فيديو يرصد: تصاعد غير مسبوق للقمع في السعودية
تشهد المملكة العربية السعودية تصاعد غير مسبوق في حدة القمع عبر اعتقالات جديدة على خلفية الرأي دون سند قانوني وإصدار أحكام تعسفية بالسجن من 5 إلى 7 أعوام بتهم زائفة بحق كتاب وشخصيات إعلامية وأكاديمية.
بموازاة ذلك يتم عزل المعتقلين عن العالم الخارجي وهو ما أكد عليه تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية التي أكدت أن سلطات آل سعود حرمت طيلة أشهر بعض المحتجزين البارزين من الاتصال بأقاربهم ومحاميهم.
ومن بين هؤلاء ولي العهد السابق محمد بن نايف المحتجز بمكان مجهول دون تهمة وسط مخاوف جدية على سلامته وحالته الصحية.
والداعية البارز سلمان العودة المنقطعة أخباره منذ أشهر حيث يحتجز بالحبس الانفرادي دون القدرة على الاتصال بمحام أو بأفراد عائلته.
وتواصل سلطات آل سعود اعتقال ناشطات رأي وسط شكاوى بتعذيبيهن والتحرش بهن جنسيا وسط مطالب دولية بمراقبة دولية على سجون آل سعود وإجراء تحقيقات محايدة في وقائع التعذيب والوفيات أثناء الاحتجاز.
وقالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن السعودية حرمت طيلة أشهر بعض المحتجزين البارزين من الاتصال بأقاربهم ومحاميهم.
جاء ذلك في رسالة طالبت فيها هيومن رايتس ووتش بزيارة المملكة وإجراء زيارات خاصة للمحتجزين في السجون. يثير الوضع مخاوف جدية بشأن سلامة المحتجزين ورفاههم.
منذ مارس/آذار 2020، حظرت السلطات السعودية الزيارات الشخصية للسجناء في جميع أنحاء البلاد للحد من تفشي فيروس “كورونا”. لكن يقول نشطاء سعوديون ومصادر أخرى إن السلطات حرمت دون مبرر معارضين مسجونين عديدين ومحتجزين أخرين من الاتصال المنتظم مع العالم الخارجي.
قال مايكل بَيْج، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “يبدو أن السلطات السعودية عازمة على زيادة معاناة بعض المحتجزين وأحبائهم عبر حرمانهم من سماع أصواتهم والتأكد من أنهم بخير. ينبغي السماح لجميع السجناء بالتواصل مع عائلاتهم والعالم خارج زنزاناتهم دون قيود، وبخاصة خلال هذه الأوقات العصيبة”.
قال أحد أفراد أسرة إحدى ناشطات حقوق المرأة البارزات لهيومن رايتس ووتش إنه مر أكثر من شهرين لم يتلقوا فيها أي مكالمة هاتفية من قريبتهم المحتجزة. قال أحد أقارب الداعية البارز المسجون سلمان العودة إن أخباره انقطعت عن الأسرة منذ مايو/أيار.
قال أفراد أسرة ناشطة بارزة أخرى في مجال حقوق المرأة، لجين الهذلول، إن السلطات سمحت لوالديها أخيرا بزيارتها في 31 أغسطس/آب، بعد قضائها قرابة ثلاثة أشهر في احتجاز بمعزل عن العالم الخارجي.
أضافوا أنها بدأت إضرابا عن الطعام قبل ستة أيام من الزيارة بعد سماعها بأنه سُمح لبعض المحتجزات الأخريات بالاتصال بعائلاتهن. احتجزت السلطات السعودية الثلاثة قرابة عامين أو أكثر في “ظروف تعسفية” بحسب مصادر مطلعة، ويواجهون محاكمات تؤجل مرارا وبتهم تنتهك حقوقهم الأساسية.
اُحتُجز محمد بن نايف، ولي العهد السابق، دون تهمة منذ توقيفه في مارس/آذار، ومكانه الحالي مجهول بحسب محاميه. بينما سُمح للأمير من حين لآخر بإجراء مكالمات هاتفية مع أفراد أسرته، والتي بحسب تقارير، تم بعضها بالإكراه، قال المحامون إنه مُنع من استقبال أفراد عائلته منذ اعتقاله ومن استقبال طبيبه الشخصي منذ فترة احتجازه الأولى.
أضاف المحامون إنهم لا يعرفون ما إذا كان الأمير يتلقى علاجا لمرض السكري وأن هناك مخاوف جدية على سلامته وصحته.
اعتقلت السلطات السعودية لجين الهذلول مع عدد من الناشطات السعوديات البارزات في مجال حقوق المرأة في مايو/أيار 2018، إيذانا ببداية حملة قمع وحشية على حركة حقوق المرأة في المملكة. خلال الأشهر الثلاثة الأولى، احتجزتها السلطات بمعزل عن العالم الخارجي، دون السماح لها بالاتصال بأسرتها ومحاميها. شنت السلطات أيضا موجة اعتقالات ثانية في أغسطس/آب.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، بدأت منظمات حقوقية تُفيد عن اتهامات بأن المحققين السعوديين عذبوا الهذلول و3 محتجزات على الأقل، بما في ذلك بالصدمات الكهربائية والجلد، والتحرش بهن جنسيا.
وجهت السعودية اتهامات إلى العديد من المدافعات عن حقوق المرأة، بما في ذلك الهذلول، تبدو مرتبطة بالكامل تقريبا بأنشطتهن الحقوقية. بدأت محاكماتهن في مارس/آذار 2019.
