تتوقع تقارير دولية ارتفاع قياسي للبطالة في المملكة العربية السعودية خلال المرحلة المقبلة في ظل تعمق الأزمة الاقتصادية فيها وفشل رؤية ولي العهد محمد بن سلمان الاقتصادية المعروفة باسم “رؤية 2030”.
وقد شكل فرض نظام آل سعود ضريبة القيمة المضافة التي دخلت حيز التنفيذ بشكل مضاعف مطلع الشهر الحالي ضربة للمتسوقين السعوديين وتأزيم جديد للوضع الاقتصادي.
وبعد سنوات من الازدهار وجد السعوديون أنفسهم أمام تقشف إجباري في عهد الملك سلمان وابنه محمد، حيث ارتفعت ضريبة القيمة المضافة من 5 إلى 15 في المئة، في وقت تعاني المملكة من تراجع إيرادات النفط بسبب هبوط الطلب بسبب جائحة فيروس كورونا.
ووصفت صحيفة فايننشال تايمز ما يحصل في السعودية حاليا من تغيير بزيادة الضرائب وإلغاء بعض الامتيازات للموظفين، بتغيير “العقد الاجتماعي” ما بين الحاكم والمحكوم.
وتخالف هذه الإجراءات الصارمة عرفا اجتماعيا معتمدا منذ عقود كان ينعم المواطنون بموجبه بإعانات وإعفاءات من الضرائب ورخاء، تقدمها الدولة مستخدمة عائداتها الكبيرة من الثروة النفطية.
إذ أن عمليات البيع والشراء ارتفعت في يونيو الماضي، أكانت لشراء الملابس أو الأجهزة الكهربائية أو الحاجات الأساسية مثل السيارات، في خطوة للاستفادة من رخص الأسعار قبل زيادة الضريبة عليها ثلاثة أضعاف.
ورغم خوض الرياض حرب الأسعار بسوق النفط حيث تراجعت عوائدها بشكل كبير من هذا القطاع، وهو يرتبط أيضا بأزمة كورونا، إلا أن خططها لـ 2030 لم تتغير، وأعلنت تخفيضات في الإنفاق الحكومي، وإلغاء مزايا كان يحصل عليها الموظفون الحكوميون.
وكانت المملكة من أوائل الدول التي أقرت ضريبة القيمة المضافة، وهو ما يعني “أن العقد الاجتماعي بين المواطنين السعوديين والحكومة يتغير” مع استمرار ولي العهد بخططه الاقتصادية المختلفة.
وتقول كارين يونغ باحثة في معهد أميركان إنتربرايز لفيننشال تايمز إن الانتعاش في السعودية سيكون بطيئا، وستتعمق أزمة البطالة في البلاد، والتي سيعتمد الحد منها على ارتفاع أسعار النفط العالمية وانتعاش الطلب.
ونقلت الصحيفة عن تحليلات من “الراجحي كابيتال” أن السلطات السعودية تتوقع أن تصل الإيرادات من ضريبة القيمة المضافة في 2021 بحدود 88 مليار ريال سعودي (ما يعادل نحو 24 مليار دولار).
وبدأت المملكة تحصيل الضريبة على القيمة المضافة في 2018 وسط عجز مستمر في الميزانيات السنوية في فترة ما بعد انهيار الأسعار الخام، وفرضت ضرائب أخرى بينها رسوم إقامة إضافية على الأجانب.
وبينما كانت تعلق أداء العمرة، المناسك التي تدر عليها المليارات سنويا، وتغلق المتاجر والمساجد والأعمال وحركة النقل خوفا من تفشي فيروس كورونا المستجد، أعلنت أن هذه الاغلاقات ستتسبب بالتزامن مع تراجع أسعار النفط بمصاعب اقتصادية غير مسبوقة.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي للسعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، بنسبة 6.8 في المئة هذا العام، في أسوأ أداء له منذ ثمانينات القرن الماضي.
وتوقعت مؤسسة كابيتال إيكونوميكس الاستشارية ارتفاع التضخم إلى 6 بالمئة في يوليو من 1.1 بالمئة في مايو.
كما تخاطر المملكة بخسارة المنافسة التجارية أمام دول الخليج الأخرى، بما في ذلك حليفتها الرئيسية الإمارات، وهي دول أدخلت ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5 بالمئة في نفس الوقت لكنها امتنعت حتى الآن عن زيادتها.
وتلقت السعودية ضربة أخرى مع تقليص السلطات بشكل كبير أعداد الحجاج هذا العام، من 2.5 مليون حاج العام الماضي إلى حوالي ألف فقط بسبب المخاوف من تفشي الفيروس الذي تسبب بوفاة أكثر من 1600 شخص في المملكة من بين نحو 200 ألف إصابة مسجلة.
وتدر مناسك الحج والعمرة 12 مليار دولار سنويا على خزينة الدولة. وتتوقع مجموعة “جدوى” السعودية للاستثمار أن يرتفع العجز إلى مستوى قياسي قد يبلغ 112 مليار دولار هذا العام.
