محمد بن سلمان والشعور الطاغي بفائض القوة والسلطة

يجمع مراقبون على أن إقدام ولي العهد بمحمد سلمان باعتقال كبار أمراء المملكة يظهر أنه قد شرع في التخلص من المنافسين المحتملين ضمن سعيه لتعزيز سلطاته وحسم صراع العرش لصالحه.

ويبرز المراقبون أن الاعتقالات الحاصلة تتوافق مع أسلوب بن سلمان الاستبدادي منذ أن أصبح حاكما فعليا في عام 2017، إذ استولى على معظم المهام الإدارية اليومية للبلاد من والده وباشر عملية تطهير شاملة استهدفت منافسيه ومنتقديه والناشطين.

ويظهر بن سلمان بشعور طاغي بفائض القوة والسلطة، في نظام مغلق يوجِب الطاعة الكاملة على الرعايا، بحيث يذهب بهذا الحكم إلى أن يفعل ما يريد، من دون كثير اكتراث بالذي قد ينجمُ بعد ذلك.

يبرز بهذا الصدد تقرير وكالة أسوشييتد برس العالمية للأنباء بأن بن سلمان، إنما أراد في حبس عمّه أحمد بن عبد العزيز (78 عاما)، الموصوف بأنه أميرٌ قوي وذو مكانة في الأسرة، أن يعرف الجميع أن لا أحد في منجاة من أي عقوبة.

يتم ذلك والأخبار الشحيحة التي رشحت أن الأمير أحمد إنما تكلم مع بعض جلسائه متذمّرا من غير أمر في إدارة ابن أخيه الحكم، ولم يُرضه وقف الطواف والصلاة في الحرم المكّي، ولو احترازا من “كورونا”.

يكفي أن العمّ جاء على شيءٍ كهذا، بعد امتناعه، بعض الوقت، عن بيعة محمد بن سلمان (35 عاما) وليا للعهد، لمّا أزيح محمد بن نايف من المنصب العتيد قبل ثلاثة أعوام ونيّف، ويكفي أن الأخير لا يأتي العسس من مجالسه بما يُرضي صاحب الشوكة الأولى في المملكة، ويكفي أن ولاء أشقاء وأبناء لهذا وذاك وغيرهما منقوص.

والبادي أن من يسيّرون الإعلام الشديد الرسمية في محيط محمد بن سلمان أرادوا أن تطول حبال الكلام الكثير، ويُزاد ويُعاد في القيل والقال، بشأن الذي جرى، وأن يثرثر من أراد أن يثرثر في الأمر، بعض الوقت، ولو جنح بعضٌ إلى كلام عن موت الملك أو احتضاره، قبل أن يُفاجَأوا به يستقبل سفيريْن معينين.

يظهر كل ذلك أن المملكة ليست في حالٍ يسرّ الخاطر، وإنه ليس سرا، ولا قراءة في الفنجان، أن قدرا غير هين من الاضطراب يحدُث في الأسرة الحاكمة في هذا البلد البالغ الأهمية والحساسية، ولا بأس من تقديره اضطرابا غير مسبوق.

تعيد الأحداث الأخيرة في المملكة إلى الاذهان حلقات سابقة من مسلسل الصراع على العرش السعودي حين تمكن بن سلمان من ازاحة ابن عمه الأمير محمد بن نايف من ولاية العهد قبل نحو ثلاثة أعوام.

والاعتقالات الأخيرة وإن اخذت محنى أكثر جرأة فإنها تذكر ايضاً بمشهد اعتقال أمراء سعوديين في المرة الأولى في فندق الريتز كارلتون قبل أكثر من ثلاثة سنوات بتهمة الفساد والتربح.

يفسر مراقبون ما جرى باعتباره تدبير من ولي العهد الحالي للقضاء على رجلين الذين يمثلان تهديداً لتقلده المنصب الأرفع في البلاد خلفاً لوالده، فالأول هو الامير محمد بن نايف صاحب النفوذ والسيط الواسع داخلياً وخارجياً وكان المرشح الاوفر حظاً قبل ازاحته لتقلد المنصب.

أما الثاني فهو الأمير أحمد شقيق الملك الذي تداولت وسائل الاعلام اسمه كمرشح مقبول في أوساط العائلة المالكة لوراثة العرش السعودي، وقد بدا منه سابقاً ما فهم على أنه انتقاد لسياسة المملكة الحالية.

والاعتقالات الأخيرة حسب مراقبين تكسر أيضا مزيدا من أعراف الأسرة المالكة سيما وأنها طالت النجل الأخير المتبقي على قيد الحياة لمؤسس المملكة الأمير أحمد بن عبد العزيز وقد تكون افتتاحاً لحلقة أخرى في مسلسل اعادة ترتيب العرش السعودي.

وضمن هذا المسلسل فإن بن سلمان يريد لوالده أن يبقى على قيد الحياة لمدة ما حتى يتخلص من كل المعارضات من العائلة الحاكمة مثل أحمد بن عبد العزيز ومحمد بن نايف وغيرهم.

إذ تتحدث مصادر في الديوان الملكي أنه مؤخرا تم استدعاء الأمير أحمد بن عبد العزيز إلى الديوان الملكي من أجل التوقيع على وثيقة بقبول محمد بن سلمان ملكاً، فرفض رفضاً بات رغم كل الإغراءات التي قدمت له.

وعليه فإن بن سلمان أدرك أن الأمير أحمد سيقف عائقا أمام وصوله للسلطة، فيما يبقي الملك سلمان مغيبا عن المشهد ولا دور حقيقي له في كل الأحداث المهمة خاصة مع تواتر التقارير عن تدهور شديد في قدراته الصحية والعقلية.

من جانب أخر فإن بن سلمان أثبت أن رجال العائلة الحاكمة جميعهم جبناء ومترددون وعلى درجة عالية من الخوف وأنهم ليسوا من أهل الإقدام، وبعد اعتقال الأمير أحمد بن عبد العزيز يبدأ الأمراء والعائلة الحاكمة بالشعور بالخطر وأنهم إن لم يتحركوا فسيكون مصيرهم السجون.

وبالمحصلة فإن التطورات الحاصلة في العائلة الملظة تظهر بوضوح حدة التصدع داخل النواة الحاكمة، في ظل سعي محمد بن سلمان لإبعاد كل الوجوه المؤثرة، في تغير قسري لنوع الحكم التاريخي التي عرفته المملكة.

إذ أن بن سلمان يرسخ بالقوة وعبر مرتزقة من القوات الأجنبية سلطته القائمة على الانفعالية والاقصائية وأنه لا يقبل شريكاً، لكنه في الوقت ذاته يكرس أعراض الشيخوخة في المملكة عبر تصدع في نواة الحكم.