يتورط نظام آل سعود بانقلاب صريح على أحكام الشرع بشأن أداء العبادات عبر قراراته المتتالية منذ صعود محمد بن سلمان إلى ولاية العهد صيف 2017، والتي تمثل تغييرا قسريا لمسار المملكة وخلع عباءتها المحافظة.
ووصل انقلاب بن سلمان إلى أحد أركان الإسلام، بإعلان رئيس لجنة الحج والعمرة بالغرفة التجارية الصناعية في مكة المكرمة مروان شعبان عن التوجه إلى إلغاء “المَحرم” المرافق للنساء لكل الأعمار من أجل أداء العمرة.
كما أعلن الأمين العام للجنة الوطنية للحج والعمرة السعودية مازن درار، أن سلطات آل سعود تدرس إلغاء شرط “المَحرم” للنساء القادمات إلى البلاد لأداء شعيرة العمرة، بزعم طلب شركات ومؤسسات العمرة ذلك.
ونقلت مصادر إعلامية عن موظف في وزارة الحج والعمرة تأكيده أن “هناك دراسة لإجراءات إصدار تأشيرة الزيارة، سواء كانت بغرض العمرة أو السياحة أو غيرها، دون مَحْرم، ولا يزال تحت الدراسة”.
وتتكفل هيئة الترفيه، التي يقودها تركي آل الشيخ أحد المقربين من بن سلمان، بمهمة إقامة فعاليات غنائية، يعتبرها البعض “دخيلة وغريبة وبعيدة” كلياً عن هوية المجتمع السعودي؛ وهو ما أحدث صدمة كبيرة وزاد من حالة الغضب والاستياء في مختلف الأوساط.
وآل الشيخ، الذي يعمل أيضاً مستشاراً بالديوان الملكي السعودي، أكد تزامناً مع افتتاح مسيرة “موسم الرياض”، أن ما تشهده بلاده “ما كان ليتحقق لولا وجود شخص بمقام ورؤية محمد بن سلمان”، ما يؤكد أن كل ما يحدث في المملكة من تحوُّلات كان بقرار وتخطيط رسمي رفيع المستوى.
وقبل أسبوعين أقرت هيئة السياحة في نظام آل سعود إجراءات جديدة شملت السماح للمرأة والأجانب بالسكن في الفنادق، بحيث تتواجد الأولى دون محرم، والثانية دون التقيد بسجل الأسرة.
وأواخر الشهر الماضي أعلنت المملكة تفعيل “التأشيرة السياحية”، للمرة الأولى، ليتمكن مواطنو 49 دولة من الحصول عليها إلكترونيا في زمن قياسي لا يتجاوز الـ7 دقائق.
وفي أوائل الشهر الجاري، ألغت سلطات آل سعود شرط اصطحاب المرأة لأحد محارمها لتتمكن من السكن بفنادق المملكة.
وألغت الهيئة شرط إثبات تحقيق شخصية أو سجل الأسرة، في حال كان طالب السكن رفقة عائلته عند القدوم، بعد أن كان مطلبا إلزاميا في السابق، ويشمل ذلك “السعوديين، المقيمين، الزائرين الأجانب، السياح”.
وتتجه المملكة حاليا لأنواع سياحية جديدة لتنويع مصادر الدخل في اقتصادها المعتمد على النفط، ولزيادة إيراداتها المتضررة من تراجع أسعار النفط عن مستويات منتصف 2014، وفق تقارير رسمية.
وباستعراض طريقة إدارة السلطات الرسمية في السعودية للملفات التي كانت تُعتبر سابقاً من المسلمات ولا يجوز تعديلها، خاصة إذا كانت مرتبطة بحكم شرعي واضح لا لبس فيه، فإنها تعمد أولاً إلى إخراجه على وسائل الإعلام، ثم تبدأ بتطبيقه شيئاً فشيئاً حتى يصبح نافذاً؛ وذلك خشية غضب المجتمع السعودي.
وبعبارة أوضح، يمكن القول إن نظام آل سعود منح الضوء الأخضر للمرأة بأداء العمرة بلا مَحرم كخطوة أولى، يليها على الأرجح الموافقة لها على أداء مناسك الحج بلا مَحرم كذلك.
ولا يبدو أن محمد بن سلمان يعير رأي الشرع أي اهتمام، رغم أن سلطات المملكة تدَّعي قيام دستورها على القرآن الكريم والسُّنة النبوية؛ إذ إنها تضرب -من خلال قرارها المرتقب السماح للمرأة بالحج دون مَحرم- بالأحكام الفقهية التي ترفض ذلك جملة وتفصيلاً، عرض الحائط.
ومَحرم المرأة هو زوجها أو من يَحْرُم عليها تحريماً دائماً، بسبب قرابة، أو رَضاعة، أو مصاهرة، ويكون مسلماً بالغاً عاقلاً ثقة مأموناً.
والمقصود من المَحْرَم حمايةُ المرأة وصيانتها والقيام بشأنها، كما يُخشى عليها من “الفتنة” عند السفر وحدها.
ويشترط وجوبه لأداء المرأة فريضة الحج، وهذا مذهب الحنفية والحنابلة واختاره ابن باز وابن عُثيمين، وبه صدرت فتوى اللجنة الدائمة، التابعة لهيئة كبار العلماء.
أما فيما يتعلق بالأدلة على وجوب وجود مَحرم للمرأة لأداء فريضة الحج؛ فعن ابن عُمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا يحلُّ لامرأة تُؤمن بالله واليوم الآخر، تسافر مسيرة ثلاث ليالٍ، إلا ومعها ذو مَحرم”.
وما ينطبق على الحج ينسحب أيضاً على العمرة؛ إذ لا يجوز أن تسافر المرأة بلا مَحرم، ولم يخص حديث الرسول “سفراً دون سفر، ولم يستثنِ من ذلك، السفرَ للعمرة ولا غيره”.
وفي السنوات الأخيرة، أباح بعض الفقهاء خروج المرأة للحج، في حالات معيَّنة، كأن تكون في سن متقدمة “لا يُخشى عليها من الفتنة”.