في هذه الأثناء أظهرت أرقام المبادرة المشتركة للبيانات النفطية “جودي”، هبوط صادرات المملكة من النفط الخام، بنسبة 41.2 بالمائة على أساس شهري، في مايو/أيار الماضي.
وبلغت صادرات المملكة 6.020 ملايين برميل يوميا في مايو 2020، مقابل 10.237 ملايين برميل يوميا في أبريل/نيسان السابق له.
وتزامن ذلك، مع خفض المملكة إنتاجها التزاما باتفاق تحالف “أوبك+” نتيجة لتداعيات جائجة “كورونا” على الطلب العالمي على الخام.
ونزل إنتاج المملكة في مايو الماضي، بنسبة 29.3 بالمئة على أساس شهري، إلى 8.486 ملايين برميل يوميا، من 12.007 مليون برميل يوميا في أبريل السابق له.
وشهد أبريل الماضي، حرب أسعار عبر ضخ للخام في الأسواق، بين ولى العهد محمد بن سلمان وروسيا، قبل الإعلان عن اتفاق جديد لخفض الإنتاج بدأ مطلع مايو الماضي.
وفي أبريل/ نيسان الماضي، أظهرت بيانات رسمية، أن قيمة صادرات نفط المملكة انخفضت بنسبة 65.4% مقارنة مع الشهر ذاته في 2019، بما يعادل هبوطا بنحو 12 مليار دولار.
وقالت الهيئة العامة للإحصاء، إنه مقارنة مع مارس/آذار، تراجع إجمالي الصادرات، بما في ذلك صادرات السلع غير النفطية مثل المواد الكيماوية والبلاستيك، 23.5% أو نحو 3 مليارات دولار.
وفي ظل انخفاض أسعار النفط والطلب عليه، هوت قيمة صادرات النفط السعودية في الربع الأول من العام الجاري 21.9% على أساس سنوي إلى 40 مليار دولار، ما يعادل تراجعا بنحو 11 مليار دولار حسب ما أظهرته بيانات في وقت سابق من الشهر الجاري.
ولم تقتصر حرب أسعار النفط التي أشعلها ولى العهد محمد بن سلمان مع روسيا، في مارس/ آذار المنصرم، على الخسارة الآنية فقط، بل تعدت لفقدان المملكة أسواقا عالمية.
وتراجعت صادرات النفط السعودية نحو الولايات المتحدة الأميركية بمستويات قياسية منذ بداية العام 2020، وشهدت تراجعا ملحوظا مع تفشي فيروس كورونا وحرب أسعار النفط العام.
وأظهرت بيانات إحصائية، خسارة المملكة لأسواق الصين، لتصبح روسيا أكبر مصدر للنفط العام خلال إبريل/ نيسان المنصرم.
وتخطت روسيا المملكة لتصبح أكبر مصدر للنفط الخام إلى الصين في إبريل/ نيسان، حسب ما أظهرته بيانات الجمارك، إذ ارتفعت الصادرات 18 في المائة عنها قبل عام مع اقتناص شركات التكرير للمواد الخام بأسعار رخيصة وسط حرب أسعار بين المنتجين.
وبلغت الشحنات الروسية 7.2 ملايين طن خلال إبريل، بما يعادل 1.75 مليون برميل يوميا، وفقا للأرقام الصادرة عن الإدارة العامة للجمارك، مقابل 1.49 مليون برميل يوميا في إبريل/ نيسان 2019 و1.66 مليون برميل يوميا في مارس/ آذار.
وانخفضت الإمدادات من السعودية إلى 1.26 مليون برميل يوميا، من 1.53 مليون برميل يوميا في إبريل/ نيسان 2019 و1.7 مليون برميل يوميا في مارس/ آذار.
وبلغ إجمالي واردات الصين من النفط الخام في إبريل/ نيسان 9.84 ملايين برميل يوميا، ارتفاعا من 9.68 ملايين برميل يوميا في مارس/ آذار، لكن بانخفاض كبير عن 10.64 ملايين برميل يوميا في إبريل/ نيسان من العام الماضي، بحسب بيانات صدرت في وقت سابق من الشهر الحالي.
وأعلنت شركة أرامكو السعودية، سابقا، أن أرباحها في الربع الأول انخفضت بنسبة 25 في المائة مقارنة بالعام الماضي.
كما هوت عائدات تصدير النفط خلال الربع الأول بنسبة 24% على أساس سنوي إلى 34 مليار دولار، وتراجعت الأصول الاحتياطية للمملكة إلى أدنى مستوى منذ 9 سنوات، إلى 473.3 مليار دولار.
وسبق أن هبطت احتياطيات العملات الأجنبية في البنك المركزي في مارس/آذار بأسرع معدل منذ 20 عاما على الأقل ولأدنى مستوى لها منذ 2011.