يشكل التحالف المعلن بين النظام السعودي واليونان دليلا على تخبط السياسة الخارجية للمملكة وإنفاقها مبالغ مالية باهظة لإقامة علاقات تتسم بالتهور دون فائدة مجدية.
ويستعرض “سعودي ليكس” أسباب تطور العلاقات بين المملكة واليونان ودلالات ذلك، خصوصًا مع تشعّب العلاقات ودخول التعاون والتنسيق لأكثر من مجال.
ومعروف أن اليونان، الدولة التي تعيش على أطلال ماضيها، في ظلّ تعثّر حاضرها، وغموض مستقبلها، تعاني أزماتٍ عدة أبرزها: أزمتها الاقتصادية التي أغرقتها بالديون وعرّضتها للإفلاس وجعلتها دولة تقتات على المساعدات الأوروبية، مع غيابٍ واضحٍ لأي دورٍ إقليميٍ أو تحالفاتٍ مؤثرةٍ.
من جهة أخرى، تمثّل اليونان بمنظومتها العقائدية وموقعها الجغرافي، نافذة أوروبا على العالم العربي والإسلامي، ولكنها مع ذلك لم تكن هدفًا استراتيجيًا لدول الخليج عمومًا؛ لعدم وجود خطوط تماس مع مصالحها، وانهيار اقتصادها، الذي لا يُغري الخليجيين بتحقيق هذا التقارب والتحالف معها.
فعلى سبيل المثال، بلغت قيمة صادرات المملكة لليونان في 2010 حوالي 0.65% فقط من إجمالي صادرات المملكة، والتي معظمها صادرات النفط الخام ومنتجاتها، فيما تستورد المملكة من اليونان بذور القطن وأحجار رصف الطرق والرخام، وما خلا ذلك، بقيت العلاقات بين البلدين لا تتعدى تبادل السفراء!
وشهدت السنوات الأخيرة القليلة، تعاونًا مصريًا إماراتيًا سعوديًا مع اليونان، لأهداف سياسية بحتة، تتلخص في استقطاب اليونان (الخصم التقليدي لتركيا)، والعمل على تحويلها إلى مخلب قط لمواجهة نفوذ أنقرة، ولكن أبرز هذه التحركات كانت بدافع من محمد بن سلمان.
وكشفت وثيقة (تم تسريبها) قبل سنوات، بعنوان “سري للغاية وعاجلة” وبتوقيع الملك سلمان، دعوة وزارة الخارجية لتعزيز تعاونها مع اليونان في كافة المجالات، وتوجيه مركز الملك عبدالله العالمي للحوار كسب ود الكنيسة الأرثوذكسية؛ لما لها من تأثير على صناعة القرار السياسي في اليونان.
ومنحى العلاقات ازداد تسارعًا بعد وصول جود بايدن إلى البيت الأبيض، والذي هدّد قبل وصوله بتقليص الدعم العسكري للمملكة، وفتح ملف جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي، مما أثار مخاوف بن سلمان ودفعه لتسريع عجلة المفاوضات مع اليونان التي أعلنت في 20 فبراير الماضي (بعد شهر فقط من تنصيب بايدن) إمكانية إرسال بطاريات الباتريوت للمملكة.
ورافق ذلك إقامة مناورتين جويتين مشتركة، الأولى في مارس بقاعدة “سودا” الجوية باليونان، والثانية في يونيو بقاعدة الملك فيصل الجوية بالمملكة، وبينهما في 20 أبريل، تم توقيع صفقة لتزويد المملكة بالباتريوت، مع نشر عسكريين يونانيين، على أن تغطي الرياض تكاليف النقل وتحديث البطاريات.
وشمل التعاون بين البلدين، توقيع اتفاقية تعاون في مجال السياحة الساحلية والبحرية المستدامة، وإبداء أثينا رغبتها في المشاركة في تنفيذ رؤية 2030، فيما عرضت الرياض تقديم الدعم اللازم لليونان في مواجهة موجة الحرائق (على الرغم من عدم تقديمها لنفس العرض لتركيا التي كانت حرائقها أشد).
في ضوء هذا الاستعراض والتحركات، هناك عدة دلالات لذلك:
استعانة المملكة باليونان، كبديل للتزويد بمنظومات الباتريوت، يعكس التخوف الذي يلازم ابن سلمان بعد فشله سياسيًا في نيل ثقة بايدن، وفقدان المملكة للشعور بالأمن مع تزايد هجمات الحوثيين وتعاظم خطرهم.
ما قامت به اليونان لا يعدو دور “المقاول العسكري” لصفقات الباتريوت الأمريكية، ومن المرجّح أنها كلفت خزينة المملكة مبالغ طائلة!.
وما يعزز ذلك هو تكتّم الرياض بشدة حول تفاصيل الصفقة المالية، وهو نهج يعكس صفقات سياسية، بخلاف الصفقات التجارية البحتة التي تتسم غالبا بالعلنية.
وتعد اليونان هي المستفاد الأكبر من هذا التعاون، الذي سيساهم في تعزيز اقتصادها المفلس، ويعيد تقديمها سياسيًا في المنطقة، بعد عقود من النسيان، في المقابل، لن تجني المملكة سوى صفقات محدودة بأثمان باهظة، وربما محاولة كسب ود الغرب الذي تمثل اليونان واجهة إيديولوجية له.
مرة أخرى، تختار المملكة بتحالفها مع اليونان، الانحياز للمعسكر الخطأ، الذي لا يمثّل توجهات المملكة الخارجية تجاه العرب والمسلمين، فتخندُق المملكة مع اليونان ضد تركيا، سيساهم في إبعادها عن محيطها العربي والإسلامي، ويزيد من استعداء الشعوب ضدها.