نشرت صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية قبل أيام توقعاتها بانسحاب قوات آل سعود من اليمن بناء على حوار أجرته مع دبلوماسي عربي يعمل في إطار جامعة الدول العربية.
ورجحت الصحيفة انسحاب قوات آل سعود من اليمن، بعد قيام الإمارات بذلك، على حد تعبيرها.
ونقلت الصحيفة عن الدبلوماسي العربي قوله: “فإن المحادثات مع مسؤولين آل سعود تترك الانطباع بأن الرياض تدرك مخاطر استمرار المشاركة في الحرب”.
وأضافت أن المسؤول “لم يحدد سبب انسحاب المملكة المزمع من المشاركة في النزاع اليمني، لكنه رجح أن الحملة باتت باهظة الكلفة بالنسبة للرياض”.
وفي رأي مشابه، نقلت الصحيفة عن الأستاذ في قسم الشرق المعاصر بكلية التاريخ والعلوم السياسية والقانون بالجامعة الحكومية الروسية للعلوم الإنسانية، غريغوري كوساتش، قوله: “من الممكن تماما أن يتم تخفيض قوات آل سعود في اليمن بالطريقة التي فعلت بها الإمارات ذلك”.
وأشار إلى أنه بالنسبة للرياض يعد توقف الحوثيين عن المقاومة، مع عدم تقديمهم لتنازلات، دافعا لها لتقليص عدد القوات الموجودة هناك.
وقال كوساتش إن “الشرط الآخر لجعل وجود آل سعود في اليمن مثاليا هو تخلي إيران عن أي دعم للمتمردين”، منوها إلى الاتهامات التي وجهتها الرياض لطهران مرارا بدعم الحوثيين، ماليا وعسكريا.
واستبعد وجود تنافس بين الرياض وأبو ظبي على الأراضي اليمنية، مشيرا إلى أنه لم يلاحظ وجود شرخ بين الدولتين في ما يتعلق باليمن.
وتابع: “الأحاديث عن تنافس بين الرياض وأبو ظبي على الأراضي اليمنية ليست وليدة اليوم، بل هي حكاية قديمة”.
وختم بقوله: “من المرجح أن يتم تقييم الإجراءات التي اتخذتها دولة الإمارات العربية المتحدة من قبل الجانب السعودي بطريقة تمنع أي شرخ في العلاقات بينهما”.
في هذه الأثناء نشر مركز “أميركان ثينكر” الأمريكي تقريراً, جاء فيه إن الرياض على وشك أن يتم طردها من اليمن بعد أربع سنوات من حرب مولت فيها المملكة فرق المرتزقة بتكلفة 200 مليون دولار في اليوم ذلك ضد الحوثيين وجماعات المعارضة اليمنية الفقيرة.
وعلى ما يبدو فإن الحرب اليمنية التي بدأت في عام 2015 قد استقرت في طريق مسدود بعد حوالي 39700 معركة وخسارة حوالي 91،600 شخص، وفقاً للتقرير الذي أعده مشروع بيانات الأحداث والمنازعات المسلحة (ACLED)، ولكن حتى مع وجود حركة عسكرية أقل بكثير، كان هناك 4900 حادث مسلح و11900 قتيل في عام 2019.
ورغم الفارق الضخم والكبير في الإمكانات المادية للمملكة واليمن، فإن الرياض واصلت فشلها المستمر في اليمن ولم تحقق أي نجاحات تذكر، وفيما بدأ التمرد الحوثي في عام 2004 عندما حاولت الحكومة اليمنية القبض على الزعيم الديني الحوثي والبرلماني حسين بدر الدين الحوثي بوضع مكافأة قدرها 55000 دولار على رأسه.
لكن الحوثيين استولوا على العاصمة وفر الرئيس عبدربه منصور هادي إلى الرياض في عام 2015، وظلت اليمن التي لديها القليل من الموارد الطبيعية أو الصناعية، لكنها تسيطر على 31 ميلا بطول 16 ميلا في مضيق باب المندب، والمعروف باسم “بوابة الدموع” التي تعد المخرج الجنوبي الوحيد من البحر الأحمر لناقلات النفط السعودية المتجهة إلى آسيا.
