لا تزال العلاقات الدبلوماسية التركية السعودية تشهد توترا منذ جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل سفارة بلاده بمدية إسطنبول غير أن نظيرتها التجارية تسير بوتيرة طبيعية.
وبعد عامين من الجريمة التي هزت الرأي العام، لا تزال تركيا تصر على ملاحقة قتل خاشقجي ومحاكمته، وهو ما دفع سلطات آل سعود بالعمل على تهديد تركيا سواء بالتجارة أو السياحة أو غيرها من خلال إجراءات حكومية مباشرة ولكن من دون تبني ذلك رسمياً بقرار حكومي علني.
ومنذ أشهر طويلة، يجري الحديث عن وجود تضييق سعودي رسمي -غير معلن- للحد من وصول البضائع التركية إلى السعودية وذلك من خلال تأخير الشاحنات في المعابر والجمارك وتعقيد إجراءات الاستيراد، إلا أن الأرقام لم تتراجع بشكل كبير.
ويرى مراقبون الإجراءات السعودية هدفها رفع مستوى التضييق على المنتجات التركية لكن مع الحفاظ على عدم تبني ذلك بشكل معلن لأسباب يبدو أنها تتعلق بالحفاظ على الخيط المتبقي في العلاقات بين البلدين وخشية من رد فعلي تركي مشابه، لا سيما وأن السعودية ستكون متضررة أيضاً من أي قرارات في هذا السياق.
ولأول مرة، دعا رئيس مجلس الغرف التجارية السعودي، عجلان العجلان، قبل أيام، إلى مقاطعة المنتجات التركية.
وكتب رجل أعمال على تويتر “المقاطعة لكل ما هو تركي، سواء على مستوى الاستيراد أو الاستثمار أو السياحة، هي مسؤولية كل سعودي ‘التاجر والمستهلك‘، رداً على استمرار العداء من الحكومة التركية على قيادتنا وبلدنا ومواطنينا”.
لكن معطيات رسمية تفيد بأن حجم التبادل التجاري بين البلدين ما زال حتى اليوم يحافظ على مستوياته الطبيعية التي كانت قبل تفجر الخلافات، إذ لم تنجح الحملات السابقة حتى الآن في تقليص حجم التجارة- مع وجود تراجع في العلاقات الاقتصادية في جوانب أخرى- لكنها نجحت في تقليص الأرقام في مجال السياحة.
ويعتقد بعض التجار السعوديين والأتراك منذ أكثر من عام أن السعودية تفرض مقاطعة غير رسمية على الواردات من تركيا.
وقال مستورد سعودي إن حاويات استوردها هذا العام من تركيا ظلت بالجمارك ثلاثة أشهر قبل الإفراج عنها. وقال إن مسؤولي الجمارك نصحوه بشكل غير رسمي بعدم الاستيراد مباشرة من تركيا مجددا.
وخلال السنوات الماضية، بقي حجم التبادل التجاري بين تركيا والسعودية في حدود متقاربة حيث شهد ارتفاعاً طفيفاً في بعض السنوات وانخفاضاً طفيفاً في سنوات أخرى، دون أي تغيرات كبيرة رغم تصاعد الخلافات بين البلدين.
وبحسب بيانات الموقع الرسمي لوزارة الخارجية التركية، فإن حجم التبادل التجاري وصل عام 2015 إلى 5.59 مليار دولار، وعام 2016 إلى 5 مليار، وعام 2017 إلى 4.84 مليار، وعام 2018 إلى 4.95 مليار، وعام 2019 إلى 5.1 مليار دولار.
وفي التفاصيل، كان الميزان التجاري طوال تلك السنوات يميل لصالح تركيا، فبينما كانت الصادرات التركية بين عامي 2015 و2017 تتفوق على الواردات السعودية بحدود 1.3 مليار دولار، تقلص الفارق إلى 300 مليون دولار فقط عام 2018 في مؤشر على تراجع الصادرات التركية في ذروة الخلافات السياسية بين البلدين، قبل أن يعاود الارتفاع إلى مستواه الطبيعي عند 1.3 عام 2019.
على الرغم من ميل الميزان التجاري لصالح تركيا إلا أن التبادل التجاري يصب في صالح البلدين وأي قرار بقطع العلاقات التجارية من أي بلد يعني تلقي نفس حجم الضرر الذي سيترتب على الطرف الآخر
وتشير الأرقام السابقة إلى أن حجم التبادل التجاري وبحسب الأرقام الرسمية حتى نهاية عام 2019 لم يشهد أي تغير استثنائي واستمر على ما كان عليه قبل تفجر الخلافات بشكل كبير بين البلدين عام 2018، كما أن الأرقام توضح أنه وعلى الرغم من ميل الميزان التجاري لصالح تركيا إلا أن التبادل التجاري يصب في صالح البلدين وأن أي قرار بقطع العلاقات التجارية من أي بلد يعني تلقي نفس حجم الضرر الذي سيترتب على الطرف الآخر.
وبينما تستورد تركيا بدرجة أساسية من السعودية مشتقات البترول والكيماويات المختلفة، تستورد السعودية من تركيا السيارات والمحركات وقطع الغيار والحديد والألومنيوم إلى جانب الأطعمة المختلفة والأجهزة الكهربائية والمجوهرات والمفروشات والملابس، وذلك بحسب بيانات نشرتها السفارة التركية في الرياض.
وفي أحدث أرقام، تشير بيانات الموقع الرسمي لوزارة التجارة التركية إلى أن الصادرات التركية إلى السعودية ما بين شهري يناير/ كانون الثاني وآب/ أغسطس 2020 بلغت 1.9 مليار دولار، في انخفاض بلغ 400 مليون دولار عن نفس الفترة من العام الماضي والتي بلغت فيها الصادرات التركية إلى السعودية 2.3 مليار دولار.
بينما تستورد تركيا بدرجة أساسية من السعودية مشتقات البترول والكيماويات المختلفة، تستورد السعودية من تركيا السيارات والمحركات وقطع الغيار والحديد والألومنيوم إلى جانب الأطعمة المختلفة والأجهزة الكهربائية والمجوهرات والمفروشات والملابس
وفيما يتعلق بأرقام الصادر السعودية إلى تركيا في نفس الفترة الواقعة ما بين شهري يناير/ كانون الثاني وآب/ أغسطس من العام الجاري، حيث بلغت 1.1 مليار دولار بعد أن كانت 1.44 مليار دولار في نفس الفترة العام الماضي، في انخفاض ايضاً 350 مليون دولار.
لكن وفي حال الأخذ بعين الاعتبار أن الفترة المذكورة تشمل فترة الاغلاق العام حول العالم بسبب انتشار فيروس كورونا وتوقف التجارة الدولية وتراجع الاستهلاك، فلا يعتبر ذلك مؤشراً على وجود تراجع في حجم التبادل التجاري بين البلدين رغم كل الازمات التي مرت بها العلاقات السياسية بينهما.
وبحسب بيانات الموقع الرسمي لوزارة الثقافة والسياحة التركية، فقد وصل عدد السياح القادمين من السعودية إلى تركيا عام 2018 إلى 747 ألف سائح بزيادة وصلت إلى 15٪ عن عام 2017 الذي وصل فيه عدد السائحين إلى أكثر من 650 ألف، بعد أن كان لا يتجاوز الـ530 ألف في عام 2016، والـ450 ألف في 2015، والـ341 ألف في عام 2014، كما أن هذه الأرقام لم تكن تتجاوز الـ20 ألف حتى عام 2008.
لكن وبعد أن وصل عدد السياح عام 2018 إلى 747 ألف سائح، تراجع بشكل لافت عام 2019 إلى 564 ألف سائح بحسب البيانات الرسمية لوزارة السياحة التركية، وهو تراجع واضح بنسبة وصلت إلى 25 بالمئة وجاء عقب الحملات الرسمية وغير الرسمية التي استهدفت التضييق على السياحة السعودية إلى تركيا.
وفي السنوات الأخيرة، يتدفق السياح السعوديون إلى الأماكن والمدن السياحية في تركيا بنسب غير مسبوقة وذلك على الرغم من الخلافات السياسية الكبيرة بين البلدين وحملات الترهيب والتخويف والمقاطعة التي احتدمت في الأشهر الأخيرة، ويشير التراجع في أرقام السياح إلى نجاح الحملات والتضييق الرسمي في التقليص من حجم السياحة.
وإلى جانب السياحة، يتجه السعوديون إلى شراء العقارات بشكل أكبر من السابق في تركيا، وباتت الكثير من المجمعات السكانية في إسطنبول يقطنها أعداد كبيرة من السعوديين، بينما يكتفي آخرون بشراء الشقق للاستثمار أو تركها مغلقة لاستخدامها لأيام معدودة في العام فقط.
كما بات مئات السعوديين يمتلكون بيوتاً مستقلة وفيللاً راقية في مناطق ساحل البحر الأسود ومنطقة بحيرة سابنجا وبولو وغيرها من المناطق السياحية الجميلة، حيث يُعتبرون حالياً ثاني أكثر الأجانب والعرب بشكل عام تملكاً للعقارات في تركيا.