لكن وحتى أغسطس/آب 2020، أي بعد مرور أكثر من عام، لم يصدر حكما بحق أي منهن، ولم تُحدّد مواعيد جلسات استماع جديدة.
كان سلمان العودة (63 عاما)، من بين العشرات الذين اعتُقلوا في منتصف سبتمبر/أيلول 2017 من قبل جهاز “رئاسة أمن الدولة”، الذي أنشئ قبل أشهر فقط بعد تعيين محمد بن سلمان وليا للعهد. احتُجِز العودة في الحبس الانفرادي، دون القدرة على الاتصال بمحام أو بأفراد الأسرة.
في سبتمبر/أيلول 2018، طالبت النيابة العامة السعودية بإنزال عقوبة الإعدام بحقه بناء على مجموعة من الاتهامات الغامضة المتعلقة بتصريحاته السياسية وجمعياته ومواقفه. لا تشير أي من التهم إلى أعمال عنف محددة أو تحريض على العنف.
قال قريبه إنه ما زال رهن الحبس الانفرادي، ومحاكمته معلقة منذ أواخر 2019، وجلسات الاستماع له أُجِّلت عدة مرات دون تفسير. منذ مايو/أيار، حرمته سلطات السجن السعودية من أي اتصال بأسرته، مما جعلهم قلقين للغاية على صحته.
الاتصال بالعالم الخارجي من الحقوق الأساسية للسجناء. تنُص المعايير الدولية على السماح للسجناء “بالاتصال بأسرهم وبذوي السمعة الحسنة من أصدقائهم على فترات منتظمة، بالمراسلة وبتلقي الزيارات على السواء”. يجب أن تكون القيود المفروضة على الاتصال والحركة متناسبة ومدروسة، ولا يمكن للادعاء أو مدير السجن أن يسحب تعسفا حق السجين في هذه الاتصالات. تنص المعايير الدولية على أنه “لا يجوز حرمان الشخص المحتجز أو المسجون من الاتصال بالعالم الخارجي، وخاصة بأسرته أو محاميه، لفترة تزيد عن أيام”.
حتى قبل تفشي كورونا، وثقت هيومن رايتس ووتش قيام إدارات السجون في كثير من الأحيان بتعليق اتصالات السجناء مع أقاربهم دون تفسير، وبمراقبة لصيقة للمكالمات كلما سمحوا للسجناء بإجرائها، وبقطع الاتصال إذا حاول السجناء مناقشة قضاياهم أو الشكوى من ظروف الاحتجاز. قال بعض السجناء أيضا إن المكالمات الهاتفية مقيّدة عادة بفترة دقيقتين إلى 10 دقائق.
سجلت السعودية ارتفاعا مطردا في حالات العدوى بفيروس كورونا منذ 2 مارس/آذار، حيث سُجلت 303,973 حالة و3,548 حالة وفاة حتى 20 أغسطس/آب. تشكل الأمراض المعدية مثل كورونا خطرا كبيرا على السكان في المؤسسات المغلقة مثل السجون ومراكز الاحتجاز.
في سجون السعودية، والتي وثقت فيها جماعات حقوقية منذ فترة طويلة سوء المعاملة، والاكتظاظ، والظروف غير الصحية، والحرمان من الرعاية الطبية المناسبة، يكاد يكون من المستحيل ضمان حماية مناسبة للصحة العقلية والجسدية للسجناء الضعفاء أصلا في حالة تفشي المرض.
في 24 أبريل/نيسان، توفي عبد الله الحامد (69 عاما)، شخصية حقوقية سعودية بارزة، بينما كان يقضي فترة سجن طويلة.
وفق منظمة “القسط لدعم حقوق الإنسان” السعودية، تدهور الوضع الصحي للحامد في الأشهر الأخيرة، وأجّلت السلطات عملية قلب كان قد أخبره طبيب بأنّه بحاجة إليها في أوائل 2020.
أضافت الجمعية أنّ السلطات اتخذت خطوات لمنع الحامد من مناقشة وضعه الصحي مع عائلته. تعرّض لجلطة في 9 أبريل/نيسان، وبقي في غيبوبة في المستشفى حتى وفاته.
في 19 يوليو/تموز، توفي الكاتب والصحفي صالح الشحي في المستشفى بعد شهرين من إطلاق سراحه. دعت “مراسلون بلا حدود” إلى إجراء تحقيق دولي مستقل لتحديد ما إذا كانت هناك صلة بين ظروف احتجازه ووفاته بسبب مرض لم يُحدَّد رسميا لكن قالت بعض وسائل الإعلام المحلية إنه فيروس كورونا.
أفرجت السلطات السعودية عن الشحي من السجن في 19 مايو/أيار دون تفسير بعد قضائه عامين ونصف العام من عقوبة بالسجن خمس سنوات بتهم تتعلق بالتعبير.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على السلطات السعودية السماح فورا لمراقبين دوليين مستقلين بدخول البلاد، ومراقبة السجون ومراكز الاحتجاز بانتظام، وإجراء تحقيقات محايدة في مزاعم التعذيب والوفيات المشبوهة أثناء الاحتجاز، وإجراء زيارات خاصة ومنتظمة للسجناء.
قال بَيْج: “في أعقاب الوفيات الكارثية لمحتجزين بارزين في ظروف مريبة، على حلفاء السعودية المطالبة بالإفراج الفوري عن جميع المحتجزين ظلما لكي يتمكنوا من حقوقهم الأساسية قبل فوات الأوان. ينبغي ألا تُضطر عائلات المحتجزين بمعزل عن العالم الخارجي إلى قضاء يوم آخر يتساءلون بقلق بالغ عما حلّ بأقاربهم”.