وتابع التقرير إن القواعد الجوية لآل سعود المسلّحة بالمعدات العسكرية الغربية، نفذت قصفا عشوائياً على مواقع الحوثيين في شمال اليمن مع طائرات أمريكية من طراز F-15، ومقاتلات بريطانية من طراز EF-2000، ومقاتلات بانافيا تورنادو؛ بالإضافة إلى طائرات الهليكوبتر الأمريكية من طراز Apache و Black Hawk.
كما اصطفت قوات آل سعود على الحدود اليمنية بمعدات أبرامز الأمريكية ودبابات AMX 30 الفرنسية، معززة بما لا يقل عن خمسة أنواع من المدفعية الغربية الصنع، كما فرضت السفن الهجومية الأمريكية والفرنسية والألمانية نموذج الحصار البحري وبخاصة على ميناء الحديدة.
ومع تزايد الرغبة لدى الرياض لإعادة الرئيس اليمني المخلوع عبد ربه منصور هادي، وتفادي الهجمات التي استهدفت الداخل السعودي ذاته وهددت المطارات المملكة الحيوية.
وفي هذا الصدد قامت الرياض والإمارات التي أعلنت انسحابها مؤخراً من اليمن، بتمويل فرق المرتزقة وخاصة من العناصر الإفريقية، وأيضاً نشرت قوات آل سعود وحتى فرنسية من فئة المارينز على مدار الأراضي اليمنية مع تقارير عن وجود سجون سرية وفرق تعذيب إماراتية وسعودية باليمن.
ولكن الحوثيين والمقاومة اليمنية نجحوا في التغلب على قوات آل سعود في عدة معارك، والأهم من ذلك أنهم أطلقوا بنجاح عدة صواريخ على مدن المملكة وربما اثنتين من ناقلات النفط في البحر الأحمر.
وبعد جريمة الاغتيال المروعة التي وقعت في أكتوبر عام 2018 للكاتب المساهم بصحيفة واشنطن بوست جمال خاشقجي في قنصلية السعودية بإسطنبول، أصبح الرأي العام الأمريكي يشك في سلوك المملكة في الحرب الأهلية في اليمن.
كما استمر الكونغرس الأمريكي في مطالبته بخفض الدعم العسكري لآل سعود، لكن الخلافات العلنية أيضاً بين الرياض والإمارات شكلت فشلاً جديداً للطموح السعودي.
حيث برزت تلك الخلافات مؤخراً على السطح حول وجود خلافات إستراتيجية بين الحين والآخر بين السعوديين والإمارات.
وأدركت الإمارات أنه بعد جريمة اغتيال خاشقجي وتداعياتها بات من الصعب للغاية تحقيق أي فوز في الحرب التي يتخلى فيها المجتمع الدولي تدريجياً عن تأييد تحالف آل سعود، وحينما طالبت الأمم المتحدة بوقف لإطلاق النار في الحرب الأهلية في اليمن في مايو الماضي.
قالت الإمارات إنها تعيد وضع قواتها بعيداً عن الخطوط الأمامية، كما اجتمعت الإمارات مع مسؤولين إيرانيين في يوليو للتفاوض حول حقوق الصيد التعاونية بين الدولتين المواجهتين للخليج العربي، لكن بعد عشرة أيام، أطاحت قبائل المجلس الانتقالي الجنوبي، حلفاء الإمارات في اليمن، بالحكومة اليمنية المدعومة من الرياض واستولت على مدينة عدن.
وأشار التقرير إلى أن الرياض تواجه الآن مئات الآلاف من الحوثيين المسلحين في واقع يكشف تعرض الداخل السعودي ذاته للتهديد المباشر.
وفيما يبدو أن المملكة تركت بمفردها دون حلفاء وشركاء رئيسيين يمكنهم دعم الرياض في الحرب التي يرون أنها خاسرة وغير محسومة، كما لم يكن هناك أي اندفاع وطني من قبل المواطنين السعوديين للتطوع العسكري للمشاركة في المهام القتالية في اليمن وخوض غمار التدخل العسكري عبر نشر القوات، وكل تلك مؤشرات توحي بفشل من كافة الجوانب للمملكة لحربها في اليمن.