباينة بين الحكومة السعودية ومؤسسات المال العالمية عن صورة أقل وردية لوضع الاقتصاد السعودي وميزانيته العامة، في وقت تراهن فيه الرياض على خفض العجز المالي تدريجيًا خلال الأعوام المقبلة.

فبينما تؤكد السلطات السعودية قدرتها على تقليص العجز إلى 3.3% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2026، ترى بنوك استثمار كبرى في وول ستريت أن هذه الأهداف متفائلة إلى حد بعيد، وأن العجز مرشح للبقاء عند مستويات أعلى بكثير، وفق ما نقلته وكالة بلومبيرغ.

وتشير تقديرات محللي غولدمان ساكس إلى أن العجز المالي السعودي قد يلامس 6% من الناتج المحلي الإجمالي، فيما يقدّر بنك أوف أمريكا العجز بنحو 5%، أي بفارق كبير عن الأرقام الرسمية المعلنة.

ويكشف هذا التباين عن فجوة ثقة متزايدة بين الخطاب الحكومي والقراءة الواقعية للأسواق العالمية تجاه قدرة المملكة على ضبط الإنفاق وتمويل التزاماتها المتنامية.

وتعتمد الحكومة السعودية في سرديتها المالية على فرضيات متفائلة، في مقدمتها استمرار الإنفاق الرأسمالي المرتبط بمشاريع «رؤية 2030» باعتباره محركًا للنمو، مع ضبط تدريجي للعجز دون المساس بالاحتياطيات أو اللجوء إلى إجراءات تقشفية قاسية.

غير أن هذا النهج يواجه انتقادات متزايدة، إذ يرى محللون أن حجم الالتزامات الاستثمارية الضخم، وتذبذب أسعار النفط، والاعتماد المستمر على الإيرادات الهيدروكربونية، تجعل خفض العجز إلى المستويات المستهدفة أمرًا بالغ الصعوبة.

وتبرز أسعار النفط كعامل حاسم في هذا الجدل. فالسعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، لا تزال تعتمد بشكل جوهري على العائدات النفطية لتمويل ميزانيتها.

ومع أن الحكومة تراهن على استقرار نسبي للأسعار، فإن وول ستريت تنظر بقدر أكبر من الحذر، معتبرة أن أي تراجع في الأسعار أو ضعف في الطلب العالمي سيترجم سريعًا إلى ضغوط إضافية على الميزانية، ويقوّض خطط خفض العجز.

في هذا السياق، تخطط الرياض لسد الفجوة التمويلية عبر الاقتراض المنظم، بدلًا من السحب المكثف من الاحتياطيات أو إغراق الأسواق المحلية بالديون.

وتُقدَّم هذه الاستراتيجية رسميًا على أنها خيار «مدروس» يحافظ على استقرار السيولة ويعزز عمق أسواق الدين.

لكن منتقدين يرون أن الاعتماد المتزايد على الاقتراض، محليًا ودوليًا، يحمل مخاطر تراكم الدين العام وارتفاع تكاليف خدمته، لا سيما في بيئة عالمية تتسم بأسعار فائدة مرتفعة وتقلبات مالية.

ويحذّر محللون من أن اتساع فجوة العجز قد يضع الحكومة أمام خيارات أصعب مستقبلًا، تشمل إما زيادة الضرائب والرسوم، أو خفض الإنفاق، أو الجمع بين الخيارين.

وهي سيناريوهات تتناقض مع الخطاب الرسمي الذي يَعِد باستمرار الإنفاق التحفيزي دون أعباء إضافية على المواطنين والمقيمين.

ويذهب بعض المراقبين إلى أن تأجيل المعالجة الجذرية للعجز قد يفاقم المشكلة بدلًا من حلها، خصوصًا إذا ترافق مع تباطؤ اقتصادي عالمي أو صدمات في أسواق الطاقة.

كما يسلّط هذا التباين الضوء على إشكالية أعمق تتعلق بالشفافية والتوقعات الواقعية.

فبينما تسعى الرياض إلى طمأنة المستثمرين عبر أرقام رسمية متفائلة، تعتمد المؤسسات المالية العالمية على سيناريوهات أكثر تحفظًا، تأخذ في الحسبان مخاطر التنفيذ وتكاليف المشاريع العملاقة وضغوط التمويل.

ويخشى بعض المستثمرين أن يؤدي استمرار هذا التناقض إلى تقلبات في ثقة الأسواق، أو إلى إعادة تسعير المخاطر المرتبطة بالديون السعودية.

وتأتي هذه التطورات في وقت تواجه فيه المملكة تحديات مزدوجة: الحفاظ على زخم التحول الاقتصادي من جهة، وضمان استدامة المالية العامة من جهة أخرى.

وبينما تؤكد الحكومة أن الاقتراض أداة مرحلية ضمن استراتيجية أوسع، يرى محللو وول ستريت أن المشكلة ليست في الأداة بحد ذاتها، بل في حجم العجز واستمراريته مقارنة بالموارد المتاحة.

في المحصلة، يكشف تقرير بلومبيرغ عن واقع اقتصادي أكثر تعقيدًا مما تعكسه البيانات الرسمية، ويطرح تساؤلات جدية حول قدرة السعودية على تحقيق أهدافها المالية المعلنة ضمن الأطر الزمنية المحددة.

وبين تفاؤل الرياض وتحفظ وول ستريت، يبقى العجز المالي نقطة ضعف بنيوية تهدد بتقويض الطموحات الاقتصادية إذا لم تُواجَه بسياسات أكثر واقعية وشفافية، تعترف بالتحديات بدل الاكتفاء بإدارة صورتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى